16 نوفمبر 2024
الأسد في أخطر مهامّه الإيرانية
على قدر اللحاف الإيراني تنكمش أرجل بشار الأسد في سورية، وحسابات إيران بوصفها المشغل الأساس للمنظومة "المحور" التي يعمل الأسد في إطارها، هي التي تحدّد الأولويات والخيارات والبدائل، تبعاً لرؤى وتقديرات معينة تخضع، في جانب كبير منها، إلى حسابات التكلفة من جهة، والحاصل الاستراتيجي المحقق من جهة ثانية.
إلى الخطة "ب" در، هكذا أعلن الأسد بكل وضوح، وبذلك يطرح مادة تفاوضية على السوريين والقوى الإقليمية والدولية، مفادها بأن جوهر حل الأزمة التفاوض على دولتين: دولته بحدودها التي يقاتل فيها جيشه وقوات "المحور الإيراني"، وسورية الخارجة عن تلك الحدود، مع شرط آخر، هو أن دولته ستكون صافية لجهة العرق والانتماء، بعد أن وضع شرطا واضحا للتملك والإقامة فيها "من يحميها"، بما يجعل الباب واسعاً لإخراج مكوّنات منها وإدخال أخرى، ذلك أنّ معايير استيفاء هذا الشرط خاضعة لتفسير وتقدير خاص بالأسد.
والملاحظ على هامش هذا التشكيل الجديد أنّ الأسد لم يظلم نفسه في هذه القسمة، بعد أن قصّ لنفسه أفضل ما في سورية، البؤرة أو القلب الاستراتيجي، ليس لسورية وحسب، بل وللمنطقة برمتها، أخذ زهرة البلاد وثمرتها الاستراتيجية، طرق المواصلات والجبال الحاكمة والموانئ ومصادر المياه والأنهار ودمشق برمزيتها ومكانتها. باختصار، كل ما يحتاجه المشروع الإيراني من مستلزمات استراتيجية ومساحات جغرافية مفيدة للاستيطان، وقذف كل ما هو عشوائي وإشكالي خارج حدود اللحاف الإيراني.
ليس مصادفة أن يأتي خطاب الأسد، بعد أيام من الاتفاق النووي الإيراني، وما تضمنه من غموض، عمدت إيران إلى تعويمه حول التفاهمات السرية عن دورها الإقليمي، وكأنما أراد الأسد الإيحاء بأنه يكشف عن أولى تلك التفاهمات، وهي تفويض إيران إعادة ترتيب الإقليم، وفق مقتضيات مصالحها الاستراتيجية ورؤاها، وتقرير شكل وحدود مناطق نفوذها، قبل أن يُصار إلى إعلام الآخرين بها خرائط نهائية، والمؤكد أنّ طهران هي من دفع الأسد إلى هذا الطرح، واختارت توقيته بعناية، بما يفيدها في سبر ردود الغرب واستثمار مناخ الهرولة الغربية الطامحة إلى الحصول على حصة من نثريات الاستثمار فيها، ولاعتقادها أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لا تزال تحت تأثير حالة النشوة من نخب الاتفاق النووي، ولن تكون واعية للتغيرات التي ستجريها إيران في سورية تحديداً، أو أقله ستكون محرجة في مراجعتها بالأمر.
لكن، للحقيقة، لم يكن ما أعلنه الأسد مفاجئاً إلا في الإعلان عنه وحسب، أما على مستوى الوقائع، فقد كانت هناك هندسة ديمغرافية وجغرافية تجري على قدم وساق، وفي ترتيب علني وشفاف، قام به المحور الإيراني في سورية. أخذ في الشكل جملة من الأعمال المتفرّقة، لكنّها تقع ضمن استراتيجية واحدة، جرت بهدوء، وتنطبق عليها كل مواصفات الاستراتيجية، من تحديد للأهداف وبلورة للموارد وتخطيط للوصول إلى تلك الأهداف، وللتذكير بمضامين تلك الخطة:
- في بواكير الحدث السوري، قام نظام الأسد بعمليات تطهير ديمغرافي، شملت: اللاذقية وريفها، حمص وريفها الغربي، ريف حماة الغربي، دمشق وأريافها الجنوبية والغربية.
- ركزت العمليات العسكرية للنظام وجهوده حول هذه المناطق، وجرت صناعة أنساق دفاعية مميزة، من دير العدس جنوباً عبر خط متواصل يمر بالقنيطرة والزبداني والقلمون الغربي، وصولاً إلى القصير في ريف حمص الغربي.
