الأردن.. مأزق تحالفات الخارج وعجز حلفاء الداخل

02 فبراير 2018
+ الخط -
يعاني الأردن اليوم جملة من التحديات الداخلية والخارجية، وسط تعاظم القلق على مستقبل البلاد التي تقف على أعتاب قرن على نشوء الدولة (1921)، في ظل تداعي المنظومتين، العربية والإقليمية، وتوقف شبه كامل للمساعدات الخارجية، وملامح إشكالٍ في العلاقة الأردنية الأميركية.
نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الجديد محطة أردنية مهمة، تمثلت في رحيل الملك الحسين في 7 فبراير/ شباط 1999، ثالث ملوك الأردن بعد عبد الله الأول وطلال، بعد أن حكم البلاد نحو 47 عاما، تاركا خلفه تركة ثقيلة من التحديات على المستويين، الداخلي والخارجي، ما زالت باقية في المملكة الرابعة، وتزداد تعمقا واتساعاً.
على المستوى الخارجي، وطوال ما يقارب عقدين من استلام الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، شهدت المنطقة انهيار مسار التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، واحتلال العراق، وانهيار الدولة السورية، وتعاظم الخلافات العربية، وانحسار المساعدات الخارجية للبلاد، وانتشار الإرهاب والتطرف، وإلقاء ظلال من الشك على علاقة الأردن بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية حلفاء النظام السياسي المركزيين.
دخل الملك عبد الله الثاني إلى الحكم قادما من خلفية عسكرية بحتة، وسط ملفات شائكة على 
المستوى الخارجي، فقد تعقد المشهد الفلسطيني، مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وهيمنة اليمين المتطرّف على الحكومة الإسرائيلية التي عمدت إلى تجريف كل منجزات الشعب الفلسطيني التي تحققت بعد اتفاقية أوسلو 1994، وصولا إلى رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، وتعاظم حضور حركة حماس التي رفعت شعار الكفاح المسلح والمقاومة، في مواجهة خيار التسوية، ومن ثم تعمق الشقاق الفلسطيني، وصولا إلى استيلاء الحركة على قطاع غزة بالقوة بين 10 و15 يونيو/ حزيران 2007، ليبلغ المأزق الأردني الفلسطيني مداه مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة إسرائيل.
على صعيد الملف السوري؛ انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، بعد تنصلها مما سميت وديعة رابين، فكان من تداعيات هذا الانسحاب طرح ملف الوجود السوري في لبنان، ليأتي رحيل الرئيس حافظ الأسد وتنصيب نجله بشار الأسد رئيسا العنوان الأبرز للتغيير في سورية، والتي كانت على موعدٍ مع ضغط عربي ودولي للانسحاب هي الأخرى من لبنان عام 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري، ومن ثم اندلاع الأزمة السورية المستمرة منذ نحو سبع سنوات، وتداعيات هذه الأزمة على الأردن على المستويين، الأمني والاقتصادي.
من جهة أخرى، كان للأمير، ولاحقا الملك، عبدالله بن عبد العزيز، دور كبير في ترميم العلاقة الأردنية السعودية، وعودة العلاقات إلى سابق عهدها، ليصبح الأردن جزءا أصيلا مما سمي محور الاعتدال العربي (مصر والسعودية والإمارات)، في مواجهة ما سمي محور الممانعة (إيران وسورية وحزب الله) لتتعرّض هذه العلاقة لاهتزاز منذ مجيء الملك سلمان إلى الحكم في 23 يناير/ كانون الثاني 2015، وصلت إلى حد توقف المساعدات المالية السعودية للبلاد.
أما العراق، العنوان الكبير للتغير في المنطقة، ففي أعقاب أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، ومن ثم احتلاله عام 2003، بذريعة نشر الديمقراطية في المنطقة، رتب على الأردن جملة من التحديات، خصوصا لجهة وقف المنحة النفطية العراقية، واستقبال موجات اللجوء، وتعاظم خطر الإرهاب، وغموض توجهات الحكم الجديد، خصوصا في ظل الحضور الإيراني الكبير في أروقة صناعة القرار العراقي.
على المستوى الداخلي، كانت هناك تركة ثقيلة، في مقدمتها ملف حركة حماس التي تم الطلب من قادتها مغادرة البلاد عام 1999، ملف جماعة الإخوان المسلمين التي كانت في طريقها لتجاوز معادلة ثنائية "السلطة والإخوان"، إضافة إلى ملف مراكز القوى داخل الدولة، وبالذات الدولة العميقة، ومصالح تلك المراكز وأدوارها على الساحة الأردنية.
