15 سبتمبر 2023
الأردن.. حديث المؤامرة ورهانات الحاضر
جدّدت رموز حكومية أردنية، في طليعتها نائب رئيس الوزراء، الاقتصادي رجائي المعشر، التحذير من أزمة اقتصادية مقبلة، جراء تعذّر تحصيل الأموال المطلوبة لمعالجة العجز المالي في الموازنة، وصرّح أن هناك خطأ في تقديرات الحكومة لكلفة دعم الخبز التي بلغت 170 مليون دينار، فيما كان المبلغ المصروف للمواطنين بفعل فرق السعر 270 مليوناً.
وكان المعشر قد أكد مطلع شهر أغسطس/ آب الجاري، في لقاء مع اللجنة المالية في مجلس النواب، أن إعادة فتح معبر جابر مع سورية زاد من عمليات تهريب الدخان، ومعنى هذا خسارة في الضرائب، وتراجع في إيرادات المالية العامة. وهو ما أكده وزير المالية، عز الدين كناكرية، في مايو/ أيار الماضي، ويضاف إلى تراجع الإيرادات انخفاض إيراد فرق المحروقات جرّاء التحول إلى السيارات الكهربائية والهجينة، كما تتذرع الحكومة.
ويضاف إلى ذلك كله تحديات في التعليم، وفي المعالجات اليومية التي فتحتها نتائج الثانوية العامة، ونقد المنهاج، وتضخم أرقام البطالة، وغياب المشاريع الكبرى التي تسهم في حل معضلة الواقع الأردني الذي ورثته حكومة عمر الرزاز، ولم تغير فيه كثيراً، فقانون الضريبة الجديد الذي طبّقته هذه الحكومة لم يحقق المطلوب منه، وتأثيره السلبي بدأ يظهر، وسيزداد مع نهاية العام الجاري. ومكافحة الفساد ما زالت تخطو نحو تحقيق مزيد من الضبط والترشيد،
لكن قضايا ما زالت مطروحة للنقاش مفتوحة من دون إغلاق، ومنها قضية فساد شركة الفوسفات التي حُكم بها وليد الكردي، زوج عمّة الملك عبد الله الثاني، والجديد فيها أن الكردي لن يسلم من بريطانيا، كونه حصل على حكم قضائي في لندن ضد طلب الأردن تسليمه، وتفيد معلومات بأنه عرض تسويةً بدفع نحو مائة مليون دولار، وهو ما سرّبه نائب رئيس الحكومة المعشر في إحدى اللقاءات.
وفي ظلّ الحديث عن تراجع إيرادات المالية العامة، وفرض الحكومة ضرائب على التجارة الإلكترونية لمعالجة تراجع حركة البيع والنشاط التجاري، وتعزيز الإيرادات، كما تبرّر الحكومة قرارها غير المفهوم شعبياً، فإن معنى ذلك أن البحث عن ضرائب جديدة بات هاجساً حكومياً ورهاناً مرحلياً، لكنه لا يعني حلاً لواقع الاقتصاد المرير. وجديد التصريحات الحكومية في الاجتهاد الضريبي ما صرح به وزير الاقتصاد الرقمي والريادة، مثني غرايبة، إن الحكومة تتجه إلى فرض ضريبة على إعلانات "فيسبوك" و"غوغل"، وإن سقف الإعفاء الضريبي على الشراء الإلكتروني سيكون مرتبطاً بسقف راتب الموظف. وهذه تصريحات سلبية، وأحدثت غضباً، لكون صاحب وزارة الريادة تفتق إبداعه على معاقبة الناس على نشاطهم المالي في المجتمع الافتراضي. وسينعكس هذا الابتكار، وكذا الحلول الحكومية، سلباً على الاقتصاد الأردني، ولن يكون حلاً لسياسات فاشلة ووعود أطلقت، وسيؤدي إلى إغلاق بعض الشركات المعنية بالبيع الإلكتروني، ويحقق الانتصار لطبقة التجار المحلية التي تحصل على أرباح كبيرة. أما الحل في مواجهة تراجع
الاقتصاد، فكان بنظر أقلام وآراء كثيرة، وتعليقات عبر "فيسبوك"، بإعلان فشل الفريق الاقتصادي في مهمته وتغييره، كونه لم ينجح في إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية.
