الأزمة الأوكرانية تقسم المجتمع الألماني

15 نوفمبر 2014
رهان على علاقة بوتين بميركل لتدارك كرة النار(فرانس برس)
+ الخط -

يُعرف عن الألمان حذرهم الشديد ودراستهم لأسوأ التوقعات، وهم على اختلاف أمزجتهم وانتماءاتهم السياسية، لا يرغبون أن يشتعل أي نوع من الحروب في جوارهم، إذ يخشون أن يسمّم لهيب الحرب هناء عيشهم واستقرارهم.

من هذا المنطلق ينظر الألمان إلى الأزمة الأوكرانية. ويخشى كثيرون منهم من عواقبها. ويكاد لا يخلو حالياً حديث ألماني عن الصراع في أوكرانيا وسط تساؤلات عديدة. ماذا لو دامت الأزمة هناك وتمددت؟ ماذا لو اقتربت الدبابات الروسية أكثر، واقتحمت إحدى دول شمال الأطلسي؟ هل ستقف أوروبا مكتوفة الأيدي؟ وإلى أي مدى سيكون رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على العقوبات التي تفرض على بلاده بالغ الأثر على اقتصادنا وعلى حياتنا؟ كيف على ساسة البلاد إدارة الأزمة كي لا تتفاقم إلى حرب عالمية؟

روسيا العدو الحبيب

يقول الصحافي يوغ سورغا، لـ "العربي الجديد" إننا في (القسم الشرقي من ألمانيا، أي الذي كان إلى وقت طويل تحت الحكم الشيوعي) منقسمون إلى قسمين تجاه هذه الوضع". ويضيف "قسم يحتفظ بذكريات جميلة من الفترة السوفييتية، فلطالما تبادلنا الرسائل والبطاقات مع أصدقاء قدامى لنا في روسيا، ولطالما أعجب الكثيرون منا بنظام الاتحاد السوفييتي. وهؤلاء يرون أنه من مصلحة ألمانيا الحفاظ على علاقتنا جيدة بالروس". ويتابع "هناك قسم آخر يكره الفترة السوفييتية شكلاً ومضموناً، ويرى في بوتين شراً حقيقياً". أما في القسم الغربي من ألمانيا، فيرون الأمور على نحو مختلف لأسباب عديدة. ويشيد كثيرون بالعقوبات الأوروبية ضد بوتين.

السيدة ناديا (40 عاماً)، التي تزور موسكو كل سنتين تقريباً، التي أطلق عليها والدها اسماً روسياً لشدة تأثره بالروس، تقول "أنا شديدة الإعجاب بالتراث الروسي، وما يحدث الآن يجعل العلاقة بين البلدان سيئة، مما ينعكس بالتالي على الشعوب في كلا البلدين".

وتضيف "نحن لسنا بعيدين عن إعلامنا والروس ليسوا بعيدين أيضاً عن إعلامهم، نحن نرى الأمر غير قانوني وهم يرون الأمر يكشف عن قوة يعتزون بها. لمست هذا واضحاً خلال زيارتي الأخيرة إلى هناك، إضافة إلى أننا قلقون لأننا نلمس جواً شبيهاً بأجواء الحرب الباردة يعود من جديد".

إلا أن سيدة أخرى تقول "نحن نرى أن الولايات المتحدة تمرر سياستها عبر أوروبا، عبرنا نحن بالذات، وهذا أمر مزعج للغاية، ويثير الخوف". وتتساءل "ماذا لو اشتعلت الحرب في أوروبا، أميركا بعيدة كل البعد عن النار، نحن جيران أوكرانيا وجيران روسيا، وعلينا أن نجد حلاً دبلوماسياً مع الروس". ويمكن للمراقب أن يلحظ سخط عديدين على السياسات الأميركية الأوروبية المشتركة، وكذلك رغبة من هم كبار في السن في حل دبلوماسي مع الروس وليس التصعيد. وتتكرر عبارة "مصلحتنا مع الروس وليس مع الأميركيين" كثيراً، على الرغم من وجود إجماع على أن ما تقوم به روسيا في أوكرانيا غير قانوني.

