الأزمة الأوكرانية تترنّح بيّن تسخين الجبهة... وتنفيذ خطة السلام

03 يوليو 2014
موسكو ترى مبالغة في تقدير نفوذها على الانفصاليين(أندريه أونفرينكو/Getty)
+ الخط -
أفضت المحادثة الهاتفية التي جرت يوم 30 يونيو/حزيران، بين زعماء روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا، إلى اتفاق، تلتزم موسكو بموجبه بالشروط الأوروبية الأقرب إلى الإملاءات. ذلك أنّ أوروبا لم تترك خياراً آخر لموسكو؛ إما الالتزام أو تشديد العقوبات. ولكن، هل حقاً تأتمر الأقاليم الأوكرانية الانفصالية بأوامر موسكو؟ يرى البعض أنّ مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا بيد موسكو، فيما ترى موسكو أن المبالغة في تقدير نفوذها على جنوب شرق أوكرانيا غير مجدي.

لقد جرت المحادثة الهاتفية قبيل انتهاء الهدنة، التي أعلنتها كييف مع أقاليم البلاد الانفصالية، لمدة ثلاثة أيام بساعات قليلة. وقد اتفق الرئيس الأوكراني، بيوتر بوروشينكو، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، على مواصلة بذل الجهود، للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين كييف ومقاتلي لوغانسك ودونييتسك.

المحادثة الهاتفية بيّن بوروشينكو وبوتين، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، هي الثالثة خلال أسبوع. ففي يوم الأحد الماضي (29 يونيو/ حزيران)، تحادث الزعماء الأربعة هاتفياً لمدة تفوق الساعتين، ومحادثة اليوم الذي تلاه استغرقت أيضاً وقتاً طويلاً، كما قال مدير المكتب الصحفي في الكرملين، ديمتري بيسكوف.

ضبط الحدود

من أهم النقاط التي انتهت إليها المحادثة الهاتفية، هي موافقة موسكو على تعزيز ضبط حدودها مع أوكرانيا؛ فبحسب رأي كييف والغرب، يتم تمرير السلاح ودخول المتطوعين عبر هذه الحدود. وقد علق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على نتيجة المفاوضات بين الزعماء الأربعة، قائلاً:" وافق فلاديمر بوتين على دخول حرس الحدود الأوكراني،

والمراقبين الأوروبيين، إلى الجهة الروسية من الحدود، للقيام برقابة مشتركة على ثلاثة معابر حدودية أوكرانية، تم احتلالها من قبل المقاتلين". الحديث يدور عن معابر "إزفارينو" و"دولجانسكوية" و"كراسنوبورتيزانسك" الحدودية".

واقترح الرئيس الروسي على حرس الحدود الأوكراني مراقبة الحدود من جهة روسيا، مع بعثة الأمن والتعاون الأوروبي، في منطقة المعابر الحدودية التي يسيطر عليها المقاتلون الانفصاليون.

من جهته، أوضح المتحدث باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، لصحيفة "كوميرسانت"، أن روسيا "لا تستطيع القول للمقاتلين ما الذي عليهم أن يفعلوه وكيف يجب أن يتصرفوا"، ولكنها " يمكن أن تستخدم نفوذها"، وأكد، في الوقت نفسه، على أنه " ينبغي عدم المبالغة في تقدير نفوذ روسيا لدى المقاتلين".

ووفقاً للصحيفة، أكد الكرملين على وجهة نظر بوتين القائلة بـ"أهمية إيجاد آلية موثوقة لمراقبة وقف إطلاق النار، بمشاركة فاعلة من مراقبي منظمة الأمن والتعاون الأوروبي".

إملاءات أوروبية

انتهت، يوم 30 حزيران/ يونيو، المهلة التي حددها الاتحاد الأوروبي لروسيا، أثناء اجتماعه في 27 يونيو/ حزيران، وأعلن فيها ما يترتب على موسكو فعله لتسوية النزاع جنوب شرق أوكرانيا. وضع الأوربيون روسيا أمام الشروط التالية، لتجنب عقوبات جديدة أكثر قسوة: إنشاء آلية لمراقبة الامتثال لوقف إطلاق النار؛ ضبط الحدود ومراقبتها من قبل مبعوثي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية؛ إعادة المعابر الحدودية الأوكرانية التي احتلها الانفصاليون؛ الإفراج عن جميع الرهائن، بمن فيهم المختطفين من مراقبي منظمة الأمن

والتعاون؛ وأخيراً، بدء مفاوضات لتحقيق خطة بوروشينكو للسلام.

وقد نص القرار على أن يقوم سفراء الاتحاد الأوروبي، بتقدير مدى تنفيذ روسيا للشروط الأربعة لحل النزاع في أوكرانيا. ذلك ما أعلنته وكالة "إيتار تاس" الروسية، نقلاً عن مايا كوسيانتشيش، السكرتير الصحفي لمفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي لكاترين إشتون. وجاء أيضاً أن موسكو، في حال لم تف بالمطلوب حتى نهاية 30 يونيو/حزيران الماضي، سيتم النظر بعقوبات جديدة ضدها.

