تعاني الأغنية السورية منذ زمن، من حالة ركود، لا بل البحث عن هوية تتناسب مع تاريخ الغناء السوري الأصيل، تاريخ، كرّسته مدارس موسيقية وغنائية عدة، امتدت لسنوات، وتوزعت بين القدود والموشحات، في وقت صُنفت مدينة حلب السورية واحدة من أهم المدن التاريخية لتعليم أصول الغناء.
ما يدعو للتساؤل اليوم، هو مصير الأغنية السورية؟ بعدما كرس عدد كبير من الفنانين الأوائل حضورها في القرن الماضي، و نذكر منهم مهى الجابري ورفيق شكري، وصباح فخري، الذي ذاع صيته وشهرته حتى اليوم بينما غُيب الباقون، أو رحلوا، بسبب انعدام خطط التسويق آنذاك، وضمان أو استثمار نجاحهم.
كما غابت، نقابة الفنانين السوريين عن متابعة بعض الأصوات الشابة بعد الثورة، وقبلها، وانشغل مسؤولو النقابة بمحاسبة الفنانين المعارضين، في وقت هرب عدد كبير من المغنين الى الدول العربية المجاورة لمتابعة عمله. ولم يقف أي طرف نقابي أو ثقافي إلى جانب أي مغنّ سوري شاب. وهذا الإهمال لا يقتصر على أزمة أو حرب. الفنان فريد الأطرش وشقيقته الفنانة أسمهان لجآ إلى القاهرة، ما زاد من شهرتهما، ودفع عددا كبيرا من الفنانين العرب للتعاون مع فريد الأطرش كملحن أغنى المكتبة الموسيقية العربية بأجمل أغنيات الزمن الجميل. لكن فريد الأطرش حتى، لم يتطرق إلا نادرا للأغنية السورية التي كرسها رفيق شكري مثلاً، رغم أنّ شكري، لم يكسب الشهرة اللازمة في ذلك الوقت.
وكذلك استعان الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي بصوت الفنانة ميادة الحناوي بداية الثمانينيات، بعدما تهجّر من القاهرة لأسباب خاصة، واكتشف الحناوي في عدد لا بأس به من الألحان، لا بل أفضلها، "الحب اللي كان" و"ساعة زمن" و"أنا بعشقك" واستطاعت الحناوي بعد تعاونها مع بليغ حمدي، أن تحجز مكاناً لها على خارطة الأغنية العربية، ولا زالت أغنياتها من أكثر الاغنيات المطلوبة في مصر.
بعد ميادة الحناوي اخترقت الفنانة السورية أصالة نصري حاجز الإهمال واتجهت إلى القاهرة، خطوة أصالة الأولى دفعتها باتجاه الشهرة السريعة والتي لم تحظ بها أي فنانة سورية. فاستغلت أصالة نصري مجموعة من الملحنين المصريين أمثال محمد سلطان في أول أغنية قدمتها "سامحتك".
وقد تكون تجربة الفنانة أصالة نصري الوحيدة التي نجحت في إثبات نفسها "نجمة" أولى كفنانة سورية.
اليوم ومع بلوغ الثورة السورية عامها السادس، ضياع آخر لهوية الأغنية السورية، التي يفتقدها العالم، بعدما أضاع فنانو سورية الشباب البوصلة حتى قبل الثورة، ولم يحددوا الأهداف الواجب اتباعها للنجاح والشهرة.
حازم الشريف
في العام 2014 فاز الشاب السوري حازم الشريف بلقب "آراب آيدول" يومها، استبشر السوريون أن الشريف سيكون نسخة مماثلة لزميله الفلسطيني محمد عساف ونجاحه الكبير، بعد فوزه باللقب نفسه العام 2013، لكن وبعد عامين من فوز الشريف بالمركز الأول ما زال الشاب العشريني، يعاني من سوء إدارة أعمال، وكذلك في طريقة اختيار أغنياته. إذ أصدر قبل أيام قليلة أغنية جديدة، تمزج بين النحو والكلام المحكي بعنوان "أنتي التي" فلاقت من الأيام الأولى لصدورها انتقادات لاذعة لجهة الكلام أولاً والتوزيع الإلكتروني الذي اعتمده الشريف والشركة التي تتبناه.
