09 نوفمبر 2024
الأردن.. مغزى التوتر تحت قبّة البرلمان
يكافح مجلس النواب الأردني لتحسين صورته أمام الجمهور، وعلى الرغم من وجود ست كتل نيابية، إلا أن طابع المشاركة والحضور الفرديين يطغى على الأداء، وحيث يُعرف النواب على نطاق واسع بأشخاصهم، لا بالكتل التي ينتسبون إليها. ومع تدنّي شعبية المجلس، يتسلل التوتر إلى أداء بعض النواب وسلوكهم تحت قبة المجلس، وهي ظاهرةٌ متنامية، تزيد من سلبية صورة "ممثلي الشعب"، على الرغم من أن نسبة المنضبطين أكبر من النواب، سريعي الانفعال.
وقد ازدادت أهمية المقعد النيابي بعد ما شهدته الحياة الحزبية من تراجع، ومع انتشار وسائط الاتصال الحديثة التي تبث كلمات النواب تحت القبّة، فيما تتولى وسائل الإعلام "التقليدية"، من إذاعة وتلفزيون وصحف، نقل وقائع الجلسات النيابية، وهو ما شجّع النواب على إلقاء مزيد من المداخلات والكلمات، مع الأخذ في الاعتبار أن النواب يخاطبون، من خلال كلماتهم وتصريحاتهم، قواعدهم الانتخابية أولاً، ويتفاعل معهم جمهورٌ عريضٌ عبر منصّات التواصل الاجتماعي، وقد نجحت نسبة كبيرة من النواب في اكتساب صفة الشخصية العامة، نتيجة أدائها في المجلس، وليس من بينهم النواب الصامتون أو الإنشائيون.
في الأيام القليلة الماضية، جذب مجلس النواب الأردني الثامن عشر مزيداً من الأضواء حوله، بعدما نشر مركز بحث، هو مركز الحياة: راصد، تقريراً إحصائيا عن الأداء النيابي خلال عام، وكان من البارز في التقرير أن متوسط غياب النواب عن حضور الجلسات 21 نائبا في كل جلسة (من أصل 130 نائبا بينهم 20 نائبة)، وأن أحد النواب تغيب 38 مرة عن 60
جلسة. وكان لافتا أن النائب خليل عطية، في حديث له في "راديو البلد" المحلي، قد انتهى إلى أن النائب يتقاضي نحو 700 دينار( أقل قليلاً من ألف دولار) عن كل جلسة، وذلك بقِسمة مجموع رواتبه إلى مجموع الجلسات. وجاء في التقرير أن ثمانية نواب صامتين لم يتقدموا بأية مداخلة طوال عام. ولم تتأخر الأمانة العامة للمجلس عن الرد بالقول، عبر الموقع الإلكتروني للمجلس، إن التقرير "يستوجب توضيحا حول غياب النواب بعذر وبدون عذر، وهو ما افتقر إليه التقرير". وأضافت "إن التقرير لم يوضح للرأي العام أن هنالك نواباً غابوا بعذر أو بدون عذر، فالنواب حين يكونون بمهام خارجية للمشاركة في أعمال الاتحادات البرلمانية العربية والدولية، إنما يقومون بعمل رسمي، وكان من الأجدى أن لا يتم تقديم النواب للرأي العام على أنهم يتقصّدون الغياب، في حين أن عدداً منهم يشغل مواقع هامة في العديد من اللجان والجمعيات البرلمانية الدولية". ونقطة المحاججة المثارة هنا مهمة، وتمثل