سعى الملك عبد الله الثاني إلى تأسيس نخبة جديدة، ونهج سياسي واقتصادي جديد منذ بداية عهده، إلا أن البلاد غرقت، طوال العقد الأول من الألفية الجديدة، في صراع ما بين تيار نيوليبرالي، حظي بدعم القصر للعمل على تحديث الإدارة العامة في البلاد، والانخراط في اقتصاد السوق، وبين تيار محافظ وجد في هذه التغييرات تعديا على دوره، وسعيا إلى تجاوزه واستبداله، حيث بلغت ذروة هذا الصراع خلال الفترة 2006- 2009، وقاد التيار المحافظ مدير المخابرات الأسبق، محمد الذهبي، بينما تولى قيادة التيار النيوليبرالي رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله.
وعلى الرغم من أن عام 2009/ 2010 شهد خروج كل من عرّابي المحافظين والليبراليين من سدة الحكم، إلا أن تداعيات الصراع بين الطرفين تركت جروحا غائرة في جسد الدولة الأردنية، لجهة تعاظم الهوة بين المواطنين والنظام السياسي، ما ساهم في إرباك صورة النظام السياسي واهتزازها، ونشوء حركات مطلبية وسياسية، تتحدث بسقوفٍ لم يعهدها الأردنيون، وخصوصا تيار المتقاعدين العسكريين الذي أصدر بيان الأول من مايو/ أيار 2008، وكذلك حركة عمال المياومة، وغيرها من الحركات المطلبية.
جاءت رياح الربيع العربي على عمّان المنهكة من صراع الأجنحة، ليُصار إلى العمل على توظيف حالة الاعتراض العام في البلاد، والتي لم تصل إلى حالة معارضة أو ثورة، من مراكز القوى في الدولة، خصوصا للتيار المحافظ الذي سعى إلى ترميم الجسور التي تهدمت 
مع النظام السياسي طوال السنوات السابقة، حيث كانت أطراف في هذا التيار تمارس عملية شغب محدود ومنضبط، في تلويحٍ أثمر عن عودته إلى مربع السلطة، عبر تسويةٍ كان عنوانها تعديلات دستورية جوهرية عام 2013، وإعادة الاعتبار لرموز التيار البيروقراطي المحافظ.
في المقابل؛ كان تيار جماعة الإخوان المسلمين المنتشي برياح الربيع العربي يحاول فرض صيغته ورؤيته للحكم عبر الشارع، لإنجاز تسويةٍ سياسيةٍ، يكون عنوانها الحد بشكل حقيقي من صلاحيات الملك، وسن قانون انتخاب يتوافق مع مصالح هذا التيار على المستوى الوطني، ما يجعل معادلة السلطة والإخوان تميل لصالح الأخيرين. وانتهت هذه الأزمة الداخلية بتسويةٍ ضمنت فيها القوى المحافظة حضورا أكبر في المشهد الوطني، بفعل امتلاكها أدوات اللعبة الداخلية، والاستثمار في لحظة ارتباك النظام السياسي، بينما كانت فرص الإسلام السياسي تتراجع بشكل حاد مع إطاحة الرئيس المصري محمد مرسي، وتعقد الأزمة السورية وتشابكها، ما أدى إلى تفكك الحركة الإسلامية إلى كانتونات تتنازع شرعية تمثيل جمهور الإسلام السياسي.
لم تصمد التسوية بين القصر والتيار البيروقراطي المحافظ طويلا، إذ سرعان ما أقرت تعديلات دستورية منحت الملك صلاحياتٍ واسعة في العام 2015، أعادت رموز التيار النيوليبرالي إلى الواجهة عبر قيادة باسم عوض الله رمز هذا التيار، من بوابة العلاقة الأردنية السعودية، من خلال الصندوق الأردني السعودي الذي أقره البرلمان، وتم التوقيع على عقد تأسيسه في مارس/ آذار 2017، بحضور الملك عبدالله الثاني والملك سلمان في عمّان، إلا أن هذا الصندوق لم ير النور، وتدهورت العلاقة بين الطرفين، مع بقاء باسم عوض الله في موقع المبعوث الخاص للملك في السعودية.
عمليا؛ أدت تلك الأحداث إلى انتهاء مفاعيل حقبة ثنائية السلطة والإخوان المسلمين، بتداعي مراكز (وحضور) الطرفين، التيار المحافظ "البيروقراطي"، والإسلام السياسي، في مقابل صعود التيار النيوليبرالي المتحالف مع القصر، في سعي إلى إيجاد طبقة ومعادلة حكم جديدة تنسجم مع التحولات الدولية والإقليمية والمحلية التي عصفت بالبلاد نحو عقدين.
يواجه الأردن اليوم استعصاء سياسيا واقتصاديا، نتيجة عجز التيار النيوليبرالي على إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في البلاد، وعجز التيار المحافظ على تجديد نفسه، أو تقديم رؤية أو خطاب جديد يتجاوز المقاربات الكلاسيكية التي حكمت أداءه عقودا، وكذلك تفكك الحركة الإسلامية، ما يفتح المجال لأسئلة كثيرة بشأن مستقبل الأردن، في ظل تعقيدات الوضع الداخلي والخارجي.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا