مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بدأت الأسواق تدخل في حساباتها تداعيات نتائج تلك الانتخابات على الأسهم والعملات والمعادن، وسط المراهنات الجارية على من سيفوز بالرئاسة المقبلة من المرشحين، الديمقراطي جو بايدن، أو الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي يأمل في دورة رئاسية ثانية في البيت الأبيض.
يلاحظ أنه حتى الآن يتقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس ترامب في استفتاءات الرأي بنحو 9 نقاط، ولكن ورغم ذلك ربما سيتمكن ترامب من انتزاع الفوز بدورة ثانية، وسط الشكوك الصحية المثارة حول بايدن وتعبئة الرأي الأميركي ضد الصين، والنجاحات الاقتصادية التي حققها ترامب في السنوات الثلاث الأولى من دورته الأولى.
على صعيد أسواق الصرف وتحديداً الدولار، يجمع العديد من خبراء تجارة العملات على أن الدولار سيواصل التراجع الحالي، ضمن عملية التصحيح السعري الجارية للورقة الخضراء منذ أكثر من شهر. وحسب بيانات بنك التسويات الدولية، فإن الدولار يتم التعامل فيه بأسواق الصرف بسعر أكبر كثيراً من سعره الحقيقي بسبب حاجة العالم للعملة الأميركية خلال جائحة كورونا الحالية. وتشير بيانات بنك التسويات الدولية إلى أن مؤشر العملة الأميركية الحالي في أسواق الصرف أعلى من سعره الحقيقي بنسبة 16%.
في هذا الشأن يرى خبير الأصول بمصرف "جي بي مورغان" الاستثماري الأميركي، باتريك شوارتز، أن "الدولار سيتراجع أكثر خلال الشهور المقبلة". من جانبه يدعم المحلل المالي دون بيبسكو في تحليل بموقع "آي جي تريدينغ ذا ماركتس"، رأي شوارتز، ولكنه يقول في حال فوز الرئيس ترامب بدورة ثانية، فإن الدولار سيرتفع مع بقية مؤشرات البورصة الأميركية في ليلة الفوز، ولكن ربما لأيام قليلة قبل أن يعود للتراجع بسبب سياسات ترامب التي تحبذ سوق "وول ستريت" والأثرياء.
ووفق تحليل بيبسكو، فإن فوز ترامب سيعني "المزيد من الارتفاع في مؤشرات البورصة الأميركية، لأن سوق وول ستريت تحب سياسات ترامب المالية التي تخفض الضرائب على الأثرياء وعلى أرباح الأسهم". ولكنه يرى أن ارتفاع الدولار سيكون مؤقتاً لأن الدورة الثانية للرئيس ترامب ستعني مزيداً من التحفيز المالي والنقدي، وبالتالي ستتوسع الكتلة الدولارية في السوق، ويتفاقم حجم العجز بالميزانية، وحجم الديون السيادية التي فاقت حالياً 26 تريليون دولار.
ويتوقع بيبسكو أن يساهم فوز ترامب في تراجع الدولار وارتفاع الذهب والعملات الرقمية، خاصة عملة بيتكوين.
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن الدين الأميركي سيرتفع إلى ما يعادل نسبة 160% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2030، كما بلغ عجز الميزانية الأميركية 2.7 تريليون دولار خلال الشهور التسعة من العام الجاري.
وفي ذات الاتجاه، يتوقع خبراء الاستراتيجية بشركة "بلاك روك" الأميركية للاستثمار، في تحليل أن سعر صرف الدولار سيتراجع على المدى القريب بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الأميركية. ويشير تحليل "بلاك روك" إلى أن هنالك قلقاً في السوق حول "مستقبل احتفاظ الدولار بموقعه عملة ملاذ آمن".
وكان مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي قد حذر الأسبوع الماضي من مخاطر خسارة الدولار لموقع عملة الاحتياط الدولية لدى المصارف المركزية العالمية. وفي ذات الشأن يقول خبير العملات بشركة "براند واين غلوبال"، جاك ماك إنتاير، إن "الدولار يتم التعامل فيه بأعلى من قيمته لسنوات طويلة، وآن الأوان لحدوث تصحيح في سعره بأسواق الصرف".
من جانبها ترى شركة "ديفير" الأميركية، في تحليل أن الانتخابات الأميركية سترفع سعر عملة بيتكوين الرقمية بسبب عدم الأمان السياسي الذي يصاحب هذه الانتخابات، ومضاعفات جائحة كورونا على الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة.
ويتوقع خبراء أن يقود فوز ترامب إلى مزيد من الاضطرابات العرقية في الولايات المتحدة، إذ إن الفوز سيمنحه تفويضاً شعبياً لتمرير المزيد من السياسات اليمينية المتطرفة ضد الأقليات في الولايات المتحدة، ودعم العنف الذي تمارسه الشرطة.
