الأردن يجمع بين التحالف الدولي والتعاون مع روسيا

28 أكتوبر 2015
الاردن يراقب التطورات على حدوده مع سورية(خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
بدا إعلان روسيا عن "التنسيق العسكري مع الأردن بشأن سورية"، مفاجئاً للكثير من الأوساط المتابعة للشأن السوري، لما يحمله هذا الإعلان من تناقض بين موقف الأردن، الذي يحتضن العديد من الفصائل العسكرية التي تقاتل النظام السوري، خصوصاً جنوبي البلاد، وبين موقف روسيا المساند كلياً، عسكرياً وسياسياً للنظام.

وعلى الرغم من محاولة الأردن "تبرير" هذا التعاون بأن هدفه كما ورد على لسان وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام، المتحدث الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، أن "يُشكّل ضماناً لحدود المملكة مع جارتها الشمالية سورية".

ويؤكد المومني في الوقت ذاته، أن "بلاده ستبقى جزءاً من التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، إلّا أن مصدراً خاصاً في أحد الفصائل الجنوبية في الجيش السوري الحرّ، يُبدي استغرابه لـ"العربي الجديد"، لمثل هذا التعاون. ويعتبر أن "هذا التعاون يأتي في وقت تقصف فيه الطائرات الروسية الجيش الحرّ، وتوغل روسيا في عدوانها على الشعب السوري".

ويضيف أن "فصائل الجبهة الجنوبية تُدرك منذ وقت طويل أن السلطات الأردنية تحاول فتح اتصالات مع روسيا، وربما مع نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد من خلال روسيا، من أجل التنسيق حول بعض الأمور. لكن خروج هذه الاتصالات إلى العلن، ربما يشير لمرحلة جديدة، قد تحمل نتائج سلبية بفعل طبيعة الدور الذي يؤديه الأردن حتى الآن، لجهة علاقته مع فصائل الجبهة الجنوبية. وهي علاقة حكمتها الضرورة والجوار الجغرافي، أكثر منها رغبة أردنية في مساعدة هذه الفصائل أو القوى المعارضة للنظام".

ويستطرد المصدر قائلاً إن "طبيعة الدور الأردني الجديد ـ القديم، تجلّت بشكل خاص من خلال عرقلة غرفة الموك، ومقرّها الأردن، للعمليات الأخيرة التي قامت بها فصائل الجيش الحر في الجنوب السوري. وقد كان هناك خطّ أحمر واضح، لا يسمح للفصائل بتجاوزه، في سعيها لانتزاع مدينة درعا من أيدي النظام".

اقرأ أيضاً: تمدُّد "داعش" جنوبي حلب... تحت أنظار المقاتلات الروسية

ويتابع "لذلك شهدنا إفشالاً متواصلاً ومتعمّداً لمعركة عاصفة الجنوب، التي انتهت بنتائج سلبية على مجمل العمل العسكري في الجبهة الجنوبية، وبتوقف غرفة الموك نهائياً عن تقديم أي دعم للجيش السوري الحر هناك. وهي خطوة لا يمكن فهمها إلا في إطار ما تمّ الإعلان عنه أخيراً من تنسيقٍ عسكري بين الجانبين الأردني والروسي. ولا يخفى أن روسيا هنا، تمثل النظام السوري".

إلا أن المحلل العسكري العميد أحمد رحال، يؤكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "من حق الأردن معرفة ما يحصل على حدوده، ومعرفة ما يؤثر على أمنه. وعلينا ألا نفهم أنها موافقة أردنية على الاحتلال الروسي لسورية أو موافقة أردنية على الضربات الجوية الروسية".

ويضيف أنه "يجب أن نضع هذا الأمر ضمن إجراءات الأردن للحفاظ على أمنه. ولا يُمكن للأردن اتخاذ قرار باستهداف أو ضرب الجيش الحرّ، على الرغم من أن التصريحات الروسية تُروّج لذلك، إلا أن هذا الأمر غير واقعي وغير صحيح". ويرى رحال أن "الأردن كان، ولا يزال، ممّن يدعمون ثورة الشعب السوري، ولا تغيير في مواقفه".

