الأردن 2017: انتصار نسوي وأرقام انتحار مفزعة

26 ديسمبر 2017
حقوق المرأة تقدمت خطوة إلى الأمام (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تصل كلّ القضايا في الأردن عام 2017 إلى خواتم متأزمة بالرغم من زيادة أعداد حالات الانتحار وتواصل العنف الأسري المؤدي إلى جرائم قتل في حق نساء وأطفال، فهناك قضايا توجت بانتصارات، لا سيما تلك التي ترتبط بحقوق المرأة

حفل عام 2017 بأحداث أثرت في المجتمع الأردني، وفتحت نقاشاً مدفوعاً برغبة التغيير حول قضايا لطالما أثارت الرأي العام، كما أمتلك الناشطون جرأة النبش في "المسكوت عنه" من قضايا اجتماعية.

"لا نجاحات كاملة ولا خسائر كاملة" التزاماً بهذه القاعدة مضى العام، فقد سجل نجاحات "تاريخية" ستمثل دليلاً على قدرة الحركة النسوية والناشطين الحقوقيين على التأثير وإحداث التغيير، لكن تواصلت الإخفاقات في عدة قضايا.

ينقضي العام وقد تنقضي أعوام أخرى، وتبقى نشوة إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني حاضرة. في الأول من أغسطس/ آب الماضي، صوّت مجلس النواب (البرلمان) على الإلغاء التام للمادة 308 من قانون العقوبات، والتي كانت تتيح للمغتصب الإفلات من العقوبة في حال تزوّج من ضحيته. وبالرغم من أنّ الإلغاء الذي لطالما طالبت به المنظمات النسوية والجمعيات الحقوقية، جرى تحت ضغط من القصر الملكي، إلا أنّه تزامن مع أكبر حملة كسب تأييد عرفها الشارع الأردني، جرى خلالها التواصل مع صانعي القرار والمجتمع المدني، وهي الحملة التي نفذت أكبر عاصفة إلكترونية تحت وسم #إلغاء_308.

كذلك، عززت جملة التشريعات التي جرى تعديلها، الحماية الجزائية للفتيات والنساء، كما منحت التشريعات الأمهات حق الموافقة على إجراء العمليات الجراحية والعلاجية والطبية لأولادهن، بعدما كانت الموافقة رهناً بالوالد، الأمر الذي تسبب في وفيات أطفال نتيجة عدم موافقة الوالد لأسباب متعددة على رأسها الانفصال.

وفي مؤشر ايجابي، كشفت إحصاءات جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن)، انخفاضاً ملحوظاً في جرائم القتل الأسرية بحق الفتيان والنساء، في الفترة بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، بنسبة بلغت 61.5 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبالأرقام، قتلت 16 امرأة على يد أحد أفراد العائلة خلال عشرة أشهر من العام 2017، مقابل 26 امرأة خلال العام الماضي، و17 امرأة خلال العام 2015 للفترة نفسها. تراجع يفسر بتعديلات على قانون العقوبات حدت من استفادة الجاني من الأعذار المخففة التي تكفل تخفيض العقوبة، فيما تنعقد الآمال على تراجع أكبر في تلك الجرائم.



في المقابل، سجلت جرائم القتل الأسرية الواقعة على الأطفال رقماً مقلقاً بواقع 7 جرائم. وبينما تشير الوقائع إلى أنّ غالبية الأطفال قتلوا في معرض ارتكاب الجاني جريمة ضد امرأة، فإنّ من بين الأطفال فتيات قتلن بدعوى الدفاع عن الشرف. وقتل طفل على يد والده صعقاً بالكهرباء، في جريمة هزت الرأي العام، بعدما تبين خلال التحقيقات أنّ الطفل قتل خلال محاولات الأب تأديبه، الأمر الذي فتح نقاشاً حول المواد القانونية التي تتيح تأديب الأطفال، والمطالبة بإلغائها. لكنّ الجريمة الأكثر صدى كانت تلك التي راح ضحيتها في 7 يوليو/ تموز الماضي، طفل سوري لاجئ، والتي أقام فيها الجاني على نحر الطفل بعد اغتصابه داخل بيت مهجور في أحد أحياء العاصمة. الجريمة "الأبشع" التي تعرض لها لاجئ سوري في الأردن منذ وصول اللاجئين في مارس/آذار 2011، أثارت الخوف في مجتمع اللاجئين، لكنّ التضامن الأردني بدد المخاوف. قوبل الحكم الذي صدر على الجاني في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالإعدام شنقاً حتى الموت، بارتياح واسع بين اللاجئين السوريين والأردنيين.

