أدت جائحة فيروس كورونا إلى خلق أكبر خلل في أنظمة التعليم حول العالم على مر التاريخ، إذ أثرت على قرابة 1.6 مليار طالب في 190 دولة ومنطقة حول العالم، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول تأثير الجائحة على التعليم.
ويحذر التقرير الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الثلاثاء، من أن تبعات جائحة كورونا ستكون أعظم على الإناث والفتيات، كما يخشى من زيادة كبيرة في عدد الذين سيحرمون من التعليم.
ويرجح التقرير أن يزداد عدد الطلاب الذين لن يتمكنوا من الحصول على التعليم فيبلغ 23.8 مليون طالب إضافي بداية العام الدراسي، مما يهدد بعواقب وخيمة على مستقبل تلك الدول وشبابها ومقدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وسد الثغرات المتعلقة بالفروقات الاقتصادية والمساواة على عدة أصعدة.
ويلفت التقرير إلى حقيقة أنّ تبعات الانقطاع عن التعليم تتخطى قضية التعليم نفسه، إذ يحصل الكثير من الطلاب حول العالم، حتى في دول غنية كالولايات المتحدة، على وجبات طعام يومية تشكل المصدر الغذائي الرئيسي لوجبات صحية ومغذية، خاصة للأسر الفقيرة، كما يؤثر الانقطاع عن المدارس على قدرة الأهل على ممارسة عملهم، ويرفع من معدلات تعرض الفتيات والنساء للعنف.
ويحذر التقرير من أنّ تمويل التعليم قد يشهد تحديات إضافية كبيرة وخاصة أنّ الفجوة في ميزانية للتعليم حول العالم، قبل انتشار الفيروس، في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وصلت إلى 148 مليار دولار سنوياً، ويتوقع أن تزداد بنسبة الثلث.
وعلى الرغم من ذلك، فقد حفزت الأزمة البعض على الابتكار في قطاع التعليم ومحاولة مجابهة الأزمة بعدد من الوسائل الخلاقة لتطوير التعليم عن بعد، من بينها الإذاعة والتلفزيون وتحضير حزم دراسية ليأخذها الطلاب معهم إلى منازلهم.
ولفتت مساعدة المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" ستيفانيا غياني، إلى أنّ أزمة كورونا ذكّرت الجميع بالدور الرئيسي الذي يلعبه المدرسون وضرورة حماية قطاع التعليم والعاملين به. وجاءت أقوال غياني، خلال مؤتمر صحافي عقدته، عن بعد، للصحافيين المعتمدين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بمناسبة صدور التقرير.
وحول ما إذا كانت هناك أمثلة إضافية لتلك الابتكارات، والتعامل بشكل خلّاق مع العودة للتعليم، تحدثت المسؤولة الأممية، لـ"العربي الجديد"، عن عودة الطلاب في كشمير إلى التعليم هذا الأسبوع، مشيرة إلى أنهم يستخدمون الأماكن المفتوحة للدراسة بدلاً من الصفوف التقليدية، مع الحفاظ على التباعد بين الطلاب.
يرجح التقرير أن يزداد عدد الطلاب الذين لن يتمكنوا من الحصول على التعليم، فيبلغ 23.8 مليون طالب إضافي بداية العام الدراسي
وأشارت إلى أنه "يمكن أن يتم العمل بذلك في دول مختلفة بحسب البيئة وما تسمح به الظروف المحلية"، لافتةً أيضاً إلى إمكانية الدمج بين طريقتين، أي أن تستخدم التكنولوجيا من جهة والتعليم بشكل شخصي من جهة أخرى، مضيفة: "وفي الدول التي لا يوجد فيها انتشار واسع للحواسيب أو الإنترنت والأجهزة الذكية، يمكن استخدام الراديو والتلفزيون كوسيطين مكملين للتعليم بشكل شخصي".
وحثت غياني الحكومات على العمل للحيلولة دون أن تتحول أزمة التعليم الحالية إلى أزمة تعليم مستمرة، وخاصة في ظل التكلفة الاجتماعية والاقتصادية الباهظة بسبب استمرار الإغلاق، مشيرة إلى أن هناك تعليمات واضحة صدرت عن مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة أو منظمات دولية كالبنك الدولي تساعد على السيطرة على الفيروس ومواجهة التحديات الأخرى.
