يوم دامٍ آخر شهده العراق، أمس الأربعاء، أوقع عشرات الضحايا خصوصاً في بغداد ثم الفلوجة والموصل ومناطق أخرى. تفجيرات بغداد ذات الطابع المذهبي يتوقع أن ينتج عنها تداعيات سياسية لناحية المزيد من تعميق الأزمة السياسية بين أركان الفريق الحاكم، وعلى شاكلة تبادل اتهامات وتحميل مسؤوليات عن الإخفاق الأمني الكبير بما أن المناطق المستهدفة في العاصمة من "داعش" تعتبر إلى حد بعيد مناطق نفوذ المليشيات والأحزاب الدينية الحاكمة أكان في مدينة الصدر أو شارع الربيع أو منطقة الكاظمية. ومع وقوع موجة التفجيرات، توعّد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بإجراء سلسلة إقالات أمنية، لامتصاص الغضب الشعبي بالإضافة إلى أمر أصدره عصراً يقضي بإغلاق جميع مداخل بغداد وسط معلومات عن وجود المزيد من السيارات المفخخة المعدة للتفجير مثلما حصل في مدينة الصدر ومنطقة الكاظمية، بينما وجهت مستشفيات العاصمة نداءات للتبرع بالدم نظراً للعدد الكبير من المصابين.
كما قُتل أربعة أشخاص، من بينهم فتاة، بقصف لمليشيا "حزب الله العراق" على شرق الفلوجة، فيما أكدت مصادر عسكرية عراقية أن القصف تابع لـ"داعش". وقُتل وأصيب أيضاً 13 مدنياً بقصف جوي، يُعتقد أنه أميركي، استهدف منطقة البعاج، جنوب شرق الفلوجة.
في غضون ذلك، أكدت مصادر بوزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن "ما لا يقلّ عن 30 قتيلاً وجريحاً، سقطوا بتفجيرات متفرقة بواسطة عبوات ناسفة وألغام في بغداد وديالى وكركوك وصلاح الدين". وقال مسؤول حكومي عراقي رفيع، إن "التفجيرات في بغداد، تأتي بعد يومين فقط من تبادل الاتهامات بين وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد، على من تقع مسؤولية الأمن بالعاصمة، بسبب تضارب في صلاحيات القادة الأمنيين والانتشار الواسع للمليشيات وتقاسمهم النفوذ في بغداد".
وأضاف أن "هذا الانتشار الأمني المخيف والعسكرة بشوارع العاصمة، لم يمنع وقوع انفجار بهذا الحجم، بالتالي فمن المؤكد أن هناك خللاً". وتابع "وقوع تفجير في أهم معقل للتيار الصدري بهذا الشكل، يفتح المزيد من أبواب الفتنة الداخلية بين قيادات التحالف الوطني". وفي أول رد فعل له على الاعتداء الذي استهدف مدينة الصدر، قال القيادي بالتيار الصدري، حسين البصري لـ"العربي الجديد"، إنه "من السابق لأوانه الحديث عن وجود علاقة بين استهداف مدينة الصدر وجمهور التيار الصدري، وبين مطالبهم الحالية، لكن يجب أن تعلم الحكومة أنها مسؤولة عن ذلك بشكل أو آخر لأنها توافق على استمرار عمل قيادات أمنية حزبية غير نزيهة". وبيّن أن "غالبية ضباط الأمن امتهنوا العمل السياسي وانشغلوا به على عملهم في الأمن. كما ينطبق الأمر على المليشيات أيضاً، التي تدّعي أن انتشارها بالعاصمة هو لحمايتها".
وتوالت إدانات الكتل السياسية للاعتداء في مدينة الصدر، والذي وُصف بـ"الأعنف منذ أشهر"، وأصدر رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان بيانات تدعو إلى "الوحدة وتفويت الفرصة على قوى الإرهاب". كما ذكر النائب بالبرلمان العراقي، محمد الكربولي، أن "استهداف مدينة الصدر يمثل ضربة إلى جماهير الحراك الشعبي ومعقله هناك".
وقال وزير عراقي لـ"العربي الجديد"، إن "العبادي يسعى لامتصاص الغضب الشعبي في الشارع البغدادي، خصوصاً بين أنصار الصدر، كون الانفجار وقع في صفوفهم. وسيجري العبادي جملة إقالات واسعة ستحظى بقبول شعبي". وأضاف أن "رئيس الوزراء حاول زيارة مكان التفجير لحظة وقوعه، لكن مستشاريه نصحوه بعدم الذهاب خشية من الغضب الشعبي هناك".
في المقابل، فإن الترقب والحذر ساد المناطق البغدادية كافة، خوفاً من تكرار سيناريو الاعتداءات وردود الفعل الانتقامية على تفجير مدينة الصدر، وسط انتشار واسع للمليشيات، التي بدت وكأن التفجير جاء لصالحها، لمنحها شرعية أكبر في التواجد بين الأزقة والشوارع بملابس رياضية وأخرى عسكرية حاملين مختلف أنواع الأسلحة.
ويفتح التفجير الباب واسعاً على قدرة "داعش" في الوصول إلى مناطق، من المفترض أنها محصّنة بالكامل، وتُعدّ معاقل مقفلة للمليشيات والجماعات الراديكالية، أمثال مدينة الصدر، وهو ما يثير مخاوف وقوع اعتداءات أخرى قد تكون بداية لمرحلة انفلات أمني جديد في العاصمة.