الأردن وتحدي داعش المستمر

01 ابريل 2018
+ الخط -
كشفت صحيفة الغد الأردنية، قبل أيام، مخططاً لمجموعة إرهابية، مرتبطة بتنظيم داعش، من 15 عضواً، كانت تخطط لأعمال تستهدف الأمن الأردني، وتتضمن مهاجمة رجال المخابرات في مدينتي الرصيفة والزرقاء. وكانت تسريبات إعلامية في بداية العام تحدثت عن مخطط لخلية من 17 عضواً كانت تحضّر لأعمال إرهابية ضد أهداف مدنية وعسكرية، في المدينتين أيضا.
ولم توضّح التسريبات ما إذا كان المقصود خليتين أم خلية واحدة، مع تفاصيل أكثر. ولكن أُعلن في الأشهر القليلة الماضية أيضاً عن قضايا عديدة، تتصل بأعضاء في التيار السلفي الجهادي، وعن عشرات المتهمين، بالإضافة إلى مخطط آخر عن تهريب أسلحة ومخدرات عبر أنابيب قديمة تمر في الحدود الأردنية - السورية.
تؤكد هذه المعطيات على أنّ هنالك فعالية كبيرة للتيار الجهادي الأردني، وقدرة مستمرة على التجنيد والاستقطاب، على الرغم من نهاية دولة تنظيم داعش، في العام الماضي، التي أقامها في داخل الأراضي العراقية والسورية، وكانت تعتبر مصدر تهديد للأمن الإقليمي عموماً، والوطني الأردني.
ماذا يعني ذلك؟ يعني بوضوح أنّ نهاية "دولة داعش" لا تعني نهاية الخطر الذي يمثّله التنظيم والتحديات الناجمة عنه، إقليمياً ومحلياً، من زاوية. وكذلك أنّ هنالك أسباباً وشروطاً محلية داخلية تساهم، بدرجة كبيرة، بل أساسية، في صعوده، بالتوازي مع العوامل الإقليمية والخارجية، مثل الأحداث في سورية والعراق، وهو ما يدفع إلى إعادة قراءة وتقييم المقاربات الوطنية بخصوص مكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، على المديين، المتوسط والبعيد.
وبقدر ما تؤشر هذه المعطيات إلى قدرة الأجهزة الأمنية على مراقبة العمليات الإرهابية وكشفها، وحماية البلاد من أحداث خطيرة، بقدر ما تعزّز الهواجس بأنّ الدول تتعامل مع قصة طويلة وعوامل داخلية أولاً، وبعدم قدرة المقاربة الوقائية التي تركز على الجوانب الثقافية والدينية والمجتمعية، ثانياً، إلى الآن على توفير شعور بالإطمئنان بأن التيار ينحسر، لا يتمدّد ويتطور.
هذه الهواجس عززها كتاب صدر حديثاً عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية (قمتُ بتأليفه مع الصديق موسى شتيوي) يعتمد على دراسة ميدانية، هي الأولى من نوعها، لمئات الأفراد والأعضاء المرتبطين بالتيار، وخلصت إلى نتائج مهمة، منها أنّ التيار يتمدد ويتجذر خلال الأعوام الأخيرة، ولا ينكمش. لكن أخطر النتائج التي كشفها الكتاب تحوّل النمط لدى هذا التيار من الفردي الذكوري إلى العائلي، فأصبح الانخراط في هذا الفكر والتوجه ليس حكراً على الذكور، كما الحال سابقاً، بل أصبحت هنالك عائلات "جهادية"، تتشكل من أطفال ونساء، وعلاقات قرابة ومصاهرة وصداقة. لذلك بدأت تبرز حالات "الأشقاء الجهاديين" و"الشقيقات الجهاديات"و"الأحداث الجهاديين"، وبدأ التيار يخترق طبقة المتعلمين والطبقة الوسطى، ما يعني عدم كفاية عوامل الفقر والبطالة مداخل وحيدة للتحليل والتفسير.
في الأثناء، كشفت مصادر مهمة عن أرقام مرتبطة بعدد الأردنيين المقاتلين في الخارج، وذكرت ما يقرب من 1400، منهم قرابة 400 قتلوا، و300 عادوا، وما يزيد على 300 ما يزالون يقاتلون. وهو رقم منطقي، لكنه لا يوضح عدد النساء الأردنيات اللواتي خرجن مع أزواجهن وأبنائهن إلى تلك الساحات، وهن عالقات اليوم في الخارج، سواء معتقلات أو ما زلن في ساحات مضطربة بعد نهاية دولة التنظيم، ما يرتبط بتحدّي العائدين من الخارج.
وأشار الكتاب إلى تحدّ أهم، وهو تحدي العائدين من السجون، فوفقاً للمصادر نفسها، فإنّ قرابة 700 أردني حوكموا على خلفية قضايا الإرهاب، في الأعوام الثلاثة الماضية، فإذا أضفنا إليهم أعداداً قبل ذلك، وفي العام الحالي، سيقفز الرقم إلى عدد أكبر، وقد حكم على كثيرين من هؤلاء في قضايا ترويج تلك التنظيمات أو الالتحاق بها، بالسجن بين 5 - 7 أعوام، أي أنّنا خلال السنوات الثلاث المقبلة سنبدأ بملف الذين خرجوا من السجون بالمئات، وهم يحملون هذا الفكر. مع الإشارة إلى نتيجة مهمة ذكرها الكتاب، أنّ الغالبية العظمى ممن خرجوا من السجون على خلفية قضايا إرهابية في الأعوام السابقة لم يتراجعوا عن أفكارهم.
في الخلاصة، تحدي التعامل مع هذا التيار والفكر لا يتراجع، بل يزداد، ويأخذ صورا وأبعاداً جديدة، ويتطلب مراجعة نقدية عميقة للمقاربات الوقائية والعلاجية.
دلالات
محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.