ما زالت الحكومات الأردنية المتعاقبة تحاول وضع الأحزاب في القالب الذي تراه مناسباً لها. فالأحزاب لا تلعب دوراً حقيقياً في رسم مسارات السياسة والاقتصاد في المملكة، وتقوم بدور هامشي لا يُذكر في منظومة العمل العام، وهي اليوم أقرب للأكسسوارات التي تزين الصورة الديمقراطية للبلاد. وتشكل تعليمات تقديم الدعم المالي للأحزاب السياسية، مطلع شهر يوليو/تموز الحالي، قيداً جديداً بيد الحكومة، تُمسك به زمام حركة الأحزاب، لا سيما الصغيرة منها، التي تعاني بالأصل من الضعف، بسبب العزوف الشعبي عن الانضمام إليها، لأسباب تتعلق بالأحزاب ذاتها، وأخرى بسبب الموقف السلبي والمعادي للعمل الحزبي من قبل مؤسسات الدولة. ويأتي العمل بنظام الدعم المالي الجديد في الوقت الذي لا يزال الغموض يطغى على موعد الانتخابات النيابية المقبل، التي ربط العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إجراءها بزوال خطر تفشي جائحة كورونا، فيما لا تنفك السلطات، منذ سنوات، عن الدعوة لتشكيل حزبين أو ثلاثة أحزاب قوية، على غرار الدول الغربية. لكن البيئة العامة في الأردن تكشف عن غياب الإرادة للإصلاح السياسي، والتردد الواضح من قبل السلطات بالتخلي عن جزء من صلاحياتها.
العضايلة: التعليمات الجديدة محاولة لإعدام الأحزاب السياسية
ويصف الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب الأردنية وأكثرها تمثيلاً في البرلمان، مراد العضايلة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، التعليمات الجديدة لتمويل الأحزاب بأنها محاولة لإعدام الأحزاب السياسية في الأردن، مضيفاً أن هذه التعليمات لا يوجد فيها أي بوادر لتطوير الحياة الحزبية الحقيقية، كما في البلدان الديمقراطية. ويقول إن التعليمات متشددة، والتمويل مُقيد أكثر من النظام السابق، مشيراً إلى أن هذا النظام لن يساعد على تطوير الحياة الحزبية وتقدمها أو إيجاد حياة سياسية حقيقية. ويرى العضايلة أن التعليمات الجديدة لا تفسح المجال للمشاركة الحزبية الواسعة في الحياة السياسية، مضيفاً أن هذه التعليمات وكأنها تحاول وضع الأحزاب في قالب محدد لا يمكن تجاوزه، لتتحول إلى أقرب ما يكون من جمعيات خيرية، وليست أحزاب سياسية حقيقية. وحول التمويل الحزبي لحزب الجبهة يشير العضايلة إلى أن التمويل الحزبي الحكومي لا يتجاوز ربع موازنة الحزب، وبنسبة تتراوح في العادة بين 20 و25 في المائة من ميزانية تمويل الحزب، مشدداً على أن هذا التمويل لن يزيد أو يطور، بصورته الحالية، الحياة الحزبية في الأردن.
