الأمم المتحدة وعامَا الإخفاقات وخلافة بان: هل تصل امرأة؟

03 يناير 2016
عدّة مرشحات للمنصب في العام المقبل (ألبين لوهر جونز/getty)
+ الخط -
تنتهي ولاية الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مع نهاية عام 2016، وبذلك يكون الرجل قد خدم فترتين متتاليتين في منصبه هذا لعشر سنوات. وفيما يبدأ اللهاث على اختيار أمين عام جديد، من باب إجراء تعديلات على الطريقة، تبدو "إنجازات" الأمين العام الحالي والمنظمة الدولية متواضعة هذا العام، لا بل فاشلة بشكل استثنائي. يكفي القول إن الأمم المتحدة تتفرج على أكبر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، أي المجزرة السورية التي تشارك فيها دولة عظمى كروسيا برعاية الأمم المتحدة التي لا تزال تعطيها حق النقض/ الفيتو. يكفي أن الأمم المتحدة وبان كي مون، سجلا باسميهما أكبر فضيحة إنسانية في التاريخ ربما أيضاً، أي موجة اللجوء والموت غرقاً في مياه المتوسط التي لا تتوقف عن إثارة قلق مسؤولي المنظمة الدولية من دون أي تحرك على هذا الصعيد. عام 2015 كان بالنسبة للأمم المتحدة أيضاً عام التخلي عن الشعوب الأكثر تعرّضاً للظلم والأكثر فقراً والأكثر حاجة للمساعدة. وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين تفلس، مدارسها تغلق، كذا "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، وهما تعانيان من التمويل السياسي للدول الكبرى التي تقطع الدفع وتستأنفه وفق أجندة سياسية، الأكيد أنها لا تأخذ في الحساب، بتاتاً، أي اعتبارات أخلاقية.

اقرأ أيضاً: القرار 2254 حول سورية: الغرب يتنازل لشروط روسيا

وجاءت حصيلة عمل الأمين العام وممثليه متواضعة على الرغم من بعض التقدّم الذي أُحرز في بعض المجالات، كالبيئة واتفاق باريس والاتفاق النووي الإيراني. وفي حين يتفاخر أركان المنظمة الدولية بقرار مجلس الأمن الدولي حول سورية 2254، فإن هذا القرار نفسه، بحسب طيف واسع جداً من المراقبين، لم يكن سوى انحياز المنظمة الأممية للرؤية الروسية للحرب السورية، وحماية غير مباشرة لنظام بشار الأسد، وضوء أخضر لإطالة المأساة، كون القرار لم ينص على رأس النظام السوري، وهو ما يترجم في ارتفاع قياسي للمجازر الروسية ــ السورية بحق المدنيين بأسلحة "تقليدية" وأخرى كيماوية منذ صدور القرار حتى اليوم.

وورث الدبلوماسي الكوري الجنوبي، بان كي مون، منصبه من سلفه كوفي أنان عام 2007 الذي ترك وراءه سجّلاً يتضمّن فضائح عديدة، أبرزها فضيحة برنامج "النفط مقابل الغذاء"، والتي كشف عنها عام 2005، إضافة إلى فضائح أخرى تتعلق بالتحرش والاغتصاب مرتبطة بقوات حفظ السلام المتواجدة في دول أفريقية. وبعد تسع سنوات من ولاية بان كي مون، وعلى الرغم من قيامه بجملة من الإصلاحات المؤسساتية بما فيها خفض النفقات، إذ تصل نفقات الأمم المتحدة إلى ضعف ميزانيتها السنوية والتي تقدّر بخمسة إلى ستة مليارات دولار سنوياً، إلا أنه لم يتمكن من القضاء على الفساد. وما تزال المنظمة تعاني من خلل في مصداقيتها وشفافيتها. بل ظهرت فضائح جديدة تتعلق برشاوى واستغلال موظفين كبار في الأمم المتحدة لمناصبهم، كما حدث أخيراً مع فضيحة الرئيس السابق للجمعية العامة، جون آش. كما عادت إلى الواجهة فضائح الاغتصاب والتحرش الجنسي من قبل قوات حفظ السلام. 

كما لم يتمكن مكتب الأمين العام من تقديم حلول خلاقة لقضايا عالقة راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى، بما فيها سورية والعراق واليمن وليبيا. وقد لا يمكن تحميل المنظمة الدولية أكثر من قدراتها، أو مما يدخل في صلاحياتها، ولكن الأمين العام اتخذ في بياناته وإحاطاته موقفاً متلازماً بقوة مع الموقف الأميركي الرسمي، وفي كثير من الأحيان جاءت بياناته بلغة ومضمون شبيهين بتلك التي تصدر عن البيت الأبيض، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. 