اقــرأ أيضاً
رويده عطية، عبد الكريم حمدان وحازم الشريف وسهر أبو شروف ونور عرقسوسي، وغيرهم كثيرون استطاعوا أن يؤكدوا حضورهم في السنوات السابقة وذلك بعد مشاركتهم في برامج غنائية وفنية لها جمهور عريض، ورغم التزامهم ببعض شركات الإنتاج التي مدّت لهم يد العون، وحاولت استثمار أصواتهم وشهرتهم من خلال البرنامج، فشل عدد من هؤلاء في البحث عن مكان له، على الخارطة المُدججة بعشرات الأصوات العربية. هكذا ظلت نتاجاتهم تائهة بين الخاص وبين ما انعمت عليهم به شركة "بلاتينوم ريكوردز" التابعة لمجموعة MBC بالقليل، وهي أي الشركة لم تحدد حتى اليوم أهدافها الخاصة.
اتجاه رويده عطية إلى بيروت بعد مرورها في برنامج "سوبر ستار" للمواهب، لا يشبه تجربة مواطنتها أصالة، التي حاربت وحوربت واستطاعت العبور إلى المرتبة الأولى فنيًا. اعتمدت عطية، على الملحنين اللبنانيين ما حرمها أيضاً من التوجه للغناء بالسورية، وفضلت الإقامة في لبنان والعمل كمغنية بعيداً عن الإعداد الواجب لصناعة "نجم" والمفترض أن تتعلمه لتبقي على شهرة اكتسبتها من خلال برنامج جماهيري كبير "سوبر ستار" لكنها حتى اليوم تعيش صراعاً لجهة رداءة اختياراتها الفنية ومشاكلها مع شركات الإنتاج والمنتجين.
بعد الثورة السورية، العام 2011 هاجرت مجموعة من الأصوات السورية إلى بيروت، وكذلك بعض المنتجين والشعراء والملحنين السوريين الذين اتخذوا من بيروت مركزاً لإنتاجهم الموسيقي، لكن هؤلاء لم يخرجوا عن إطار التقليد مع بعض الملحنين السوريين في محاولات لإعادة لون موسيقي تراثي محدود في الأغنية الشعبية التي تعتمد على الإيقاع الشعبي الأقرب إلى الفلكلور، بينما اتجه آخرون إلى المدرسة التقليدية ولم يقدموا جديدا سوى حفلات الموشحات والقدود. ومنهم من اعتمد على أسلوب المغني علي الديك الغنائي، فتعاون مع الملحنين الذين دفعوا بشقيق الأخير، حسين لدخول عالم الغناء مع العلم أن قدراته الصوتية محدودة جداً، وهذا ما زاد في سوء حال الأغنية السورية اليوم، بعيداً عن المحتوى أو الألوان الواجب أن تميزها وتبقيها على الخارطة الغنائية العربية.
اقــرأ أيضاً
ما يدعو للتساؤل اليوم، هو مصير الأغنية السورية؟ بعدما كرس عدد كبير من الفنانين الأوائل حضورها في القرن الماضي، و نذكر منهم مهى الجابري ورفيق شكري، وصباح فخري، الذي ذاع صيته وشهرته حتى اليوم بينما غُيب الباقون، أو رحلوا، بسبب انعدام خطط التسويق آنذاك، وضمان أو استثمار نجاحهم.
كما غابت، نقابة الفنانين السوريين عن متابعة بعض الأصوات الشابة بعد الثورة، وقبلها، وانشغل مسؤولو النقابة بمحاسبة الفنانين المعارضين، في وقت هرب عدد كبير من المغنين الى الدول العربية المجاورة لمتابعة عمله. ولم يقف أي طرف نقابي أو ثقافي إلى جانب أي مغنّ سوري شاب. وهذا الإهمال لا يقتصر على أزمة أو حرب. الفنان فريد الأطرش وشقيقته الفنانة أسمهان لجآ إلى القاهرة، ما زاد من شهرتهما، ودفع عددا كبيرا من الفنانين العرب للتعاون مع فريد الأطرش كملحن أغنى المكتبة الموسيقية العربية بأجمل أغنيات الزمن الجميل. لكن فريد الأطرش حتى، لم يتطرق إلا نادرا للأغنية السورية التي كرسها رفيق شكري مثلاً، رغم أنّ شكري، لم يكسب الشهرة اللازمة في ذلك الوقت.
وكذلك استعان الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي بصوت الفنانة ميادة الحناوي بداية الثمانينيات، بعدما تهجّر من القاهرة لأسباب خاصة، واكتشف الحناوي في عدد لا بأس به من الألحان، لا بل أفضلها، "الحب اللي كان" و"ساعة زمن" و"أنا بعشقك" واستطاعت الحناوي بعد تعاونها مع بليغ حمدي، أن تحجز مكاناً لها على خارطة الأغنية العربية، ولا زالت أغنياتها من أكثر الاغنيات المطلوبة في مصر.