ويذكر أن عملات الملاذ الآمن، وعلى رأسها الدولار والين الياباني والفرنك السويسري، عادة تشهد ارتفاعات جنونية في حالات اضطراب أسواق المال أو حدوث أزمة اقتصادية ومالية.
وشهد الدولار ارتفاعاً مستمراً لفترة 9 سنوات، ولكنه حقق أكبر ارتفاعاته في منتصف مارس/ آذار الماضي بسبب أزمة السيولة العالمية التي أجبرت المصارف المركزية العالمية على فتح خطوط ائتمان مع مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لمدها بالدولارات. ولكن الورقة الخضراء عادت للتراجع خلال الشهر الماضي، مما أدى إلى ارتفاع العملات البديلة، خاصة اليورو الذي ارتفع بنسبة 12% منذ مارس/ آذار الماضي، والجنيه الإسترليني الذي حلق فوق 1.32 دولار في تعاملات يوم الأربعاء.
على صعيد الذهب، عادة ما يستفيد المعدن الثمين في ارتفاعه من سعر الفائدة المصرفية والاضطراب الجيوسياسي. وبالتالي فإن الذهب سيواصل الارتفاع بمعدلات كبيرة فوق 2000 دولار في حال فوز ترامب بدورة ثانية، لأن من أولويات ترامب عزل الصين عالمياً ومحاصرة أسواقها، وهو ما يعني المزيد من الاضطراب في آسيا والعديد من مناطق النفوذ الصيني في أميركا الجنوبية وأفريقيا، وبالتالي فإن كبار المستثمرين سيلجأون للذهب. كما أن ترامب قد يعمل كذلك على زيادة الإنفاق الحكومي على الدفاع، وربما البنية التحتية دون منح أي اعتبار للعجز في الميزانية أو ارتفاع معدل الدين الأميركي، كما قد يواصل خفض الضرائب، وهو ما سيعني تراجع ما تحصل علية الخزينة الأميركية من الإيرادات حسب محللين.
في هذا الشأن يرى الخبير فرانك هولمز بشركة "يو أس غلوبال انفسترز" في تعليقات حول مستقبل الذهب، أن أسس الاقتصاد والمال تدعم ارتفاع المعدن النفيس، ويقول: "لم نر في حياتنا هذا المستوى من طباعة النقود وبفائدة صفرية، وهذا سيجعل الذهب من الأصول الجاذبة للمستثمرين". ويتوقع هولمز للذهب أن يرتفع بمعدلات جنونية إلى 4000 دولار في حال فوز ترامب بالانتخابات.
لكن ذلك لا يعني أن فوز جو بايدن سيخفض سعر صرف الذهب أو الدولار. ولكن هناك خبراء يتوقعون حدوث ارتفاع متواضع في سعر المعدن الثمين. وتتمثل أولويات بايدن في حال فوزه بالانتخابات في زيادة الضرائب وزيادة الإنفاق وخفض سعر صرف الدولار. وهو ما سيقود تلقائياً إلى زيادة التضخم وارتفاع معدل الفائدة الأميركية، وربما يؤدي إلى عملية تصحيح كبرى في مؤشرات أسعار الأسهم الأميركية.
ويراهن العديد من كبار الأثرياء على الذهب خلال السنوات المقبلة بغض النظر عمّن سيفوز في الانتخابات، إذ باع الملياردير الأميركي وارن بيفت أسهماً في بعض المصارف الأميركية، واستثمرها في الذهب خلال الأسبوع الجاري، كما يرى الملياردير الأميركي مارك موبيوس أنّ أسعار الذهب ستواصل الارتفاع، وسط سياسات البنوك المركزية الرامية لخفض أسعار الفائدة، وتيسير السياسات النقدية لتلافي وقوع اقتصادات بلدانهم في مستنقع الكساد الاقتصادي.
وتحاصر جائحة كورونا قنوات الاستثمار التي تحقق أرباحاً مجزية للعديد من مصارف الاستثمار العالمية رغم السيولة الضخمة التي جمعتها من برامج التحفيز المالي. وهذا العامل سيساهم في ارتفاع سعر الذهب والفضة. وحتى الآن يفسر محللو المعادن الثمينة التراجعات التي شهدها الذهب بعد ارتفاعه فوق 2000 دولار للأوقية (الأونصة) على أساس أنها حدثت بسبب عمليات جني الأرباح. أما على صعيد البورصات، فيجمع العديد من المحللين على أن مؤشرات البورصة الأميركية ستستفيد في حال فوز ترامب، ولكن فقاعة الأسهم ربما ستنفجر في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن حسب سماسرة في "وول ستريت".