الأكراد والأجواء المذهبية
يدرك الموغل في آليات الخطاب العربي الرسمي مدى الاستهتار بالعقل الجماهيري. ويتوصل إلى نتائج تُجلي رياء وكذب عشرات السنين للخطط الإستراتيجية الحكومية، على الصعيدين الاقتصادي والتربوي. وكان من نتائج الإجحاف بالعقل العربي الشاب اندلاع الربيع العربي، الذي كان له أن يصل إلى المناطق الكردية، بفعل سياسات الغبن والإنكار الوجودي للقومية الكردية. وحين وصلت رياح الربيع العربي إلى سورية، كان الرهان عند المعارضة والنظام على المارد الكردي ومناطق نفوذه، فالأول أرادها نقطة لانطلاقة شرارة التصدي والثورة والـ...إلخ، للتدليل على مشاركة الأقليات في الربيع، والثاني، أرادها ورقة ضغط ومساومة وواجهة أمام المجتمع الغربي حامياً للأقليات.
كأي شعب مات منه الآلاف، من دون أن يسمع كلمة كردي في الدوائر والخطابات الرسمية، وهجر مئات الآلاف منه إلى الخارج، من دون أن يتمكنوا من قضاء طفولتهم بخصوصيتهم الكردية. كان منطقياً أن يكون الكردي حذراً من الجميع، خصوصاً أن الرهان العربي في سورية كان يعاكس ويناهض الرهان الكردي سورياً. أراد الكردي، ومنذ تسلّم "البعث" زمام الأمور في سورية، أن يستمر جزءاً من الوطن السوري.
لكن الدهشة كانت في تقاطع نظريات البعثيين، وبعض أقطاب المعارضة، حتى قبيل الربيع العربي، بشأن "الخطر" الذي يشكله الكردي في سورية. ولعل ما ورد في مقالة لوزير الثقافة في حكومة البعث عام 1964، سليمان الخش، في ذكرى انسلاخ لواء اسكندرون، كان كافياً للتعرف إلى نفسية هؤلاء وعقلياتهم، ففي مقالته تلك مناشدة للأمة العربية بنداء عنصري مقيت، قائلاً: "أيها الأخ العربي، إذا زج بك يوماً في معركة مع العدو الصهيوني فلتكن رصاصتك الأولى إلى رأس هؤلاء الخونة الأكراد، الأرمن، الشراكسة علماء المعسكرين". نشرت المقالة في مجلة "الغد"، والتي كانت تصدر من حماه، حيث حمّل نظام البعث الأقليات الكوردية والأرمنية والشركسية مسؤولية تقسيم فلسطين وانسلاخ لواء اسكندرون.
أما حديثاً، فكيف لربيع أن يؤسس، أو يبدأ بمأسسة فكر حر، ولا تزال حوامل ذاك الفكر تُعاني من القلق واللاتوازن النفسي. وسيكون قيام الدولة الكردية بالتوافق مع الجوار والدول الإقليمية والعمق العربي، وتحديداً الوسط السني. فوجود دولة كردية، وفق معطيات النهضة الكردية سيكون من نتائجه بلورة مشروع حداثوي جمعي، يضم أطياف الشرق الأوسط كلها. ومن مآل ذلك خلاص الدول العربية من حالة الحطام التي تعم المنطقة حالياً.