لا يزال الأردن أكثر دولة تشكّل خط تماس عسكري "حسّاس" مع الأحداث الجارية في العراق، باعتبار أن الحدود من الجهة السورية باتت ساقطة بيد المعارضين في كلا البلدين، ولا تماس مباشر بين الجماعات المسلحة العراقية ودول الخليج، ولا مع تركيا ولا إيران، حتى اليوم. وقد أرسل الأردن، اليوم الاثنين، للمرة الثانية منذ بدء الأحداث العراقية، تعزيزات عسكرية إلى حدوده مع بلاد الرافدين، البالغة 181 كيلومتراً، بحسب ما أفاد مصدر في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية. وكشف المصدر عن تعزيز قوات حرس الحدود بالآليات العسكرية والمدرعات وراجمات الصواريخ، لمواجهة أي مخاطر محتملة على الأردن نتيجة لتطور الاحداث داخل العراق. وشدّد المصدر على أن "القوات لن تتهاون مع أي خرق للحدود، كما لن تتهاون مع أي محاولة اختراق لها". وأكد أن "قوات حرس الحدود ستمنع وبالقوة أي محاولة لخرق الحدود، بموجب قواعد الاشتباك المعمول بها".
وتأتي التعزيزات العسكرية بعد سقوط المناطق الحدودية في يد التنظيمات العراقية المسلحة، ومن بينها تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، بحسب ما تؤكد حصوله جهات أمنية أردنية.
وهذه المرة الثانية التي تعزز فيها القوات الأردنية وجودها على الحدود في غضون أسبوع، إذ سبق أن اتخذت إجراءات مشابهة إثر انسحاب الجيش العراقي من المناطق الحدودية. ويبلغ عديد قوات حرس الحدود الأردنية حوالى 10 آلاف عنصر، يتكفلون بحماية شريط حدودي بطول 1613 كيلومتراً في الجهات الأربع، ويستنزف الشريط الحدودي مع سورية، البالغ طوله 370 كيلومتراً، ما يقرب نصف تلك القوات.
ويتخوف الأردن من انتقال التنظيمات المسلحة إليه، خصوصاً "داعش"، الذي أعلن صراحة ضمّ الأردن إلى خريطة دولته المستقبلية. لكن الحكومة الأردنية لم تتخذ قراراً بإغلاق المعبر الحدودي الوحيد مع العراق (الكرامة ــ طرببيل)، والذي شهد حركة عبور في الاتجاهين، اليوم الاثنين.
ويتزامن التوتر على الجبهة الشرقية للمملكة، مع ضبابية في الموقف السياسي الأردني الذي ما زال يراقب المشهد العراقي من دون أن يبني موقفاً واضحاً.
غير أن وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، أكد خلال مباحثات مع نظيرة الأميركي جون كيري، في عمّان، أمس الاحد، على ضرورة "إيجاد مسار سياسي في العراق يشمل جميع الأفرقاء لإنهاء الأسباب التي أدت إلى الوضع الخطير"، على حدّ وصفه.
من جهته، أكد النائب الأردني، فيصل الأعور، والذي يمثل البادية الشرقية المتاخمة للحدود مع العراق، أن "الانتفاضة العراقية شأن عراقي داخلي"، مستبعداً أن تطال نيرانها المملكة. وقال الأعور لـ"العربي الجديد"، إن "الاتصالات مع العشائر في غرب العراق تثير الاطمئنان بعدما أكدوا أن انتفاضتهم لن تتعدى حدود بلادهم".
وحذّر الأعور، الحكومة الأردنية من استقبال لاجئين عراقيين، مشيراً إلى أن أوضاع الأردن لا تحتمل مزيداً من اللاجئين، ودعا إلى التعامل مع الآثار الإنسانية التي قد تنتج عن الأحداث العراقية بشكل مختلف عن التعامل الذي تم مع الآثار الإنسانية للثورة السورية.