وأشارت غياني إلى قمة دولية تنظمها "يونسكو" على مستوى دبلوماسي رفيع، مضيفة: "نتوقع أن تعقد القمة في النصف الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول، عن بعد، بحضور قادة الدول ومسؤولين كبار عن التعليم حول العالم، وتهدف هذه القمة إلى الحصول على تأييد ودعم لنوع جديد من الالتزام تجاه التعليم، على عدد من الأصعدة، بما فيها تطوير أجندة التعليم التقنية والتعليم عن بعد".
ووصفت غياني القرارات والخطوات، في هذا السياق، بأنها قرارات سياسية وأن على الدول وحكامها أن يعوا أنّ الاستثمار في التعليم ودور المدرسين أمر أساسي، مضيفة: "لاحظنا كيف تمكّن المدرسون بين ليلة وضحاها من الانتقال من التدريس بالطريقة التقليدية إلى التعليم عن بعد، على الرغم من أنه لم يتم تحضيرهم للقيام بذلك من قبل. إذاً هي مسألة فرض أولويات للاستثمار في التدريبات والمدرسين أنفسهم ومحاولة التفكير بشكل خلاق لمواجهة التحديات الجديدة، وما نريده من القمة هو أن يعطي القادة التعليم أولوية على أعلى المستويات".
وفي ما يخص التحديات التي تواجهها الدول العربية وخاصة تلك التي تشهد صراعات أو فيها أعداد كبيرة من اللاجئين، قالت مديرة معهد "يونسكو" الدولي للتخطيط التربوي، سوزان لويس، لـ "العربي الجديد": "لاحظنا عموماً، وبعد انتشار أزمة كورونا، اهتمام بعض الحكومات في ما يخص التخطيط للتعليم في الأزمات، إذ أدرك الكثير من تلك الحكومات أهمية إدارة الأزمات، ليس فقط كورونا، ولكن أزمات مستقبلية".
وتابعت: "بدأت يونسكو تساعد عدداً من الدول لتحديث برامجها المتعلقة بالتعليم في حالات الطوارئ على أكثر من صعيد؛ ففي لبنان، على سبيل المثال، نتعاون مع وزارة التعليم لوضع حزمة من الخطوات والبرامج تهدف إلى تقديم الدعم للأهل والمدرسين، بغية التحضير لعدد من البرامج ومصادر مختلفة تكون متاحة من بينها الفيديوهات والنشرات الورقية، إضافة إلى تطوير القدرات داخل وزارة التربية والتعليم حيث يوجد منسقون في مواقع مختلفة يدعمون كل هذا". وأكدت أنّ البرنامج يخدم ألف مدرسة فيها قرابة مائتي ألف طالب في لبنان.
وبخصوص أوضاع النازحين واللاجئين، قالت المسؤولة الأممية: "يعاني اللاجئون والنازحون، وكذلك الجماعات المهمشة اجتماعياً، أكثر من غيرهم في الحصول على الخدمات اللازمة لاستمرارية حصولهم على التعليم، ونعمل مع عدد من الحكومات لكي تقوم بتحديد أولوياتها ووضع المجموعات المهمشة على سلم أولوياتها وخاصة الآن حيث يعود الكثير من الدول إلى فتح المدارس".
ويحدد التقرير أربع أولويات ينبغي على الحكومات أن تركز عليها كي تتمكن من إعادة فتح المدارس، وعلى رأسها السيطرة على انتشار الفيروس وكبحه والتخطيط بشكل مفصل لإعادة فتح المدارس، والاستماع لجميع الأطراف المعنية في ما يخص احتياجاتها، والتنسيق مع جميع الجهات بما فيها الجهات الصحية، علاوة على حماية التعليم والأموال المخصصة له وتعزيز الإيرادات المحلية ووضعه على سلم الأولويات، كما ينصح التقرير بضرورة تعزيز التنسيق الدولي لمواجهة أزمة الديون، وحماية المساعدات الإنمائية الرسمية للتعليم.