بعد ميادة الحناوي اخترقت الفنانة السورية أصالة نصري حاجز الإهمال واتجهت إلى القاهرة، خطوة أصالة الأولى دفعتها باتجاه الشهرة السريعة والتي لم تحظ بها أي فنانة سورية. فاستغلت أصالة نصري مجموعة من الملحنين المصريين أمثال محمد سلطان في أول أغنية قدمتها "سامحتك".
وقد تكون تجربة الفنانة أصالة نصري الوحيدة التي نجحت في إثبات نفسها "نجمة" أولى كفنانة سورية.
اليوم ومع بلوغ الثورة السورية عامها السادس، ضياع آخر لهوية الأغنية السورية، التي يفتقدها العالم، بعدما أضاع فنانو سورية الشباب البوصلة حتى قبل الثورة، ولم يحددوا الأهداف الواجب اتباعها للنجاح والشهرة.
حازم الشريف
في العام 2014 فاز الشاب السوري حازم الشريف بلقب "آراب آيدول" يومها، استبشر السوريون أن الشريف سيكون نسخة مماثلة لزميله الفلسطيني محمد عساف ونجاحه الكبير، بعد فوزه باللقب نفسه العام 2013، لكن وبعد عامين من فوز الشريف بالمركز الأول ما زال الشاب العشريني، يعاني من سوء إدارة أعمال، وكذلك في طريقة اختيار أغنياته. إذ أصدر قبل أيام قليلة أغنية جديدة، تمزج بين النحو والكلام المحكي بعنوان "أنتي التي" فلاقت من الأيام الأولى لصدورها انتقادات لاذعة لجهة الكلام أولاً والتوزيع الإلكتروني الذي اعتمده الشريف والشركة التي تتبناه.
رويده عطية، عبد الكريم حمدان وحازم الشريف وسهر أبو شروف ونور عرقسوسي، وغيرهم كثيرون استطاعوا أن يؤكدوا حضورهم في السنوات السابقة وذلك بعد مشاركتهم في برامج غنائية وفنية لها جمهور عريض، ورغم التزامهم ببعض شركات الإنتاج التي مدّت لهم يد العون، وحاولت استثمار أصواتهم وشهرتهم من خلال البرنامج، فشل عدد من هؤلاء في البحث عن مكان له، على الخارطة المُدججة بعشرات الأصوات العربية. هكذا ظلت نتاجاتهم تائهة بين الخاص وبين ما انعمت عليهم به شركة "بلاتينوم ريكوردز" التابعة لمجموعة MBC بالقليل، وهي أي الشركة لم تحدد حتى اليوم أهدافها الخاصة.
اتجاه رويده عطية إلى بيروت بعد مرورها في برنامج "سوبر ستار" للمواهب، لا يشبه تجربة مواطنتها أصالة، التي حاربت وحوربت واستطاعت العبور إلى المرتبة الأولى فنيًا. اعتمدت عطية، على الملحنين اللبنانيين ما حرمها أيضاً من التوجه للغناء بالسورية، وفضلت الإقامة في لبنان والعمل كمغنية بعيداً عن الإعداد الواجب لصناعة "نجم" والمفترض أن تتعلمه لتبقي على شهرة اكتسبتها من خلال برنامج جماهيري كبير "سوبر ستار" لكنها حتى اليوم تعيش صراعاً لجهة رداءة اختياراتها الفنية ومشاكلها مع شركات الإنتاج والمنتجين.
بعد الثورة السورية، العام 2011 هاجرت مجموعة من الأصوات السورية إلى بيروت، وكذلك بعض المنتجين والشعراء والملحنين السوريين الذين اتخذوا من بيروت مركزاً لإنتاجهم الموسيقي، لكن هؤلاء لم يخرجوا عن إطار التقليد مع بعض الملحنين السوريين في محاولات لإعادة لون موسيقي تراثي محدود في الأغنية الشعبية التي تعتمد على الإيقاع الشعبي الأقرب إلى الفلكلور، بينما اتجه آخرون إلى المدرسة التقليدية ولم يقدموا جديدا سوى حفلات الموشحات والقدود. ومنهم من اعتمد على أسلوب المغني علي الديك الغنائي، فتعاون مع الملحنين الذين دفعوا بشقيق الأخير، حسين لدخول عالم الغناء مع العلم أن قدراته الصوتية محدودة جداً، وهذا ما زاد في سوء حال الأغنية السورية اليوم، بعيداً عن المحتوى أو الألوان الواجب أن تميزها وتبقيها على الخارطة الغنائية العربية.