وكان وزير الداخلية الأردني، حسين المجالي، قد كشف، الأسبوع الماضي، أن الحكومة الأردنية تنوي، في حال حدوث موجات لجوء عراقية، إرسال المساعدات الإنسانية إلى داخل الأراضي العراقية عبر التعاون مع مفوضة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بالتنسيق مع الحكومة العراقية، لتلافي دخول اللاجئين إلى الاراضي الأردنية.
"داعش" والأردن
ويرى المستشار في "المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية"، حيدر سعيد، أن "داعش" يمثل نتاج للأزمة السياسية التي يعيشها العراق منذ سنوات، إذ نشأ التنظيم وقوي في ظل نظام سياسي مأزوم ومحتقن. وأكد سعيد، لـ"العربي الجديد"، اليوم الإثنين، أن الاحتقان السياسي وعدم تقديم رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، أي مبادرة سياسية تجاه المجتمع العربي السني، واعتماده الحل الأمني في التعامل معه، "شكّل بيئة مناسبة لنمو التنظيم".
ويرى سعيد، أن "داعش" يشكل التنظيم الأقوى بين التنظيمات المنتفضة على المالكي وليس الوحيد من بينها، مشيراً إلى أن التنظيم أصبح منظمة مالية قوية، بعد استيلائه على ما يقرب من مليار ونصف مليار دولار من "البنك المركزي ــ فرع الموصل"، و"مصرف جامعة الانبار". كما أصبح يمتلك قوة تسليحية لا يستهان بها، بعدما استولى على جزء من أسلحة الجيش العراقي بعد انسحابه من مدينة الموصل.
ويضيف سعيد أن "أكثر طرف أحس بالحرج مما حدث في الموصل، هو الطرف العربي السني، لأنه يرفض أن يمثله داعش، ولأن هذا الطرف أدرك أن داعش لن يكون طرفاً في أي حل داخل العراق، سواءً من خلال التفاوض مع الحكومة المركزية، أو التفاوض مع القوى الإقليمية والعالمية". ويكشف سعيد أن التنظيمات العربية السنية المنتفِضة "شكّلت لجنة في ما بينها، مستثنية داعش، وتبنت مطالب سياسية لحل الأزمة، كما أوصلت رسائل إلى الأميركيين أنها هي الطرف الذي يمكن التفاوض معه".
ويفسر سعيد، سرعة انسحاب الجيش العراقي من المدن التي انهار فيها، بعاملين: الأول، بسبب طبيعة تكوين الجيش العراقي والذي تم تأسيسه على طريقة إدارة القطاع العام، فتم تنسيب عدد كبير من الباحثين عن الرواتب إلى صفوفه، ليتضخّم عدده ويناهز المليون، مما حال دون تكوين جيش محترف. والعامل الثاني، هو اختيار الجيش استراتيجية حماية بغداد أولاً، فتحوّل الحشد والتجييش لحماية العاصمة، على حدّ تعبير الباحث.
ويحذر سعيد، من حرب طائفية مدمرة ليس للعراق وحده بل للمنطقة برمتها، في حال عدم الوصول إلى مبادرة سياسية لمعالجة الأزمة. ويتوقع أن يدخل "الحرس الثوري الإيراني" بهدف القضاء على التنظيمات المسلحة في حال لم تتدخل الولايات المتحدة، واستمرار عجز الجيش العراقي.
وفي السياق، يشير سعيد إلى خشية إيران، في حال دخولها إلى العراق، من أن تُستدرج إلى حرب استنزاف تمتد من حدودها مع العراق، إلى حمص وحلب في سورية.
وحول مخاطر تمدُّد "داعش" داخل الأردن، يقول سعيد، إن "الأردن يشكل هدفاً استراتيجياً للتنظيم الذي يتبنى استراتيجية (باقون ونتمدد)، لكن في الوقت الحالي، يرى التنظيم في العراق أولوية له". من هنا، يخلص الباحث إلى اعتبار أن سعي التنظيم إلى التمدد على حساب الأردن "سيكون مرتبطاً بمصير المعركة في العراق".