- إجبار سكان العاصمة على بيع أملاكهم في قلب دمشق القديمة، وإجراء عمليات تنظيم لمناطق واسعة في دمشق، شملت اقتلاع سكانها (كفر سوسة والمزة)، فيما بدا أنه عملية تغيير ديمغرافي في وضح النهار، وكان غريبا أن تقوم حكومة لا تستطيع تأمين الخبز لمواطنيها بعمليات تنظيم عقارية؟ وقبل ذلك، أقدم النظام على حرق السجل العقاري لمدينة حمص.
بوشر في تنفيذ كل تلك الإجراءات، مع بداية العام 2012، حين لم يكن قد مضى على الثورة سوى بضعة شهور، ما يعني أن النظام خطط باكراً لهذا الحل، بل الأكيد أنه أدرجه في إطار سيناريوهات الخروج من الأزمة، في وقت من المفترض أن نظاماً يدّعي الوطنية كان عليه أن يبحث عن حلول تحافظ على وحدة البلد، وتضمن سلامة نسيجه الاجتماعي، وإدراك موقعها وظروفها الإقليمية، بما يغلق الباب أمام أي محاولة للعبث بوحدتها الجغرافية والسياسية.
وفي إطار هذا المخطط، عمل نظام الأسد على تحطيم بقايا سورية التي سيتخلى عنها، والتي يبدو، أيضاً، أنه حددّها باكراً وفق تقديراته، كما فعل في حلب ودير الزور ودرعا، حيث دمر بناها التحتية والفوقية، وأحالها إلى مناطق تستحيل الحياة فيها، وحتى استمرار وجوده فيها، كانت له أهداف عسكرية وتفاوضية، في الوقت نفسه: تحويلها جدران صد يستنزف عبرها طاقة المقاتلين، وهامش مناورة ميداني يفصل المقاتلين عن دولته، ولكي يقايض بها على أراضي دولته المقبلة. ومن جهة أخرى، بهدف تحويلها إلى مشكلات أمنية دائمة لدول الجوار المتعاطفة مع الثورة (تركيا والأردن)، وذلك نتيجة زراعة كل عناصر الفوضى بداخلها.
ليس سراً أن نظام الأسد فاقد كل مقومات السيادة الوطنية، حصل ذلك بكامل إرادته، حينما أدخل الإيراني في كل مفاصل نظامه الأمني والسياسي، مقابل حصوله على الدعم المطلق لقمع مطالب شعبه بالكرامة والحرية. وهو اليوم مجرد حاكم محلي، ينطق بما تريده إيران التي تستعمله في إنجاز أخطر مهمة في قلب سورية، وفي مواجهة الأمن القومي العربي، بعد أن أنهك اقتصادها وديمغرافيتها، وضمن إخراجها من ساحات الفعل الإقليمي. ها هو اليوم يمزقها جغرافياً، ويستعمل جنسيتها لتبييض مرتزقة الأرض، ويقذف ملايينها إلى عراء اللاانتماء.
والملاحظ على هامش هذا التشكيل الجديد أنّ الأسد لم يظلم نفسه في هذه القسمة، بعد أن قصّ لنفسه أفضل ما في سورية، البؤرة أو القلب الاستراتيجي، ليس لسورية وحسب، بل وللمنطقة برمتها، أخذ زهرة البلاد وثمرتها الاستراتيجية، طرق المواصلات والجبال الحاكمة والموانئ ومصادر المياه والأنهار ودمشق برمزيتها ومكانتها. باختصار، كل ما يحتاجه المشروع الإيراني من مستلزمات استراتيجية ومساحات جغرافية مفيدة للاستيطان، وقذف كل ما هو عشوائي وإشكالي خارج حدود اللحاف الإيراني.
ليس مصادفة أن يأتي خطاب الأسد، بعد أيام من الاتفاق النووي الإيراني، وما تضمنه من غموض، عمدت إيران إلى تعويمه حول التفاهمات السرية عن دورها الإقليمي، وكأنما أراد الأسد الإيحاء بأنه يكشف عن أولى تلك التفاهمات، وهي تفويض إيران إعادة ترتيب الإقليم، وفق مقتضيات مصالحها الاستراتيجية ورؤاها، وتقرير شكل وحدود مناطق نفوذها، قبل أن يُصار إلى إعلام الآخرين بها خرائط نهائية، والمؤكد أنّ طهران هي من دفع الأسد إلى هذا الطرح، واختارت توقيته بعناية، بما يفيدها في سبر ردود الغرب واستثمار مناخ الهرولة الغربية الطامحة إلى الحصول على حصة من نثريات الاستثمار فيها، ولاعتقادها أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لا تزال تحت تأثير حالة النشوة من نخب الاتفاق النووي، ولن تكون واعية للتغيرات التي ستجريها إيران في سورية تحديداً، أو أقله ستكون محرجة في مراجعتها بالأمر.
