الأزمة اللبنانية والتوتر السعودي الإيراني: مصر قناة تواصل للتهدئة

23 نوفمبر 2017
كانت القاهرة محطة الحريري الخارجية الثانية بعد باريس(العربي الجديد)
+ الخط -
تتقاطع أحاديث مصادر مصرية ولبنانية عند التأكيد أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يقوم بوساطة غير معلنة في الأزمة الحالية بين السعودية وإيران وحلفاء كل منهما في المنطقة ولبنان على وجه الخصوص، كقناة تواصل خلفية بين الرياض وأبوظبي من جهة، وبين طهران والنظام السوري و"حزب الله" من جهة أخرى، وأن زيارة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري إلى القاهرة ولقاءه السيسي مساء الثلاثاء، كان جزءاً من إجراءات إيصال رسائل معينة للفريق الإيراني عنوانها العريض التهدئة خصوصاً في كل ما يتعلق بالخطاب والتعبئة وتناول الملفات العربية، لمحاولة تلافي الدخول في حرب أهلية لبنانية أو حرب إقليمية كبرى في المنطقة خلال الفترة المقبلة.

وبدأت التساؤلات حول طبيعة الدور المصري في الأزمة اللبنانية بعدما نسبت وسائل إعلام قريبة من "حزب الله" للسيسي قوله إن الحريري تحت الإقامة الجبرية في السعودية، مبكراً جداً قبل أن يعلن زعماء سياسيون مختلفو التوجّهات ذلك انتهاء بالرئيس اللبناني ميشال عون، قبل أن ينتقل الحريري إلى باريس، ومنها إلى مصر فقبرص فبيروت. وكان إعلان الحريري أن القاهرة ستكون محطته الخارجية الثانية بعد باريس في هذه الأوقات العصيبة لافتاً ومثيراً لتساؤلات أوسع، فالسيسي لم يكن منذ توليه الرئاسة يعطي أولوية للملف اللبناني. كما أن مصر لم تعد لاعباً رئيسياً على الساحة اللبنانية منذ انشغالها بأوضاعها الداخلية منذ ثورة 2011، الأمر الذي يتغيّر اليوم بدخول السيسي على خط الوساطة بعد اتصال هاتفي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل يومين، ومباحثات مطوّلة بين وزيري الخارجية المصري سامح شكري والسعودي عادل الجبير على هامش الاجتماع الوزاري الطارئ للجامعة العربية في القاهرة يوم الأحد الماضي.

مصدر لبناني قريب من تيار "المستقبل" قال إن وساطة السيسي تأتي في سياق فتح السعودية قناة اتصال غير مباشرة مع إيران و"حزب الله"، في إطار استراتيجية جديدة تتّبعها لتوزيع الأدوار بين حلفائها في المنطقة، خصوصاً بعد التقارب الدبلوماسي الرسمي الأخير مع روسيا، لا سيما أن السيسي يكتسب رضا روسيا والولايات المتحدة وكذلك السعودية كوسيط سياسي حريص على استمرار علاقته القوية التي تعود عليه بالنفع بكل القوى الإقليمية، بما في ذلك إيران.

فعلى الرغم من التصعيد الإعلامي المتبادل في بعض الفترات، خصوصاً في أعقاب الأزمات المعلنة بين الرياض وطهران، فإن السيسي يمد جسور التفاهم مع إيران بشكل واضح، وبما يفوق ما اتسمت به علاقات البلدين في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ فهو من جهة يحتفظ بعلاقة قوية بالحكومة العراقية والقوى العراقية المقربة من إيران، وسبق ووقّع مع بغداد اتفاقيات اقتصادية تنموية ولاستيراد النفط على الأمد الطويل في ظل البرود الذي اتسمت به العلاقات بينه وبين الرياض في الفترة الفاصلة بين توقيع اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وإحالتها للبرلمان ثم التصديق عليها نهائياً.

ومن جهة أخرى، استطاع السيسي كسب ود الروس، أو على الأقل عدم اعتبارهم إياه عدواً لمصالحهم، بسبب تعامله الصفري في الملف السوري وإصراره على عدم اتخاذ مواقف تغضب السعودية أو تقف عائقاً أمام روسيا، بل المضي لأبعد من ذلك بتطوير التنسيق الأمني والاستخباراتي مع نظام بشار الأسد بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2016 حين زار رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري اللواء علي المملوك، القاهرة، وعقد مباحثات مع مديري الاستخبارات العامة والأمن الوطني المصري. وكان ذلك بداية للقاءات متكررة في القاهرة أسفرت عن اتفاقات لتبادل المقبوض عليهم والموقوفين واستضافة القاهرة جولات حوارية بين الأطراف السورية الموافقة على استمرار نظام الأسد كجزء من المستقبل السوري برعاية روسية. وهي العلاقة التي كانت على غير هوى السعودية في ذلك الوقت، إلا أن السيسي استطاع استثمارها لإقناع الرياض بلعب دور الوساطة بين الرياض والنظام السوري والعواصم الداعمة للأسد مستقبلاً، وذلك بما لا ينال من استمرار مشاركة القاهرة في التصعيد الدعائي ضد إيران تحديداً، وتكرار عبارات من نوعية "أمن الخليج خط أحمر بالنسبة لمصر".


وأضاف المصدر اللبناني أن "روسيا التي تتابع الأزمة عن كثب، راضية عن أداء السيسي لدور الوساطة غير المعلنة، لأسباب عدة أبرزها أنها لا ترغب في تصعيد عسكري أو سياسي جديد في المنطقة، وأنها تثق في السيسي أكثر من باقي الأطراف لأنها تدرك عدم تحمّسه للحرب، وفي الوقت نفسه ثقتها في عدم خروجه عن الأطر التي ستُرسم له، آملة في أن تستطيع هذه الوساطة إيجاد حلول وسط تحمي الحكومة اللبنانية من التفسخ، وفي الوقت ذاته تحقق للسعودية الضمانات المناسبة لها من دون المساس بسلاح حزب الله أو بدعم إيران له".
وأوضح المصدر أن ماكرون والحريري تتفق رؤيتهما مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قدرة السيسي على تأدية هذا الدور، كما أنه تم تضمين عون ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في تلك الاتصالات، فتواصل كل منهما بالسيسي قبل سفر الأخير إلى قبرص، وتباحث المسؤولون الثلاثة حول البدائل المتاح تقديمها للسعوديين و"حزب الله" لضمان عدم تفاقم الأزمة.

ويرسم حديث مصدر دبلوماسي مصري وجهاً آخر للأحداث يكمل صورة وساطة السيسي، إذ أكد أن ماكرون طلب منه أداء هذا الدور لتقريب المسافات بين الحريري وتياره من جهة، وبين بن سلمان من جهة أخرى، نظراً لشعور الحريري بالضغط الكبير نتيجة طلب بن سلمان اتخاذ مواقف سياسية حادة ضد "حزب الله"، يرى الحريري أنها ستشعل حرباً طائفية في لبنان قد تنفجر، وأن الاتصالات غير المباشرة بين الحريري وأقطاب التيارات الشيعية والمسيحية والدرزية في لبنان أثبتت له أن الاستجابة للضغوط السعودية ستعرّض الطائفة السنّية وتيار "المستقبل" لخسارة تاريخية لا يمكن تداركها.

وشدد المصدر على أن "السيسي بخلفيته الاستخباراتية لا يميل للتعاون مع إيران أو حزب الله، لكنه في الوقت نفسه لا يمتنع عن التواصل معهما بشكل مباشر أو غير مباشر سعياً للتهدئة، وهو ما يبرر دعوته المستمرة لفصل الداخل اللبناني عن الأوضاع الإقليمية"، مضيفاً: "ومع ما في هذه الدعوة من تجاهل لطبيعة القوى السياسية المتصارعة في لبنان، ولهشاشة الدولة اللبنانية، إلا أنه وجد لنفسه مساحة للتحرك على ضوء المفاوضات غير المباشرة التي تجريها باريس أو تلك التي ترغب فيها السعودية، أخذاً في الاعتبار نجاحه السابق في رعاية التفاهم بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، والسمعة الجيدة التي حصل عليها إقليمياً لهذا السبب".

وأشار المصدر إلى أن تقارير تقييم الموقف التي أعدها مكتب وزير الخارجية المصرية عن الأزمة الحالية في لبنان، أجمعت على استبعاد وقوع حرب محلية أو إقليمية. ومن بين المؤشرات التي اعتمدتها التقارير، لجوء الأطراف المتصارعة لخيار الوساطة السرية والتصعيد الإعلامي، خصوصاً بعدما استطاع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله اتخاذ موقع هجومي متقدم إزاء تحركات السعودية، بعدما اتهمها بمطالبة إسرائيل بضرب الحزب، وهو التصريح الذي خرجت بعده بساعات معدودة معلومات في الصحافة الإسرائيلية تؤكد هذه المطالبات وتزعم أن إسرائيل رفضت الطلب السعودي.