وفي المقابل، يطرح المجتمع الأردني تناقضات كبيرة في السلوك الاستهلاكي وفي أنماط التوجه نحو التعليم، وفي غياب التفكير في التحول الجدي نحو التعليم المهني الذي يعول عليه، لكي لا يقف الناس أمام طوابير الانتظار في ديوان الخدمة المدنية، ما يعني رغبة الناس في البقاء ضمن إطار الدولة الريعية، وليس دولة الإنتاج التي دعت حكومة الرزاز إلى التحول نحوها. تؤكد ذلك راهنية التعليم العالي الأردني الذي يشهد حالياً وجود أكثر 17 ألف طالب طب على مقاعد الدراسة، ونحو 40 ألف طالب هندسة، ومع كلّ هذا الكم من البطالة المنتظرة، ما زال إقبال الأردنيين على تعليم أبنائهم في هذه التخصصات منقطع النظير.
في الراهن الأردني جملة مواجهاتٍ مع قضايا حياتية صعبة يومية، عنوانها فقدان الثقة وغياب التخطيط السليم، ومن أسبابها تآكل الدخل، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتراجع الأمل عند الشباب في ولوج المستقبل والتحرّر من الانتظار الطويل للوظيفة، وغياب المشاركة السياسية الفاعلة، وتكرار النخب الموروثة وتحالفها مع قوى البازار، ما أوجد طبقة جديدة مؤثرة وفاعلة، ترفض أي تغيير جذري نحو الأفضل.
وأحد عناوين المشهد الراهن أزمة التعليم التي انعكست في الجدل بشأن المناهج الأردنية، وقضايا الجامعات وقانون التعليم العالي الجديد الذي يقرأ مطلعون إقرار مجلسي الأعيان والنواب له بحتمية إجراء تغييرات في رئاسة بعض الجامعات التي فيها مشكلات إدارية، أو تشهد تراجعاً حادّاً، أو فيها رؤساء مجالس غير فاعلين وغير قادرين على التقييم الصحيح لإدارات جامعاتهم وغير محايدين، ويعملون في مؤسسات جامعية خاصة بما يشي بتضارب المصالح. ويحدث هذا كله في ظلّ حديث الحكومة عن ضرورة إصلاح التعليم، وهو الملف الحياتي الأردني الأهم، لكنه حديث متكرّر، وسئمه الناس، وهو في زمن الحكومات العابرة كان محض وعود، ويرافق ذلك الحديث عن العدالة والتمكين وجودة المخرجات العلمية التي تراجعت في الآونة الأخيرة بشكل كبير.
هذه الظرفية الراهنة التي تعني أزمة اقتصادية، عنوانها تراجع الإيرادات وارتفاع الدّيْن العام ونسب البطالة، يقابلها فاعل اجتماعي يزداد غضبه؛ بسبب اضطراب المعالجات في الحلول، وغياب التخطيط وانعدام التجديد في النخب. ولكن هذا الحال لا يتوقع له أن يُحدث غضباً عاماً يتطوّر إلى عودة الحراك بصيغة غاضبة، بقدر ما يمكن له أن يؤسس لعودة احتجاجية في
سياق مغاير لما كان معهوداً، وعنوانها المطالب الاجتماعية أو المهنية، وقد شهد المجتمع الأردني العديد منها. وقد تطورت هذه الظرفية أخيراً، في موقف نقابة المعلمين الذي دعا إليه نقيب المعلمين بالدعوة إلى وقفة احتجاجية في الخامس من سبتمبر/ أيلول المقبل للمطالبة بحق المعلمين بعلاوة "الطبشورة"، حيث تمّ الاتفاق بين مجلس نقابة المعلمين السابق مع حكومة سابقة على علاوة الـ 100% المعروفة بهذا الاسم، ولكن لم يتم منحها لهم، وجاء مجلس النقابة الجديد ليعيد المطلب بعنوان إنصاف المعلم، وتم التفاهم على أن الظرف الاقتصادي الصعب يسمح بصرف 50% فقط من العلاوة التي هي حق للمعلم الذي تصنف مهنته على أنها "شاقة". بيد أن حكومة الرزاز المثخنة بأوجاع اقتصادية أعلن عنها نائب رئيس الحكومة، رجائي المعشر، بصيغة الإفلاس عن إيجاد حل للاقتصاد الأردني، لم تنفذ الاتفاق مع مجلس نقابة المعلمين الذي أعلن عن وقفة احتجاجية مقبلة؛ للمطالبة بحقهم في 50% من العلاوة، والذي من شأنه الإسهام بتحسن دخل المعلم الذي يعد دعمه أهم من دعم الخبز. وهذا الموقف الذي أعلنته نقابة المعلمين، مفتوح على احتمالات عديدة، مع اندلاع أعمال شغب في مدينة الرمثا الحدودية مع سورية، بفعل فرض الحكومة تعليمات تمنع تهريب الدخان، الأمر الذي يضيف مزيداً من الأعباء على الحكومة التي لم تُحدث اثراً ملموساً في ملف الاقتصاد.