وشهد الأردن تراجعاً ملموساً في حراك مناهضي عقوبة الإعدام، ولم يقابل إعدام السلطات الأردنية في 4 مارس/ آذار الماضي 15 محكوماً، بينهم 10 أدينوا بجرائم إرهابية، بانتقادات واسعة، بل سيطرت الأصوات المؤيدة للإعدام.

وخلال العام 2017 واصلت حالات الانتحار تسجيل أرقام "مفزعة" فقد سجل خلال الأشهر التسعة من العام حدوث 104 حالات انتحار، وهي أرقام غير نهائية مرشحة للارتفاع، فيما سجلت محاولات الانتحار 388 محاولة، بحسب إحصائيات المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام. تركزت حالات الانتحار بين الفئة العمرية 18-27 عاماً، وفيما كانت نسبة الذكور أكبر في الانتحار نفسه، كانت نسبة الإناث أكبر في محاولات الانتحار. الدراسات عزت دوافع الانتحار في الدرجة الأولى إلى الأمراض والمشاكل النفسية فيما رصدت دوافع أخرى مثل الأسباب العاطفية والمالية والإحباط والمشاكل العائلية.



تربوياً، تواصل حملة "قم مع المعلم" جهودها لإنصاف المعلمات العاملات في قطاع التعليم الخاص، لإلزام المدارس الخاصة بدفع رواتب المعلمات خلال الإجازة المدرسية، والالتزام بالراتب المنصوص عليه في عقد العمل، من دون إجبار المعلمات على التنازل عن جزء من الراتب. وإن كانت الحملة التي انطلقت في العام 2015 قد حققت إنجازات كبيرة من خلال عملها مع وزارة العمل إلا أنّ قطاع التعليم الخاص يواصل هضم حقوق المعلمات من خلال التحايل على القانون، الأمر الذي يساعده فيه صمت غالبيتهن عن التقدم بشكاوى نتيجة الخوف من خسارة العمل في وقت تسجل فيه البطالة نسباً عالية في قطاع التعليم بين الإناث.

كذلك، تواصل ناشطات في مؤسسة "صداقة - نحو بيئة عمل صديقة للمرأة" عملهن لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل من خلال تحسين قانون الحضانات المؤسسية (حضانة تابعة للشركة أو المؤسسة تضع فيها الموظفة أطفالها فيها خلال أوقات دوامها) التي ينظر إلى غيابها على أنّه سبب من أسباب انسحاب الأردنيات من سوق العمل أو عدم اللحاق به. وبينما حققت المؤسسة إنجازات ملموسة من خلال تبني وزارة التنمية الاجتماعية، المسؤولة عن ترخيص الحضانات، جملة من توصيات "صداقة" في ما يتعلق بشروط الترخيص، إلا أنّ الناشطات يواصلن جهودهن للوصول إلى تعديل تشريعي لقانون العمل، يربط شرط إنشاء الحضانة بعدد الأطفال وليس عدد العاملات في المؤسسة ممن لديهن أطفال في سن الحضانة، وهو التعديل الذي سيقطع الطريق أمام تهرّب أصحاب العمل من تعيين النساء، عندما يصبح وجود الحضانة حقاً للرجل العامل تماماً كما هو حق للمرأة العاملة.