10 نوفمبر 2024
الأردن: ماذا يخبئ "الصندوق السحري"؟
ليس فقط الأردنيون، حكاماً ومحكومين، بل حتى مراكز قرار وبحث ومراقبون عرب وغربيون، جميعهم يترقب يوم بعد غد الثلاثاء، لمتابعة العملية الانتخابية ونزاهتها أولاً، ولمعرفة النتائج ثانياً، بعد عودة القوى السياسية للمشاركة بفعالية، بخاصة جماعة الإخوان المسلمين (الأُمّ) التي قاطعت العملية الانتخابية منذ قرابة تسعة أعوام، فكان قد جرى تزوير آخر انتخابات شاركت فيها عام 2007 بفجاجة كبيرة.
معرفة حجم الإسلاميين مهم جداً، على أكثر من صعيد، فالأردن لم يشهد ثورةً شبيهة بما حدث في الربيع العربي، ولا صفقة سياسية شبيهة بما حدث في المغرب بين المخزن والإسلاميين الذين شاركوا في الحكومة بقوة، بل على العكس، ساءت العلاقة بين الإسلاميين والدولة، ودخلت في أجواء غير مسبوقة من التشنّج، وصلت إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين قانونياً، للمرّة الأولى منذ تأسيسها في 1946، ومحاصرتها والتضييق عليها، بعد أن شعرت مراكز القرار بأن الحركة كانت تريد الاستقواء بالرياح الشعبية والإخوانية التي هبت على دول الربيع العربي، وخصوصاً في مصر، مع نجاح "الإخوان" الانتخابي الكبير، قبل الانقلاب.
إذاً وعملياً، على الرغم من أن الأردن لم يدخل الأجواء الكاملة للربيع العربي، فإنه عاش أجواء ما بعد الربيع والثورة المضادّة، وكان جزءاً أساسياً من أجندة المعسكر المحافظ العربي، في مواجهة الإسلام السياسي، واعتباره حركات إرهابية شبيهة بالقاعدة وداعش. وفي الوقت نفسه، كان الإسلاميون يتعرّضون لاستنزافٍ داخلي عبر الخلافات والأزمات والانشقاقات الداخلية، ما ولّد حركاتٍ جديدةً متعدّدة، وشكلت هذه وتلك من المتغيرات مخاضاً حقيقياً ستكشف نتائج الانتخابات مخرجاته.
ليس متوقعاً وجود مفاجآت كبيرة، فقانون الانتخاب الجديد (القائمة النسبية) تكفّل بتحجيم قوة الإسلاميين، وأي قوى أخرى، ولا حتى الإسلاميين يملكون سقفاً مرتفعاً من التوقعات، لكن نسبة الأصوات وعدد المقاعد ضمن هذه المعادلة مهمّان أيضاً، لنعرف إن كان الإسلاميون لا يزالون قوة شعبية حقيقية، أم إنّهم خسروا جزءا كبيراً من قاعدتهم، أم ما يزالون، على الرغم من كل الضغوط السياسية والمشكلات الداخلية، يتمتعون بنفوذ شعبي واسع؟
في منافسة الإسلاميين المعارضين، تظهر اليوم الأحزاب الإسلامية الوسطية التي خرجت من عباءة "الإخوان"، حزب الوسط الإسلامي (تأسّس في 2001)، وشارك في الانتخابات السابقة، وحظي بدعم رسمي، وحزب المبادرة الأردنية للبناء (زمزم)، ويشارك بتواضع في الانتخابات الحالية، ويضم قيادات سابقة نافذة في الجماعة، مع جمعية الإخوان المسلمين الجديدة التي أعطتها الدولة التمثيل القانوني، وسحبته من "الإخوان" الأم، ونتحدّث هنا عن قياداتٍ، مثل رحيل غرايبة الذي لم يترشّح ونبيل الكوفحي والمراقب العام الأسبق للجماعة الأم، والحالي للجمعية المرخصة، عبد المجيد ذنيبات.
لم تشارك هذه الصيغ الجديدة (الوسط وزمزم) بقوائم كبيرة، بل كانت متواضعة في طموحها الانتخابي، والمتوقع أن تحاول، بمساعدةٍ من الدولة، تشكيل كتلة نيابية كبيرة بعد الانتخابات. لكن، من المهم معرفة حجمها الانتخابي أولاً في صناديق الاقتراع.
على الرغم من أنّ القيادات الإخوانية المنشقة كانت أقرب في أفكارها (تقليدياً) إلى الجانب الإصلاحي، وإلى تجارب أردوغان وعبد المنعم أبو الفتوح، إلاّ أنّها لن تشكل حالاتٍ مشابهة، لأنها لم تمتلك القاعدة الشعبية اللازمة، وركنت نسبةٌ كبيرة من هذه القيادات إلى الجانب البراغماتي أكثر من الجانب الشعبي، فتعلقت بقاعدة السلطة والحكم، بدلاً من قاعدة "صندوق الاقتراع".
النتائج مهمة، أيضاً، لمعرفة أوزان القوى القومية واليسارية التي تلقي بثقلها كاملاً في الانتخابات الحالية التي تشارك فيها بفعالية، ولا تقف فقط في صف المعارضة المعلنة للسياسات الرسمية، بل تضع نفسها في موقع أكثر وضوحاً في مواجهة "الإخوان"، بعدما تفكّكت قوى المعارضة وانقسمت وتصارعت، على خلفية ما يحدث في سورية ومصر.
من ضمن التجاذبات الجديدة، تبرز بصورةٍ أكثر وضوحاً الشعارات العلمانية من قوى يسارية وليبرالية، والنموذج البارز عليها قائمة "معاً" التي رفعت شعار "فصل الدين عن الدولة"، وإقامة دولة مدنية، ما يعكس حجم التجاذب بين هذه القوى والتيار الديني المحافظ، على خلفية ما يحدث في المنطقة وصعود الداعشية والمخاوف المتبادلة بين الطرفين، الإسلامي والعلماني.