فرانس غونتر هو أحد الذين عاصروا الحرب العالمية الثانية وفرّ عائداً من التشيك عندما هزمت ألمانيا، يقول لـ "العربي الجديد" إنه "لا أحد يقرر بدء الحرب. إنها تبدأ عندما تتأزم الأمور ولا يجد الساسة حلاً مقبولاً"، محذراً من أنّ "شعوب المنطقة برمتها ستكون الضحية".

يضيف غونتر "انتفضت ألمانيا الشرقية ضد الاتحاد السوفييتي وأول انتفاضة لها لم تنجح، التشيك انتفضت ضدهم، هنغاريا قبلها قامت ثورات أفشلها الروس".

يؤكد الرجل الألماني الثمانيني أنهم "تعاملوا في الماضي وحتى الآن بالعنف نفسه، وهذا يطرح سؤالاً هل أداتهم الوحيدة العنف، الآن أوكرانيا أصبحت بموجب القانون من ضمن الاتحاد الأوروبي، أليس من حق الشعوب أن تقرر في أي جهة تريد أن تكون".

ويضيف "إننا خائفون لأن لا أحد يعرف ماذا يحدث في الكواليس؟ ماذا يخطط الساسة أمر مبهم للغاية، ما الذي قد يحدث فجأة، فتتدهور الأمور حيث لا أحد يتمنى".

من جهة أخرى، يُقلل الكثير من الرجال من خطورة الأمر، رغم تباحثهم المستمر وحديثهم الدائم عن أوكرانيا وأزمتها. فيختصرون رأيهم بالقول إن "الحرب بعيدة عنا، وطالما أن الأمور لم تصل إلى ألمانيا، ورد فعل بوتين اقتصر على هذا، حتى لو تضررنا اقتصادياً يبقى ضمن الطبيعي، فلا داعي للقلق".

من جهة أخرى، يراهن البعض على علاقة بوتين بالمستشارة أنجيلا ميركل في تدارك اندلاع كرة النار، فلطالما أظهر بوتين الاحترام لها ولألمانيا.

ولكن كثيرون يرون أن سياسة بوتين تخدم مصالح بلاده، وتجعله يعيد إرثها الماضي خطوة بعد خطوة، بينما سياسة ميركل ترهق الألمانيين وتجعلها تخدم أوروبا. وهنا يعود ليظهر انقسام الألمان من جديد، بين من هو مؤمن بفكرة أوروبا، وبين من يرغب في بناء سياسة ألمانيا الخارجية والاقتصادية بعيداً عن أوروبا.

ألمانيا تستضيف الاثنين

تتواجد جالية روسية في ألمانيا، وإذا ما قورنت بالجالية الأوكرانية، تعد أكبر بكثير. وتجمع بين الجاليتين صداقات عميقة، كون اللغة والعادات والعقلية متشابهة، ولكن ما يحدث في أوكرانيا الآن يؤثّر بقوة على الوضع. فبعض الروس يمارسون نوعاً من التضييق على الأوكرانيين، على رغم أن كثرا منهم مستقرون في ألمانيا بصفة لجوء إما إنساني أو سياسي، وهم يشعرون برد الاعتبار مما يجري هناك.
في المقابل، يشعر الأوكرانيون بثقل الأزمة وخطورتها، والألمان من جهة أخرى يصرخون أوقفوا القتال.

أرينا وهي امرأة أوكرانية متزوجة من رجل ألماني تقول لـ "العربي الجديد"، لقد "خسرت صديقتي الروسية لأنها انحازت لما يفعله الجيش هناك، وأنا في طبيعة الأحوال انحزت لبلدي". وتضيف "أنا من جنوب أوكرانيا، ومنذ اندلعت الأحداث لم أستطع السفر"، بينما "تقلل صديقتي الروسية من خطورة الأمر، وتقترح أن أسافر إلى موسكو ومن هناك أستطيع التوجه إلى بلدتي". وتضيف أرينا "أصبحت أرتاح أكثر للتواصل مع الأصدقاء الألمان، فهم يدعمون قضيتنا وأشعر أنهم يفهمون ما حصل تماماً في بلدنا أكثر من صديقاتي الروسيات".