ثغرةً في التقرير، غير أن حماسة الأمانة العامة للرد، وما ورد فيه، أوحت أنه لم يغب أحد بغير عذر، وأن ظاهرة التغيب لا وجود لها، وذلك يجانب الصواب، ويمثل ثغرة ملحوظة في الرد. على أنه من المهم الإشارة هنا إلى أن تقرير "راصد" لم يتطرق إلى غياب وزراء أو مسؤولين عن جلسات مجلس النواب، حين تستدعي الحاجة وجودهم، كإثارة أسئلة أو استجوابات نيابية تتعلق بالوزارات أو المؤسسات التي يقودها هؤلاء. وفي جلسة لمجلس النواب، أخيرا، تساءل رئيس الحكومة، عمر الرزاز، عن سر غياب مسؤولي سلطة العقبة (سلطة إدارية تتمتع باستقلال عن الحكومة في المدينة الجنوبية التي تضم الميناء الوحيد للبلاد) عن الجلسات الرقابية. وقد عقدت الجلسة المشار إليها الثلاثاء (5 فبراير/ شباط الجاري) وأثير فيها تعيين مسؤولين في مواقع قيادية، منها في مدينة العقبة، وقد أثار نواب مسألة هذه التعيينات التي شملت أشقاء لأربعة نواب. وقبل ذلك أبدى الملك عبدالله الثاني استغرابه ما جرى، ودعا إلى التدقيق فيه، كما شغلت المسألة الرأي العام على نطاق واسع. والظاهر أن الرزاز حاول الجمع في التعيينات بين معايير الكفاءة والاعتبارات "السياسية" في التعامل مع مجلس النواب، غير أن النتيجة عاكست المبتغى، اذ تعلق الأمر بأربعة أسماء دُفعة واحدة لا باسم واحد، وقد تحمل الرزاز المسؤولية، معلنا عن إعادة التدقيق في هذه التعيينات، وعن الشروع في وضع آليةٍ لمثل هذه التعيينات، تشارك في الإشراف عليها مؤسسات حكومية عدة.
أبرز ما يواجهه المجلس افتقاره، بصورة عامة، إلى الشعبية. وقد طالبت الحراكات التي شهدتها العاصمة عمّان أمام مبنى مجلس الوزراء، غير مرة، بعبارات قاسية، بحل هذا المجلس، وهو ما ينعكس بقدر ملحوظ من التوترات التي تعصف بجلسات المجلس، والتي تبلغ حد المشاجرات العنيفة وقذف المنافض وعبوات المياه، وقد اعتاد الجمهور على هذه المشاهد. وقد فات تقرير "راصد" متابعة عدد المشاجرات ومدى عنفها اللفظي التي شهدها المجلس النيابي، وأن يرصد عددها وأطرافها ومناسباتها، فبينما توقفت العراكات تقريبا في الصروح الجامعية بين الطلبة، فإنها انتقلت إلى قبة البرلمان، وبين من هم في أعمار آباء طلبة الجامعات. ولئن كانت محافل نيابية عديدة في عالمنا تشهد مثل هذه العنف (مجلس الأمة الكويتي مثلاً)، الذي تبث وقائعه وسائل الاتصال، إلا أن ذلك لا يسوّغ أن تتحول العراكات إلى جزء من تقاليد الأداء النيابي، لفرط تكرارها وتحولها إلى مشهدية استعراضية تلازم جلساتٍ كثيرة، وبغير أن يكون هناك دواعٍ "كافية" واستثنائية، تفسّر انفجار هذه الحدّة في تعامل ممثلي الشعب مع بعضهم بعضا.