من المفيد، إذاً، أن نراقب نتائج الانتخابات ودلالاتها، وما سيفرزه صندوق الاقتراع السحري.
معرفة حجم الإسلاميين مهم جداً، على أكثر من صعيد، فالأردن لم يشهد ثورةً شبيهة بما حدث في الربيع العربي، ولا صفقة سياسية شبيهة بما حدث في المغرب بين المخزن والإسلاميين الذين شاركوا في الحكومة بقوة، بل على العكس، ساءت العلاقة بين الإسلاميين والدولة، ودخلت في أجواء غير مسبوقة من التشنّج، وصلت إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين قانونياً، للمرّة الأولى منذ تأسيسها في 1946، ومحاصرتها والتضييق عليها، بعد أن شعرت مراكز القرار بأن الحركة كانت تريد الاستقواء بالرياح الشعبية والإخوانية التي هبت على دول الربيع العربي، وخصوصاً في مصر، مع نجاح "الإخوان" الانتخابي الكبير، قبل الانقلاب.
إذاً وعملياً، على الرغم من أن الأردن لم يدخل الأجواء الكاملة للربيع العربي، فإنه عاش أجواء ما بعد الربيع والثورة المضادّة، وكان جزءاً أساسياً من أجندة المعسكر المحافظ العربي، في مواجهة الإسلام السياسي، واعتباره حركات إرهابية شبيهة بالقاعدة وداعش. وفي الوقت نفسه، كان الإسلاميون يتعرّضون لاستنزافٍ داخلي عبر الخلافات والأزمات والانشقاقات الداخلية، ما ولّد حركاتٍ جديدةً متعدّدة، وشكلت هذه وتلك من المتغيرات مخاضاً حقيقياً ستكشف نتائج الانتخابات مخرجاته.
ليس متوقعاً وجود مفاجآت كبيرة، فقانون الانتخاب الجديد (القائمة النسبية) تكفّل بتحجيم قوة الإسلاميين، وأي قوى أخرى، ولا حتى الإسلاميين يملكون سقفاً مرتفعاً من التوقعات، لكن نسبة الأصوات وعدد المقاعد ضمن هذه المعادلة مهمّان أيضاً، لنعرف إن كان الإسلاميون لا يزالون قوة شعبية حقيقية، أم إنّهم خسروا جزءا كبيراً من قاعدتهم، أم ما يزالون، على الرغم من كل الضغوط السياسية والمشكلات الداخلية، يتمتعون بنفوذ شعبي واسع؟
في منافسة الإسلاميين المعارضين، تظهر اليوم الأحزاب الإسلامية الوسطية التي خرجت من عباءة "الإخوان"، حزب الوسط الإسلامي (تأسّس في 2001)، وشارك في الانتخابات السابقة، وحظي بدعم رسمي، وحزب المبادرة الأردنية للبناء (زمزم)، ويشارك بتواضع في الانتخابات الحالية، ويضم قيادات سابقة نافذة في الجماعة، مع جمعية الإخوان المسلمين الجديدة التي أعطتها الدولة التمثيل القانوني، وسحبته من "الإخوان" الأم، ونتحدّث هنا عن قياداتٍ، مثل رحيل غرايبة الذي لم يترشّح ونبيل الكوفحي والمراقب العام الأسبق للجماعة الأم، والحالي للجمعية المرخصة، عبد المجيد ذنيبات.
لم تشارك هذه الصيغ الجديدة (الوسط وزمزم) بقوائم كبيرة، بل كانت متواضعة في طموحها الانتخابي، والمتوقع أن تحاول، بمساعدةٍ من الدولة، تشكيل كتلة نيابية كبيرة بعد الانتخابات. لكن، من المهم معرفة حجمها الانتخابي أولاً في صناديق الاقتراع.
على الرغم من أنّ القيادات الإخوانية المنشقة كانت أقرب في أفكارها (تقليدياً) إلى الجانب الإصلاحي، وإلى تجارب أردوغان وعبد المنعم أبو الفتوح، إلاّ أنّها لن تشكل حالاتٍ مشابهة، لأنها لم تمتلك القاعدة الشعبية اللازمة، وركنت نسبةٌ كبيرة من هذه القيادات إلى الجانب البراغماتي أكثر من الجانب الشعبي، فتعلقت بقاعدة السلطة والحكم، بدلاً من قاعدة "صندوق الاقتراع".
النتائج مهمة، أيضاً، لمعرفة أوزان القوى القومية واليسارية التي تلقي بثقلها كاملاً في الانتخابات الحالية التي تشارك فيها بفعالية، ولا تقف فقط في صف المعارضة المعلنة للسياسات الرسمية، بل تضع نفسها في موقع أكثر وضوحاً في مواجهة "الإخوان"، بعدما تفكّكت قوى المعارضة وانقسمت وتصارعت، على خلفية ما يحدث في سورية ومصر.
من ضمن التجاذبات الجديدة، تبرز بصورةٍ أكثر وضوحاً الشعارات العلمانية من قوى يسارية وليبرالية، والنموذج البارز عليها قائمة "معاً" التي رفعت شعار "فصل الدين عن الدولة"، وإقامة دولة مدنية، ما يعكس حجم التجاذب بين هذه القوى والتيار الديني المحافظ، على خلفية ما يحدث في المنطقة وصعود الداعشية والمخاوف المتبادلة بين الطرفين، الإسلامي والعلماني.
من المفيد، إذاً، أن نراقب نتائج الانتخابات ودلالاتها، وما سيفرزه صندوق الاقتراع السحري.