ولم يشعر الأمين العام للأمم المتحدة بأي حرج عندما تبنى الموقف الأميركي من الصهيونية، والذي اعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة السابق رقم 3379، والذي صنّفها كنوع من أنواع العنصرية، خطأً تاريخياً.

وبغرض تفعيل دور الأمين العام وفصله عن نفوذ القوى الدولية، فإن مسألة إدخال إصلاحات في طريقة اختيار هذا المنصب تشكل خطوة ضرورية لإصلاح المنظمة ومنصب الأمين العام. وقد وجّه في هذا الصدد كل من رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، مونيز ليكيتوفت، بالإضافة إلى رئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي، سفيرة الولايات المتحدة، سامنثا باور، رسالة مشتركة لجميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة (193 دولة) مطالبين إياها بتقديم ترشيحاتها لمنصب الأمين العام الجديد بأقرب وقت ممكن. واعتبر البعض هذه الرسالة تاريخية، لأنها تعتمد للمرة الأولى على بعض الإصلاحات في كيفية اختيار الأمين العام. كما تلتزم بالإعلان عن أسماء المرشحين بشكل مستمر وطبقاً لقرار الجمعية العامة وتُلزم رؤساء المجلس والجمعية بالسماح للمرشحين بالتحاور واللقاء مع الأعضاء.

من المتوقع أن تكتمل قائمة الترشيحات للمنصب في الثلث الأول من السنة المقبلة، على أن تُجرى تصفيات، بحيث تقدم قائمة قصيرة لمجلس الأمن الدولي، بحلول شهر يوليو/ تموز، يتم اختيار مرشح واحد منها، على أن تصادق الجمعية العامة عليه بحلول شهر يوليو على الأغلب، ليباشر الأمين العام الجديد ولايته في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 2017. وهذه طريقة جديدة سيتم اتّباعها بعدما كان مجلس الأمن هو الذي يقدم ويختار مرشحاً واحداً، وتقوم الجمعية العامة بالمصادقة عليه. ومن المفترض أن تعطي هذه الطريقة قوة أكبر لكافة الدول، إذ إن مبدأ التصويت في الجمعية العامة هو صوت لكل دولة، على عكس مجلس الأمن الذي يستخدم حق النقض (الفيتو) من قبل الدول الخمس دائمة العضوية.

ولم يسبق أن تولّت هذا المنصب أي امرأة، لذلك تطالب العديد من الأصوات بأن يكون المنصب هذه المرة من حظ امرأة. كما من المفترض أن تكون تلك المرأة إما من أوروبا الشرقية أو أميركا اللاتينية، بسبب مراعاة ما يُعرّف تحت اسم "التنوّع المناطقي" أو "الكوتا"، لكن هذا الأمر غير ملزم، إنما هو عُرف متَّبع تلتزم به الدول في الغالب. وشغل منصب الأمين العام ثمانية رجال جميعهم لولايتين، باستثناء بطرس غالي الذي رفضت الولايات المتحدة التمديد له حينها، واستخدمت السفيرة حينها مادلين أولبرايت حق النقض ومنعت انتخابه لفترة ثانية بسبب مواقفه المخالفة للسياسات الأميركية، خصوصاً في ملف العراق.

وسعت مجموعة "المساءلة والتنسيق والشفافية"، التي تقودها سويسرا ودول أخرى، لإجراء تعديلات على طريقة عمل مجلس الأمن لاختيار الأمين العام، والتي تصفها بأنها "تفتقر إلى الشفافية والشمولية". أما حملة "1 يمثل 7 مليارات"، والتي أطلقتها مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومة كمنظمة العفو الدولية، فتصف عملية اختيار الأمين العام بأنها "لا تحتوي على التوصيف الوظيفي وتؤخذ بسرية من خلال عقد صفقات بين الدول الكبرى ومن دون أي مقابلة ومساءلة للمرشحين".

وهناك أسماء عدة رشحت رسمياً للمنصب، وأخرى بارزة كذلك يتم تداولها في الإعلام وعلى لسان بعض الدبلوماسيين. ومنها البرتغالي خوسيه مانويل باروسو، الرئيس الأسبق للمفوضية الأوروبية، والبلغارية إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو، والنيوزيلاندية هيلين كلارك رئيسة الوزراء السابقة لنيوزيلاندا ومديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبرازيلية ديلما روسيف، الرئيسة الحالية للبرازيل، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

اقرأ أيضاً: هل تتولّى امرأة أمانة الأمم المتحدة؟

المساهمون