لقد دأب الجمهور على نقد المجالس النيابية وهجائها، ويستخدم وقائع العراكات باعتبارها مادّة
للتندّر، ولكن من دون قيام حملات ترشيد لمراجعة أداء المجالس وتقييمها، ولانتخاب الأكفأ لاحقاً ضمن قوانين انتخابية مفتوحة على المراجعة، وبإقبالٍ ضئيلٍ على الاقتراع في العاصمة والمدن الكبيرة، وبتواصل ضعيف بين النواب والجمهور، وذلك مع أن أغلبية النواب لا ينتمون إلى أجسام سياسية، ولا يعرف الجمهور عناوين واضحة لهم. وتلعب البلديات والنقابات دورا موسميا في التجسير بين المجلس والرأي العام، وقد أسهمت الحملات على المجالس المتعاقبة بما فيها المجلس الحالي، وكذلك عجز المجلس مع الحكومات عن مواجهة الصعوبات الاقتصادية المستعصية، في توليد حالةٍ من التوتر العام والتشكيك الذي يلامس العدوانية، فالمزاج العام الذي يحكم المجلس النيابي ليس منقطع الصلة بمزاج الجمهور المتطلب لنتائج ملموسة تمسّ حياته ومنطقته، وقد هرول أحد الأفراد من منصة النظّارة في المجلس، قبل أيام، قاصدا رئيس الوزراء في مقعده لتوجيه رسالة شفوية ساخطة، واقترب منه، قبل أن يوقفه رجال أمن المجلس.
وقد ازدادت أهمية المقعد النيابي بعد ما شهدته الحياة الحزبية من تراجع، ومع انتشار وسائط الاتصال الحديثة التي تبث كلمات النواب تحت القبّة، فيما تتولى وسائل الإعلام "التقليدية"، من إذاعة وتلفزيون وصحف، نقل وقائع الجلسات النيابية، وهو ما شجّع النواب على إلقاء مزيد من المداخلات والكلمات، مع الأخذ في الاعتبار أن النواب يخاطبون، من خلال كلماتهم وتصريحاتهم، قواعدهم الانتخابية أولاً، ويتفاعل معهم جمهورٌ عريضٌ عبر منصّات التواصل الاجتماعي، وقد نجحت نسبة كبيرة من النواب في اكتساب صفة الشخصية العامة، نتيجة أدائها في المجلس، وليس من بينهم النواب الصامتون أو الإنشائيون.
في الأيام القليلة الماضية، جذب مجلس النواب الأردني الثامن عشر مزيداً من الأضواء حوله، بعدما نشر مركز بحث، هو مركز الحياة: راصد، تقريراً إحصائيا عن الأداء النيابي خلال عام، وكان من البارز في التقرير أن متوسط غياب النواب عن حضور الجلسات 21 نائبا في كل جلسة (من أصل 130 نائبا بينهم 20 نائبة)، وأن أحد النواب تغيب 38 مرة عن 60
أبرز ما يواجهه المجلس افتقاره، بصورة عامة، إلى الشعبية. وقد طالبت الحراكات التي شهدتها العاصمة عمّان أمام مبنى مجلس الوزراء، غير مرة، بعبارات قاسية، بحل هذا المجلس، وهو ما ينعكس بقدر ملحوظ من التوترات التي تعصف بجلسات المجلس، والتي تبلغ حد المشاجرات العنيفة وقذف المنافض وعبوات المياه، وقد اعتاد الجمهور على هذه المشاهد. وقد فات تقرير "راصد" متابعة عدد المشاجرات ومدى عنفها اللفظي التي شهدها المجلس النيابي، وأن يرصد عددها وأطرافها ومناسباتها، فبينما توقفت العراكات تقريبا في الصروح الجامعية بين الطلبة، فإنها انتقلت إلى قبة البرلمان، وبين من هم في أعمار آباء طلبة الجامعات. ولئن كانت محافل نيابية عديدة في عالمنا تشهد مثل هذه العنف (مجلس الأمة الكويتي مثلاً)، الذي تبث وقائعه وسائل الاتصال، إلا أن ذلك لا يسوّغ أن تتحول العراكات إلى جزء من تقاليد الأداء النيابي، لفرط تكرارها وتحولها إلى مشهدية استعراضية تلازم جلساتٍ كثيرة، وبغير أن يكون هناك دواعٍ "كافية" واستثنائية، تفسّر انفجار هذه الحدّة في تعامل ممثلي الشعب مع بعضهم بعضا.
لقد دأب الجمهور على نقد المجالس النيابية وهجائها، ويستخدم وقائع العراكات باعتبارها مادّة