في أذهانِ الأردنيّين صورة نمطية عن الموظّف في القطاع الحكومي، تلك التي رسختها الدراما من خلال تصوير الموظّف كارهاً لعمله، أو خبيراً في إهدار الوقت، أو مشغولاً بحلّ الكلمات المتقاطعة، ما يؤدي إلى تأخير معاملات المراجعين الذين يطلب منهم العودة إليه في وقت لاحق. وأحياناً، يُطلب منهم القيام بجولة مكوكيّة في مكاتب الإدارة قبل أن يعودوا من جديد.
لتلكَ الصورة ما يُبرّرها، وخصوصاً أن الوظيفة الحكومية كانت مطمعاً لغالبية الأردنيين. يُعدّ من يفوز بها شخصاً ذا نفوذ وسلطة ومكانة اجتماعية مرموقة. كذلك، ساهَمَ في ترسيخها غياب المكننة في الإدارات والدوائر الحكومية الأردنية سابقاً، ما كانَ يُجبر المواطن على التنقل بين عدد كبير من الإدارات لإنجاز معاملاته. في ذلك الوقت، كانت الإدارات تعتمد على الأرشفة ورقياً، الأمر الذي كان يستغرق وقتاً كثيراً.
تغيّرت الأحوال اليوم. وصارَ المراجعون لا يطيقون صبراً على الانتظار، ويصرّون على إنجاز معاملاتهم في أسرع وقت. وفي حال تأخر الموظف، يصرخون في وجهه. وللوقوف على واقع عمل الإدارات الرسمية، اختارت "العربي الجديد" قضاء وقت في المبنى الرئيسي لدائرة الأحوال المدنية والجوازات في العاصمة عمّان، بالإضافة إلى مكتب تابع للدائرة في إحدى المحافظات المتاخمة للعاصمة.
داخل المكتب لا تشعر بالراحة. الكراسي تحتاج إلى صيانة، فيما يقف المراجعون في طابور ويحملون أوراقهم بانتظار الوصول إلى الشباك وتقديم معاملاتهم إلى الموظف. وينتظرُ الذين قدّموا معاملاتهم المناداة على أسمائهم للحصول عليها، سواء كانت جواز سفر أو شهادة ميلاد أو وفاة أو دفتر عائلة، وغيرها. لم يكن الطابور طويلاً. إلا أن أحد المراجعين فضل الانتظار على الكرسي طالباً من أحد المواطنين الحفاظ على دوره. وعادة ما ينجز الموظفون معاملات النساء أولاً، ما دَفَع سعيد جبر إلى الصراخ: "الدور لازم يمشي على الجميع". إلا أن الموظف سأله: "هل تقبل أن تقف شقيقتك في الطابور بين الرجال"؟. يقول جبر لـ "العربي الجديد" إن "المشكلة ليست في إنجاز المعاملة، بل في الانتظار ريثما يحين دورك. لكن لحسن الحظ اليوم، فإن عدد المراجعين قليل. فأحياناً، يمكن أن يسبقك مائة شخص".
الحال في المبنى الرئيسي لدائرة الأحوال المدنية والجوازات مختلف تماماً. هناك، ينتظرُ المئات انجاز معاملاتهم. يجلس البعض على مقاعد الانتظار، فيما يستريح آخرون في الساحة الخارجية، حيث يمكنهم التدخين. ويقصد آخرون الكافتيريا لتمضية الوقت. الجيد أنه لا طوابير، بعدما وضعت لوحات إلكترونية تظهر رقماً يكون قد حصل عليه المواطن.
في هذه الحالة، لا داعي لتوجيه اللوم على الموظفين. في أحيانٍ كثيرة، يلوم المواطنون أنفسهم لأنهم لم يأتوا باكراً. وتجدر الإشارة إلى أن اللوحات الإلكترونية باتت تنتشر بشكل كبير في الإدارات الرسمية، بعدما كانت لفترة طويلة حكراً على المؤسسات الخاصة. في السياق، يقول الناطق باسم دائرة الأحوال المدنية والجوازات مالك الخصاونة: "بدأ العمل بالنظام الإلكتروني منذ عام 2000 في الدائرة، علماً أنه موجود في 30 مكتب للجوازات من أصل 85 (العدد الإجمالي للمكاتب التابعة للدائرة)". ويؤكد أن "هذا النظام يحقق العدالة بين المراجعين، وبين المراجع والموظف".
من جهة أخرى، يعزو الخصاونة عدم توفر هذا النظام في جميع المكاتب إلى قلة عدد المراجعين فيها، ما يعني أن الأمور لا تخرج عن السيطرة.
بحسب إحصائيات الدائرة، فقد أنجز خلال العام الماضي ثلاثة ملايين معاملة، بالإضافة إلى 750 ألف معاملة خلال العام الجاري. وغالباً ما لا يشكو المواطنون من أي روتين في عمل دائرة الأحوال المدنية والجوازات، وخصوصاً في المكاتب التي تعتمد النظام الإلكتروني، حتى وإن كان ذلك لا ينسحب على جميع الإدارات الرسمية في الأردن، لكن يمكن اعتبارها نموذجاً يحتذى بها.
اقرأ أيضاً: الأردنيّات: الجنسيّة لأطفالنا