ويبدو أن موسكو استجابت للشروط التي وضعتها المفوضية الأوروبية، وعبرت عن مساندتها لجولة مفاوضات ثالثة عاجلة بين كييف وجنوب شرق أوكرانيا، وهو أمر أصرّ عليه الاتحاد الأوروبي أيضاً. وبذلك، كما يرى مراقبون، نزع الكرملين الحجة من يد الغرب بتشديد العقوبات على روسيا.

وكان الرئيس بوتين أعرب، في الأول من حزيران/يونيو الماضي، عن أسفه لأن الرئيس الأوكراني استأنف العمليات القتالية شرق أوكرانيا، كما نقلت وكالة " إنترفاكس". قال بوتين:" للأسف، اتخذ الرئيس بوروشينكو قراراً باستئناف العمليات القتالية، ولم نتمكن، وأعني نفسي وزملاءنا في أوروبا، من اقناعه بأن الطريق إلى سلام مديد وراسخ لا يمكن أن يمر عبر الحرب".

كييف تهدد بالخطة (ب)

غير أنّه بعد انتهاء الهدنة في الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت كييف، من يوم 30 حزيران/يونيو، قرّر بوروشينكو البدء بعملية هجومية ضدّ المسلحين شرق البلاد، عبر الانتقال إلى الخطة (ب)، بحسب موقع (obozrevatel.com)، وذلك خلال لقائه مع النواب المستقلين. وأكّد أنّ الهدنة والمفاوضات لم تفض إلى نتيجة، ولذلك، فإن السلطات ستفرض حالة الطوارئ في منطقتي دونيتسك ولوغانسك لإرساء النظام، وستبدأ بعمليات عسكرية نوعية.

وأضاف بوروشينكو خلال اللقاء أنها ستكون "حرباً من نمط جديد"، لن يخوض فيها المقاتلون الأوكرانيون معارك واسعة، ورغم ذلك "سيتكبد الإرهابيون" خسائر جماعية. وأشار الموقع إلى أن بوروشينكو سيعلن عن الانتقال إلى الخطة (ب)، يوم الإثنين المقبل، في 7 يوليو/تموز، بعد اجتماع مجلس الأمن والدفاع الأوكراني.

وقد نشر على موقع الرئاسة الأوكرانية الرسمي (president.gov.ua) أن قرار تعليق العمل بوقف إطلاق النار، تم اتخاذه في الأول من يوليو/تموز أثناء اجتماع مجلس الأمن والدفاع الأوكراني. وقد توجه بوروشينكو إلى الشعب الأوكراني قائلا: "سوف نهاجم، وسوف نحرر أرضنا. عدم تمديد وقف إطلاق النار، هذا ردنا على الإرهابيين والمقاتلين والمخربين وكل من يعبث بأمن السكان المدنيين، ومن يشل اقتصاد الإقليم. الدفاع عن وحدة الأراضي الأوكرانية، وعن أمن السكان المدنيين يتطلب القيام بعمليات هجومية ضدّ المقاتلين الإرهابيين، وعدم الاكتفاء بالعمليات الدفاعية".
وأضاف "خطتنا للسلام في دونباس، تبقى استراتيجية لأوكرانيا وقائمة، وكذلك نزع السلاح، واللامركزية، والاستخدام الحر للغة الروسية، وإعادة بناء ما تهدم من مساكن على نفقة الدولة، وخلق فرص عمل جديدة بمشاركة برنامج الاتحاد الأوروبي". وأبدى بوروسشينكو استعداد بلاده "للعودة إلى نظام وقف إطلاق النار في أي لحظة نرى فيها أن جميع الأطراف تلتزم بالنقاط الأساسية في خطة السلام، وهي: أن يحرر المقاتلون الرهائن، وإن يشتعل الضوء الأحمر على الطرف الآخر من الحدود ضد المخربين وموردي الأسلحة، وأن يراقب مبعوثو منظمة الأمن والتعاون الأوروبية النظام على الحدود".


في هذه الأثناء، باتت الجولة المقبلة من المحادثات المتعددة الأطراف، لتسوية الوضع شرق أوكرانيا في موضع التساؤلات بعد قرار كييف عدم تمديد الهدنة، بحسب ما أكد مصدر مقرب من العملية التفاوضية في جمهورية دونيتسك غير المعترف بها، لوكالة "إنترفاكس" الروسية. فقد نقلت الوكالة عن المصدر قوله، إن "المشاورات، على الأرجح، لن تجري في الأيام القريبة المقبلة، لأن الهدنة كانت من شروط الحد الأدنى لقيامها". وأضاف أن أحد أهم اللقاءات التشاورية كان يمكن أن ينعقد يوم الثلاثاء، الأول من يوليو/تموز.

طبول الحرب تقرع من جديد، ويبدو أنها ستكون جولة ساخنة إذا بدأت. فهل يكفي الرهان على ما ستقوم به موسكو، ليس فقط لنزع حجة الغرب وإبعاد خطر عقوبات جديدة عن روسيا، إنما لإحلال السلام في الجارة القريبة، أوكرانيا؟ أم أن السلام في أوكرانيا يحتاج إلى ما لا يمكن أن تحققه موسكو وحدها، حتى لو أرادت؟