لكن، للحقيقة، لم يكن ما أعلنه الأسد مفاجئاً إلا في الإعلان عنه وحسب، أما على مستوى الوقائع، فقد كانت هناك هندسة ديمغرافية وجغرافية تجري على قدم وساق، وفي ترتيب علني وشفاف، قام به المحور الإيراني في سورية. أخذ في الشكل جملة من الأعمال المتفرّقة، لكنّها تقع ضمن استراتيجية واحدة، جرت بهدوء، وتنطبق عليها كل مواصفات الاستراتيجية، من تحديد للأهداف وبلورة للموارد وتخطيط للوصول إلى تلك الأهداف، وللتذكير بمضامين تلك الخطة:
- في بواكير الحدث السوري، قام نظام الأسد بعمليات تطهير ديمغرافي، شملت: اللاذقية وريفها، حمص وريفها الغربي، ريف حماة الغربي، دمشق وأريافها الجنوبية والغربية.
- ركزت العمليات العسكرية للنظام وجهوده حول هذه المناطق، وجرت صناعة أنساق دفاعية مميزة، من دير العدس جنوباً عبر خط متواصل يمر بالقنيطرة والزبداني والقلمون الغربي، وصولاً إلى القصير في ريف حمص الغربي.
- إجبار سكان العاصمة على بيع أملاكهم في قلب دمشق القديمة، وإجراء عمليات تنظيم لمناطق واسعة في دمشق، شملت اقتلاع سكانها (كفر سوسة والمزة)، فيما بدا أنه عملية تغيير ديمغرافي في وضح النهار، وكان غريبا أن تقوم حكومة لا تستطيع تأمين الخبز لمواطنيها بعمليات تنظيم عقارية؟ وقبل ذلك، أقدم النظام على حرق السجل العقاري لمدينة حمص.
بوشر في تنفيذ كل تلك الإجراءات، مع بداية العام 2012، حين لم يكن قد مضى على الثورة سوى بضعة شهور، ما يعني أن النظام خطط باكراً لهذا الحل، بل الأكيد أنه أدرجه في إطار سيناريوهات الخروج من الأزمة، في وقت من المفترض أن نظاماً يدّعي الوطنية كان عليه أن يبحث عن حلول تحافظ على وحدة البلد، وتضمن سلامة نسيجه الاجتماعي، وإدراك موقعها وظروفها الإقليمية، بما يغلق الباب أمام أي محاولة للعبث بوحدتها الجغرافية والسياسية.
وفي إطار هذا المخطط، عمل نظام الأسد على تحطيم بقايا سورية التي سيتخلى عنها، والتي يبدو، أيضاً، أنه حددّها باكراً وفق تقديراته، كما فعل في حلب ودير الزور ودرعا، حيث دمر بناها التحتية والفوقية، وأحالها إلى مناطق تستحيل الحياة فيها، وحتى استمرار وجوده فيها، كانت له أهداف عسكرية وتفاوضية، في الوقت نفسه: تحويلها جدران صد يستنزف عبرها طاقة المقاتلين، وهامش مناورة ميداني يفصل المقاتلين عن دولته، ولكي يقايض بها على أراضي دولته المقبلة. ومن جهة أخرى، بهدف تحويلها إلى مشكلات أمنية دائمة لدول الجوار المتعاطفة مع الثورة (تركيا والأردن)، وذلك نتيجة زراعة كل عناصر الفوضى بداخلها.
ليس سراً أن نظام الأسد فاقد كل مقومات السيادة الوطنية، حصل ذلك بكامل إرادته، حينما أدخل الإيراني في كل مفاصل نظامه الأمني والسياسي، مقابل حصوله على الدعم المطلق لقمع مطالب شعبه بالكرامة والحرية. وهو اليوم مجرد حاكم محلي، ينطق بما تريده إيران التي تستعمله في إنجاز أخطر مهمة في قلب سورية، وفي مواجهة الأمن القومي العربي، بعد أن أنهك اقتصادها وديمغرافيتها، وضمن إخراجها من ساحات الفعل الإقليمي. ها هو اليوم يمزقها جغرافياً، ويستعمل جنسيتها لتبييض مرتزقة الأرض، ويقذف ملايينها إلى عراء اللاانتماء.