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن عقب اجتماع مع نظيره الأردني ناصر جودة في فيينا، يوم الجمعة، أن "روسيا والأردن اتفقتا على تنسيق العمليات العسكرية في سورية، وأن القوات المسلحة في البلدين، اتفقتا على تنسيق عملياتهما بما فيها العمليات الجوية فوق سورية".

وفي هذا الصدد، يشدّد جودة على "وجود قنوات تنسيق عميقة بين الأردن وروسيا حول سورية"، معرباً عن أمله في أن تكون "آلية التنسيق بين الجيشين الأردني والروسي فعّالة". ويعمل الأردن على تشديد إجراءاته على الحدود مع سورية، التي تمتد بطول 400 كيلومتر، وقد اعتقل عشرات الأشخاص ممّن كانوا يحاولون التسلّل إلى الأراضي السورية للقتال هناك. كما تستضيف البلاد أكثر من مليون ونصف المليون سوري، بينهم 600 ألف لاجئ. وتأتي موافقة روسيا على التنسيق العسكري مع الأردن، الذي كان أساساً مطلبا أردنيا قديم، على الرغم من تحفّظ النظام السوري الذي يتهم جاره الجنوبي بـ"إيواء وتدريب عناصر مسلّحة مناوئة له".

وتكشف مصادر أردنية خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "ما تمّ الاتفاق عليه بين الأردن وروسيا، هو تنسيق عسكري وأمني يستهدف المحافظة على الحدود الشمالية للبلاد. ولا  يرقى لأن يكون اتفاقاً عسكرياً شاملاً، في ظلّ موقع الأردن كعضو في الحلف الدولي لمحاربة الإرهاب، وتشارك طائراته في قصف أهداف لتنظيم داعش داخل الأراضي السورية، ومن الضروري أن يكون هناك تنسيق بين الجانبين لمنع أي احتكاك بين طائرات الجانبين. وهو ما جرى بين روسيا وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا".

وتلفت المصادر إلى احتمال أن "تمتد العمليات الروسية إلى الجنوب السوري بالقرب من الحدود الأردنية. وهو ما يستدعي وجود التنسيق المُسبق أيضاً، خصوصاً أن بحوزة الأردن الكثير من المعلومات حول التنظيمات الارهابية في سورية". قبل أن تستدرك بأن "هذا لا يمنع وجود خلافات أساسية في مواقف الجانبين، حول استهداف فصائل المعارضة السورية المعتدلة من جانب الطائرات الروسية". ولم تُبدِ الولايات المتحدة انزعاجها من هذا التعاون العسكري، بينما يُعلن لافروف رغبته في مشاركة الأردن ومصر وإيران في أي محادثات مستقبلية في شأن سورية.

 يُذكر بأنه لم يصدر أي رفض أردني للتدخل العسكري الروسي في سورية، في ما يوصف في الأوساط الأردنية بـ"الصمت الإيجابي". وقد نَمَت العلاقات الروسية ـ الأردنية في السنوات الأخيرة بشكل مضطرد، تحديداً في الجوانب الاقتصادية، والطاقة النووية، ومشاريع الأمن الغذائي، وتعزيز السياحة الروسية. ومن المقرر أن تنتهي شركة "روساتوم" الحكومية للطاقة النووية من إنجاز المفاعل الأردني النووي عام 2018. كما أن هناك تعاوناً عسكرياً بين موسكو وعمّان، يتجلى بـ"شركة جدارا للمعدات والأنظمة الدفاعية"، وهي إحدى شركات مجموعة "كادبي" الاستثمارية، التابعة لمركز "الملك عبد الله الثاني للتصميم والتطوير".

وتُصنّف هذه الشركة بمثابة مشروع أردني ـ روسي مشترك، لتطوير الصواريخ ومضادات الدروع وتصنيعها. وقد جرى افتتاحها عام 2013. وأول منتجات تلك الشركة كان سلاح "نشاب 32"، وهو تطوير لقاذف "آر بي جي" الروسي المضاد للدروع. فضلاً عن تطوير الإنتاج المشترك لقواذف "آر بي جي 3" (هاشم) الصاروخية. كما تسعى الشركة لشراء 8 طائرات "سوخوي سوبر جيت" الروسية من موسكو.

اقرأ أيضاً: إنقاذ الأسد في فيينا