وربما تذكّر مقدمات الاحتجاج على أكتاف المعلمين ببداية الاحتجاجات الشعبية في الأردن عام 2010، والتي قادها المعلمون للمطالبة بنقابةٍ مهنية لهم، وهي اليوم قد تكون أكثر صلابة لوجود الجسم النقابي العريض للمعلمين مع بدايات العام الدراسي، ما يعظّم الأزمة في البلاد التي ربما تتفاعل مع تطبيق قانون ضريبة الدخل الجديد مع نهاية العام الحالي، بنسب اقتطاع كبيرة من الدخل.
وفي مواجهة الواقع المعقد أمام حكومة الرزاز، زاد منسوب التحذيرات الأردنية الرسمية، ومن بعض القيادات الاجتماعية من وجود "مخطّطات خارجية" تستهدف الأردن، وأمنه الاجتماعي، وذلك بسبب ما يُنشر عن الأردن، من إشاعات وأخبار كاذبة، وما يجري من نشر لفيديوهات وجمع معلومات عن الأردنيين، وسحب بيانات من دول مجاورة.
خلاصة المشهد الأردني أن ثمّة حكومة لم تنجز وعودها، وتقديراتها المالية بدت غير سليمة، وأكثرت من التعديلات على فريقها، وهي حكومة استقبلت، قبل أكثر من عام باعتبارها الفرصة الأخيرة، لكن استطلاعات الرأي التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أكدت تعاظم فشلها وحدّة تراجع الثقة بها، وهي اليوم أمام اختبار البقاء والإصلاح الجدّي مالياً وسياسياً، أو الرحيل، خصوصاً إذا ما تعاظم الغضب الشعبي، وهو أمر لا يرتاح إليه القصر، ولا يريد العودة إليه.
ويضاف إلى ذلك كله تحديات في التعليم، وفي المعالجات اليومية التي فتحتها نتائج الثانوية العامة، ونقد المنهاج، وتضخم أرقام البطالة، وغياب المشاريع الكبرى التي تسهم في حل معضلة الواقع الأردني الذي ورثته حكومة عمر الرزاز، ولم تغير فيه كثيراً، فقانون الضريبة الجديد الذي طبّقته هذه الحكومة لم يحقق المطلوب منه، وتأثيره السلبي بدأ يظهر، وسيزداد مع نهاية العام الجاري. ومكافحة الفساد ما زالت تخطو نحو تحقيق مزيد من الضبط والترشيد،
وفي ظلّ الحديث عن تراجع إيرادات المالية العامة، وفرض الحكومة ضرائب على التجارة الإلكترونية لمعالجة تراجع حركة البيع والنشاط التجاري، وتعزيز الإيرادات، كما تبرّر الحكومة قرارها غير المفهوم شعبياً، فإن معنى ذلك أن البحث عن ضرائب جديدة بات هاجساً حكومياً ورهاناً مرحلياً، لكنه لا يعني حلاً لواقع الاقتصاد المرير. وجديد التصريحات الحكومية في الاجتهاد الضريبي ما صرح به وزير الاقتصاد الرقمي والريادة، مثني غرايبة، إن الحكومة تتجه إلى فرض ضريبة على إعلانات "فيسبوك" و"غوغل"، وإن سقف الإعفاء الضريبي على الشراء الإلكتروني سيكون مرتبطاً بسقف راتب الموظف. وهذه تصريحات سلبية، وأحدثت غضباً، لكون صاحب وزارة الريادة تفتق إبداعه على معاقبة الناس على نشاطهم المالي في المجتمع الافتراضي. وسينعكس هذا الابتكار، وكذا الحلول الحكومية، سلباً على الاقتصاد الأردني، ولن يكون حلاً لسياسات فاشلة ووعود أطلقت، وسيؤدي إلى إغلاق بعض الشركات المعنية بالبيع الإلكتروني، ويحقق الانتصار لطبقة التجار المحلية التي تحصل على أرباح كبيرة. أما الحل في مواجهة تراجع
وفي المقابل، يطرح المجتمع الأردني تناقضات كبيرة في السلوك الاستهلاكي وفي أنماط التوجه نحو التعليم، وفي غياب التفكير في التحول الجدي نحو التعليم المهني الذي يعول عليه، لكي لا يقف الناس أمام طوابير الانتظار في ديوان الخدمة المدنية، ما يعني رغبة الناس في البقاء ضمن إطار الدولة الريعية، وليس دولة الإنتاج التي دعت حكومة الرزاز إلى التحول نحوها. تؤكد ذلك راهنية التعليم العالي الأردني الذي يشهد حالياً وجود أكثر 17 ألف طالب طب على مقاعد الدراسة، ونحو 40 ألف طالب هندسة، ومع كلّ هذا الكم من البطالة المنتظرة، ما زال إقبال الأردنيين على تعليم أبنائهم في هذه التخصصات منقطع النظير.
