لأول مرة في حياتي كمحب وحامٍ للطيور في لبنان والعالم كنت أحس في عام 2019 بأن تطبيق قانون الصيد 580/2004 في لبنان قد بدأ مسيرته فعلياً بعد أن تم التفاهم بين وزارات البيئة والعدل والداخلية (التي تضم إلى الأمن الداخلي، البلديات) على تطبيق القانون بدءاً من توقيف المخالفين وإحالتهم إلى القضاء. وبالفعل تم التنبيه على المخالفين بوجوب الالتزام بالقانون ومراسيمه التطبيقية ومن ثم توقيف من لم يفهم التنبيه منهم وإحالتهم إلى النيابة العامة البيئية ومصادرة سلاحهم وذخيرتهم ومصيدهم من أنواع الطيور المحظور صيدها وتوقيع عقوبة الحبس أو الغرامة أو كليهما عليهم، الأمر الذي خفف من عدد المخالفين لأحكام القانون وساهم بمرور أعداد كبيرة من الطيور إلى مواطن تفريخها أو مواطن إشتائها بسلام. في الواقع أنه مع بداية ظهور الأزمة الاقتصادية إلى السطح بدءاً من شهر أغسطس/ آب انخفض عدد المتقدمين للحصول على رخصة صيد، ربما لأن الأزمة قد أثرت عليهم أو لعلمهم المسبق بإمكانية الصيد في المناطق النائية بعيداً عن أعين وسمع الشرطة وحراس الغابات غير المسلحين. وبعد الحراك الشعبي في 17 أكتوبر/تشرين الأول قال لي أحد مراقبي الطيور إن عدد المخالفين لقانون الصيد قد انخفض بشكل ملموس ومن دون حاجة إلى الضابطة العدلية المولجة تطبيق القانون لأن الصيادين على ما يعتقد هو، أي مراقب الطيور، مشغولون بالتجمعات في الساحات للتعبير عن سخطهم من الضرائب والحالة الاقتصادية التي أوصلتهم إلى الفقر المدقع وهجرة أبنائهم. ولكن الواقع الذي لمسته على الأرض لم يؤيد ما أشار إليه مراقب الطيور، ذلك لأن استقالة الحكومة تحت ضغط الشارع وانتقالها إلى حالة تصريف الأعمال وبالتالي ضعفها وانشغال القوى الأمنية والضابطة العدلية بأمور الأمن الداخلي أدت جميعها إلى حالة انفراج لدى المخالفين الذين قيدت تصرفاتهم في السابق بالاتفاق المعقود بين وزارات البيئة والعدل والداخلية. فكثرت المخالفات في المناطق النائية لأن من كان يقوم بتبليغ القوى الأمنية عن حالات الصيد اللاقانوني وعرض الطيور المقتولة على السيارات وجوانبها أصبحت الأولوية لديه مرتبطة بمصير الشارع، بدليل أن أحدهم قام بعرض فيديو على مواقع التواصل يبين عدداً من مخالفات ومجازر الصيد فلم يحظَ باهتمام وتعليق سوى القلة القليلة من الناس.
قد يكون هذا الواقع طبيعياً في ظل الظروف الناجمة عن تردي الأوضاع الاقتصادية إلى حد لم يكن معهوداً في السابق في لبنان، ولكن بروز ظاهرة الصيد الليلي بشكل جديد كان الدافع إليها أن الصياد الذي أدمن على الصيد اللاقانوني، سواء كان منهمكاً في ساحات التظاهر في النهار أم كان ضدها، لجأ إلى الصيد الليلي باستخدام سيارات مليئة بالأضواء الكاشفة (بروجكتورات) القوية لمسح السماء بحثاً عن الطيور المهاجرة في الليل والتصويب عليها وقتلها. وهؤلاء ليسوا على ما يبدو سوى من الطبقة الغنية.
صحيح أن صيد الليل ممنوع في قانون 2004 وقبل هذا التاريخ، أي في قانون 1952 لنظام الصيد البري، ولكنه حتماً لم يكن يقصد الوسائل المدمرة التي تستخدم اليوم من خلال السيارات الرباعية الدفع، القوية، والتي تتحمل إضاءة عدد كبير من الأضواء الكاشفة بعيدة المدى. ولدى التأكد من هذه الحالة المتمادية للصيد الليلي، هالني رؤية مشهد تشترك فيه عدة سيارات تحمل كلاً منها من 5 إلى 10 "بروجكتورات" وتتمركز على الهضاب العالية لتضيء السماء فتجلب الطيور المهاجرة في الليل التي تظن أن النهار قد بزغ في الأماكن المضاءة وتجلب في نفس الوقت الطيور الليلية مثل طائر السبد (أبو عمي) الذي يتغذى على الحشرات الليلية الطائرة والضارة ومثل طيور البوم التي تتغذى على فئران الحقول.
في هذا المشهد المأساوي الذي تعاونت عليه قوى الجهل والقتل الذي لا يراعي القوانين ولا الحاجة إلى استدامة الطيور، سرعان ما جاءت أنواع من الطيور العابرة في رحلتها السنوية وسرعان ما ظهر طائر السبد وطيور من أنواع البوم. كان كل طائر يظهر في المساحة الشاسعة المضاءة يبدو أبيض اللون مائلاً للون الفضي فيطلق عليه رصاص لا يخيب أبداً نظراً لكون التصويب على طائر مضاء أسهل منه على طائر في وضح النهار ولأن الطائر المضاء لا يرى عدوه حتى لو كان ليلي النشاط والرؤية بسبب الانبهار الضوئي. فكانت النتيجة هي القضاء على عدد كبير من الطيور والخفافيش المهددة بالانقراض.
اقــرأ أيضاً
إنّ الأوضاع السائدة حالياً تنبئ بأن استمرار الأزمة الاقتصادية والإجراءات المتخذة لتخفيف آثارها ستؤدي إلى صعوبة استيراد الذخيرة وإقفال مصانعها المحلية وتسريح العمال، وبالتالي إلى فرملة الصيد اللاقانوني والقانوني، والسماح للطيور بعبور لبنان بسلام.
*متخصص في علم الطيور البرية
قد يكون هذا الواقع طبيعياً في ظل الظروف الناجمة عن تردي الأوضاع الاقتصادية إلى حد لم يكن معهوداً في السابق في لبنان، ولكن بروز ظاهرة الصيد الليلي بشكل جديد كان الدافع إليها أن الصياد الذي أدمن على الصيد اللاقانوني، سواء كان منهمكاً في ساحات التظاهر في النهار أم كان ضدها، لجأ إلى الصيد الليلي باستخدام سيارات مليئة بالأضواء الكاشفة (بروجكتورات) القوية لمسح السماء بحثاً عن الطيور المهاجرة في الليل والتصويب عليها وقتلها. وهؤلاء ليسوا على ما يبدو سوى من الطبقة الغنية.
صحيح أن صيد الليل ممنوع في قانون 2004 وقبل هذا التاريخ، أي في قانون 1952 لنظام الصيد البري، ولكنه حتماً لم يكن يقصد الوسائل المدمرة التي تستخدم اليوم من خلال السيارات الرباعية الدفع، القوية، والتي تتحمل إضاءة عدد كبير من الأضواء الكاشفة بعيدة المدى. ولدى التأكد من هذه الحالة المتمادية للصيد الليلي، هالني رؤية مشهد تشترك فيه عدة سيارات تحمل كلاً منها من 5 إلى 10 "بروجكتورات" وتتمركز على الهضاب العالية لتضيء السماء فتجلب الطيور المهاجرة في الليل التي تظن أن النهار قد بزغ في الأماكن المضاءة وتجلب في نفس الوقت الطيور الليلية مثل طائر السبد (أبو عمي) الذي يتغذى على الحشرات الليلية الطائرة والضارة ومثل طيور البوم التي تتغذى على فئران الحقول.
في هذا المشهد المأساوي الذي تعاونت عليه قوى الجهل والقتل الذي لا يراعي القوانين ولا الحاجة إلى استدامة الطيور، سرعان ما جاءت أنواع من الطيور العابرة في رحلتها السنوية وسرعان ما ظهر طائر السبد وطيور من أنواع البوم. كان كل طائر يظهر في المساحة الشاسعة المضاءة يبدو أبيض اللون مائلاً للون الفضي فيطلق عليه رصاص لا يخيب أبداً نظراً لكون التصويب على طائر مضاء أسهل منه على طائر في وضح النهار ولأن الطائر المضاء لا يرى عدوه حتى لو كان ليلي النشاط والرؤية بسبب الانبهار الضوئي. فكانت النتيجة هي القضاء على عدد كبير من الطيور والخفافيش المهددة بالانقراض.
إنّ الأوضاع السائدة حالياً تنبئ بأن استمرار الأزمة الاقتصادية والإجراءات المتخذة لتخفيف آثارها ستؤدي إلى صعوبة استيراد الذخيرة وإقفال مصانعها المحلية وتسريح العمال، وبالتالي إلى فرملة الصيد اللاقانوني والقانوني، والسماح للطيور بعبور لبنان بسلام.
*متخصص في علم الطيور البرية