بدوره يرى الأمين العام للحزب الوطني الدستوري الأردني أحمد الشناق، بحديث لـ"العربي الجديد"، أن فكرة التمويل المالي للأحزاب إيجابية، لكن جميع تفاصيلها كانت سلبية، موضحاً أن الأصل يجب أن يكون عبر التعامل مع الأحزاب كآلية للوصول إلى البرلمان، لكن التعليمات جاءت بما لا يمكن أن يساعد العمل الحزبي في المشاركة بالانتخابات. ويقول إن حجم الدعم المالي لا يكفي لمرشح واحد لخوض الانتخابات وتمويل حملته الانتخابية، فكيف عندما يشارك الحزب بعدد من المرشحين، فهذا المبلغ لا يشكل أي مساهمة حقيقية في الحملات الانتخابية الحزبية، خصوصاً بوجود شرط نزول 6 مرشحين في ثلاث دوائر انتخابية، واصفاً هذا الشرط بالتعجيزي الذي لا يراعي واقع الحياة الحزبية في الأردن. وتابع: التعليمات تجعل الحديث عن التمويل عملية شكلية، وليس تمويلا حقيقيا للأحزاب، مضيفاً أن هذه التعليمات كانت مزدحمة وبتفاصيل كثيرة، معتبراً أن هذه التعليمات لا تناسب واقع العمل الحزبي وقانون الانتخاب، وقد وضعت من خلال عقلية موظف وليس عقلية دولة تحاول تطوير العملية الانتخابية ومؤسسة البرلمان. ويلمح الشناق إلى أن حزباً وحيداً سيستفيد من هذه التعليمات، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي، متسائلاً: هل درست الحكومة التجارب الانتخابية السابقة للأحزاب عندما وضعت هذه التعليمات؟ وهل ستكون الانتخابات مفتوحة للأحزاب فقط، أم هل ستصارع الحزبية والمال السياسي؟ من جانبه، يعرب الأمين العام لحزب الشورى الدكتور فراس العبادي، لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أن الأحزاب لن تستفيد من نظام المساهمة في التمويل المالي، مشدداً على أن أي دعم للأحزاب، من دون منحها المجال للمشاركة الفعالة في العملية السياسية، خصوصاً الانتخابات النيابية، يبقى بلا قيمة حقيقية. ويقول العبادي إن الأحزاب حالياً هي مجرد ديكور في مشهد الحياة السياسية الأردنية، والتنمية السياسية الحقيقية تكمن في إعطاء الأحزاب دوراً في الحياة البرلمانية وفتح المجال أمامها للوصول إلى مجلس النواب المقبل. ويلفت إلى أن الدعم الحكومي غير جوهري، والتفاصيل تكشف أن هذه التعليمات جاءت بهدف أساسي، كمحاولة لدمج الأحزاب وتقليص عددها، مشيراً إلى أنه من الممكن أن تستفيد بعض الأحزاب من الدعم، لكن بمبالغ مالية بسيطة بسبب الشروط التي تضمنتها التعليمات. ويوضح أن حزب الشورى جديد نسبياً، وعمره أربع سنوات، لافتاً إلى أن الحزب لن يستفيد كثيراً من هذا الدعم، رغم أنه سيخوض الانتخابات المقبلة بعدد من المرشحين، معتبراً أن الأحزاب الكبيرة قد تستفيد أيضاً من التمويل بشكل أكبر من الأخرى. وعرفت التعليمات، الصادرة عن وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، بموجب قانون الأحزاب السياسية ونظام المساهمة المالية، بأنها المساهمة بالمبلغ المالي المُقدم من أموال الخزينة العامة لدعم الأحزاب السياسية المرخصة. وحدد النظام نوعين من مخصصات الدعم المالي، أحدهما مباشر عبر مساهمة مالية سنوية، بنسبة لا تزيد على 40 في المائة من قيمة الاشتراكات للأعضاء المحصلة بعد مرور عام على تأسيس الحزب، وأن لا يقل الاشتراك عن 24 ديناراً سنوياً (33 دولارا أميركيا) للعضو في الحزب، وهي المخصصات التي حدد النظام سقفها بما لا يتجاوز 10 آلاف دينار (14 