أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية أحكاماً غيابية بسجن أكثر من عشرين ناشطاً مدة ثلاثة أشهر لكل منهم، بعد إدانتهم بتهم "إطالة اللسان والتحريض على تقويض نظام الحكم"، على خلفية المشاركة في الاحتجاجات العارمة التي شهدتها المملكة منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، فيما اصطلح عليه " هَبّة تشرين"، التي أعقبت قرار الحكومة الأردنية رفع الدعم عن أسعار المحروقات.
ووفقاً لمصادر قضائية، فإنّ الأحكام الغيابية صدرت قبل نحو ثلاثة أشهر، وذلك بعد أن توقف المتهمون الذين ينتمون جميعهم إلى بلدة ذيبان التابعة لمحافظة مأدبا (17 كيلو متراً جنوب عمّان) عن حضور جلسات المحاكمة، وهو ما يجعلهم اليوم بنظر الدولة فارين من وجه العدالة ومعرضين للتوقيف في أي لحظة، وهو ما حدث لأحدهم حين اعتقل على الحدود فور عودته من أداء فريضة الحج، وأفرج عنه بعد أن استبدل مدة محكوميته بغرامة مالية.
وكانت الأجهزة الأمنية قد اعتقلت خلال موجة الاحتجاجات العنيفة تلك التي عمّت جميع المدن الأردنية لقرابة خمسة أيام، ورفع خلال شعار إسقاط النظام، أكثر من مائتي ناشط، قبل أن يصار إلى الإفراج عنهم بناء على توجيهات ملكية، بعد ضغوط مارستها منظمات حقوقية دولية على الأردن.
وفي هذا الصدد، يقول المحامي المختص في قضايا محكمة أمن الدولة، عبد القادر الخطيب: "فهم الرأي العام حينها أن الإفراج عن المعتقلين كان بمثابة عفو عنهم لطي صفحة الاحتجاجات، لكن تبين لاحقاً من خلال الاستدعاءات التي وجهتها محكمة أمن الدولة لعدد منهم أن الإفراج عنهم كان بكفالة وليس عفواً".
أما الناشط العمالي محمد السنيد، المدرج اسمه ضمن الناشطين الصادرة بحقهم الأحكام، سبق أن استدعي لمحكمة أمن الدولة بعد أيام من الإفراج عنه في أعقاب الاحتجاجات، ليحاكم بتهم إطالة اللسان والتحريض على تقويض نظام الحكم، فيقول "حضرت عشرات جلسات المحاكمة"، لكنه يقر بتوقفه بعد عام من بدء المحاكمة عن حضور الجلسات لعدم قدرته على تأمين أجرة المواصلات للذهاب إلى المحكمة، حيث كان عاطلاً عن العمل.
لكن السنيد، الذي تبلغ مؤخراً بالحكم الصادر بحقه، يستغرب أن تصدر المحكمة أحكاماً على مجموعة محددة من الناشطين، ينتمون إلى منطقة واحدة على خلفية الهبّة التي شملت جميع مناطق المملكة وشارك فيها عشرات الآلاف، ويتساءل "إذا كانت عدالة فهل هي انتقائية؟".
ويعتقد السنيد الذي سبق وسجن أكثر من مرة بتهمة إطالة اللسان، أن جهات خفية في الدولة تسعى إلى إعادة التوتر إلى المملكة، من خلال تذكير الناس بالهبة، التي تم نسيانها تقريباً وأصبحت من الذاكرة.
وبحسب المحامي الخطيب، فإن من صدرت بحقهم الأحكام بالسجن يستطيعون استبدالها بغرامة مالية، حيث يتيح القانون بقرار القاضي المعني استبدال الحبس بغرامة إذا كان الحكم بالسجن لمدة تقل عن ثلاثة أشهر.
يشار إلى أن القانون المعدل محكمة أمن الدولة، والذي تمت المصادقة عليه مطلع يونيو/حزيران 2014 نزع من المحكمة اختصاص النظر في قضايا "إطالة اللسان وتقويض نظام الحكم"، بعد أن حصر اختصاصها بالنظر في خمس جرائم هي: الخيانة والتجسس والإرهاب والمخدرات وتزييف العملة، لكن القانون لم يسر بأثر رجعي حيث واصلت المحكمة النظر في القضايا، التي أصبحت خارج اختصاصها، والمسجلة لديها قبل صدور القانون.
اقرأ أيضاً العاهل الأردني: نشهد حرباً عالمية ثالثة