في الراهن الأردني جملة مواجهاتٍ مع قضايا حياتية صعبة يومية، عنوانها فقدان الثقة وغياب التخطيط السليم، ومن أسبابها تآكل الدخل، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتراجع الأمل عند الشباب في ولوج المستقبل والتحرّر من الانتظار الطويل للوظيفة، وغياب المشاركة السياسية الفاعلة، وتكرار النخب الموروثة وتحالفها مع قوى البازار، ما أوجد طبقة جديدة مؤثرة وفاعلة، ترفض أي تغيير جذري نحو الأفضل.
وأحد عناوين المشهد الراهن أزمة التعليم التي انعكست في الجدل بشأن المناهج الأردنية، وقضايا الجامعات وقانون التعليم العالي الجديد الذي يقرأ مطلعون إقرار مجلسي الأعيان والنواب له بحتمية إجراء تغييرات في رئاسة بعض الجامعات التي فيها مشكلات إدارية، أو تشهد تراجعاً حادّاً، أو فيها رؤساء مجالس غير فاعلين وغير قادرين على التقييم الصحيح لإدارات جامعاتهم وغير محايدين، ويعملون في مؤسسات جامعية خاصة بما يشي بتضارب المصالح. ويحدث هذا كله في ظلّ حديث الحكومة عن ضرورة إصلاح التعليم، وهو الملف الحياتي الأردني الأهم، لكنه حديث متكرّر، وسئمه الناس، وهو في زمن الحكومات العابرة كان محض وعود، ويرافق ذلك الحديث عن العدالة والتمكين وجودة المخرجات العلمية التي تراجعت في الآونة الأخيرة بشكل كبير.
هذه الظرفية الراهنة التي تعني أزمة اقتصادية، عنوانها تراجع الإيرادات وارتفاع الدّيْن العام ونسب البطالة، يقابلها فاعل اجتماعي يزداد غضبه؛ بسبب اضطراب المعالجات في الحلول، وغياب التخطيط وانعدام التجديد في النخب. ولكن هذا الحال لا يتوقع له أن يُحدث غضباً عاماً يتطوّر إلى عودة الحراك بصيغة غاضبة، بقدر ما يمكن له أن يؤسس لعودة احتجاجية في
وربما تذكّر مقدمات الاحتجاج على أكتاف المعلمين ببداية الاحتجاجات الشعبية في الأردن عام 2010، والتي قادها المعلمون للمطالبة بنقابةٍ مهنية لهم، وهي اليوم قد تكون أكثر صلابة لوجود الجسم النقابي العريض للمعلمين مع بدايات العام الدراسي، ما يعظّم الأزمة في البلاد التي ربما تتفاعل مع تطبيق قانون ضريبة الدخل الجديد مع نهاية العام الحالي، بنسب اقتطاع كبيرة من الدخل.
وفي مواجهة الواقع المعقد أمام حكومة الرزاز، زاد منسوب التحذيرات الأردنية الرسمية، ومن بعض القيادات الاجتماعية من وجود "مخطّطات خارجية" تستهدف الأردن، وأمنه الاجتماعي، وذلك بسبب ما يُنشر عن الأردن، من إشاعات وأخبار كاذبة، وما يجري من نشر لفيديوهات وجمع معلومات عن الأردنيين، وسحب بيانات من دول مجاورة.
خلاصة المشهد الأردني أن ثمّة حكومة لم تنجز وعودها، وتقديراتها المالية بدت غير سليمة، وأكثرت من التعديلات على فريقها، وهي حكومة استقبلت، قبل أكثر من عام باعتبارها الفرصة الأخيرة، لكن استطلاعات الرأي التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أكدت تعاظم فشلها وحدّة تراجع الثقة بها، وهي اليوم أمام اختبار البقاء والإصلاح الجدّي مالياً وسياسياً، أو الرحيل، خصوصاً إذا ما تعاظم الغضب الشعبي، وهو أمر لا يرتاح إليه القصر، ولا يريد العودة إليه.