ألف دولار)، إضافة إلى 7 آلاف دينار (10 ألاف دولار) موجهة لمصاريف إعلام الحزب، و2500 دينار (3500 دولار) أخرى للمؤتمر العام، عدا عن دعم مخصص للأحزاب المندمجة وفقا لعددها، وهذا يعني أن المساهمة التي يمكن لأي حزب الحصول عليها سنوياً، وبشكل ثابت لا تزيد عن 18 ألف دينار (25 ألف دولار). وهناك دعم آخر متغير، مرتبط بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، وحجم مشاركة الشباب والنساء، على أن تصرف هذه المخصصات بعد إجراء الانتخابات. ونصت التعليمات على استحقاق الحزب مساهمة مالية مقدارها 15 ألف دينار إذا حقق ما نسبته واحد في المائة فأكثر من عدد أصوات المقترعين الصحيحة على مستوى المملكة في الانتخابات النيابية، واستحقاق الحزب لمبلغ 3 آلاف دينار عن كل مقعد نيابي يفوز به أحد مرشحيه. واشترطت التعليمات لاستحقاق المساهمة المالية توافر متطلبات وشروط مشددة وواسعة، وهي: أنّ يمضي على ترخيص الحزب سنة من تاريخ الإعلان عن تأسيسه المنشور في الجريدة الرسمية، وأن يقدم مندوب الحزب سندات قبض لاشتراكات الأعضاء، وإيصالات صادرة عن البنك المعتمد للحزب تفيد بتسديد الأعضاء لقيمة الاشتراك. كما يجب أن يقدم مندوب الحزب قائمة بأعضاء الحزب تتضمن الاسم الرباعي لكل عضو، والرقم الوطني، ومكان الإقامة، وصورة عن الهوية، وتقديمه كشف حساب بنكي صادر عن البنك المعتمد، يفيد بإيداع ثلثي أعضاء الحزب أو أكثر، وأن يكون قد مضى على إيداعها مدة 3 أشهر فأكثر.
الشناق: فكرة التمويل إيجابية لكن جميع تفاصيلها سلبية
وكانت دراسة سابقة للمعهد الهولندي للديمقراطية حذرت من اختفاء غالبية الأحزاب السياسية في الأردن وتلاشيها في حال توقف الدعم الحكومي عنها، استناداً إلى رصد موازنات 15 حزباً أردنياً في العام 2017، حيث أظهرت أن إيرادات الأحزاب من التبرعات واشتراكات الأعضاء والإيرادات الأخرى "غامضة وغير مكتشفة" لدى العديد منها، إذ تستحوذ رواتب العاملين والنفقات الجارية، وليس الأنشطة الحزبية، "على أغلبية أوجه صرف موازنات الأحزاب". يشار إلى أنه يوجد في الأردن 48 حزباً مرخصاً، بحسب تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان، وبلغ عدد المنتسبين لها 34957 في العام 2018. ووفق دراسة أجرتها منظمة "فريدريش إيبرت" في يونيو/حزيران 2019 فقد مر دعم الأحزاب في الأردن في السابق بثلاث مراحل، حيث تم اعتماد الدعم المباشر للمرة الأولى في نظام المساهمة رقم 89 لسنة 2008، وتم تخصيص 50 ألف دينار سنوياً تصرف على رواتب العاملين والنفقات التشغيلية والإيجارات، أو أي نفقات أخرى لها علاقة مباشرة بأهداف الحزب المنصوص عليها في النظام الداخلي. وأجرت الحكومة تعديلات على النظام في 2012، حيث صدرت نسخة مطورة في 2013 بموجب قانون الأحزاب السياسية رقم 16 لسنة 2012 آنذاك، فرضت مرور سنة على تاريخ إعلان تأسيس الحزب وألا يقل عدد أعضائه عن 500 عند استحقاق الدعم، وأن تنفق في الأجور والنفقات التشغيلية، على أن يخصص للأجور والرواتب 15 ألف دينار كحد أعلى، من ضمن 50 ألف دينار سنوية. وأضاف نظام المساهمة المالية رقم 53 لسنة 2016 بنوداً تتعلق بالدعم الإضافي، عدا عن الدعم السنوي الأساسي، وكلاهما ضمن شروط محددة، حيث اشترط النظام ألا يقل عدد أعضاء الحزب عن 500 من 7 محافظات، ونسبة النساء عن 10 في المائة.