يتقارب الأدب والسينما في طابعهما السردي، لكنهما يختلفان في أداة التعبير بين الكلمة التي يعتمد عليها الأدب، والصورة التي تشكّل روح الفن السابع. وإن كان الأدب والسينما يغرفان من المتخيّل نفسه، الذي يوظّف أحداثاً وشخصيات يتابعها الجمهور، مشاهداً كان أو قارئاً، فإن من الطبيعي أن يلتقيا.
القواسم المشتركة بين الأدب والسينما، أتاحت لمخرجين كثيرين، الاعتماد على شخصيات تمارس تأثيرها الواقعي أو المتخيل، في عدد من الأعمال الأدبية، خاصة الروايات والقصص، ما أنتج أفلاماً سينمائية ناجحة. لكن هذا لم يحصل بالقدر الكافي في السينما المغربية، التي يبدو أنها لا تزال على علاقة فاترة وحذرة بالأدب.
الغوص في تفاصيل الشخصيات، وزمن تحرّكها، وتسلسل أحداثها، التي تحفل الرواية أو القصة بها عادة، عوامل وسياقات حفزت السينما وروّادها على اقتباس نصوص روائية عديدة، لتحويلها إلى أفلام سينمائية، استطاعت تحقيق نجاحات باهرة.
في هذا الإطار، يقول الأديب المغربي مصطفى لغتيري إن أفلاماً عالمية نهلت من روايات خالدة، مشيراً إلى أن النماذج العالمية كثيرة ويصعب حصرها.
يضيف لغتيري لـ "العربي الجديد" أنه، في السينما العربية، عمد المخرجون والمنتجون إلى الاستفادة من النبع الثري للرواية العربية، فاقتبسوا منها نصوصاً لامعة، محوّلينها إلى أفلام سينمائية، أضفت على الشاشة الكبيرة "جاذبية خاصة"، ما أدّى إلى تحقيق زخم مشهود في هذا المجال، خلال المرحلة الرومانسية.
وذكر الروائي المغربي روايات إحسان عبد القدوس، ومحمد عبد الحليم عبد الله، مضيفاً أن ذروة تعاطي السينما العربية مع النصوص الروائية كانت مع تجربة نجيب محفوظ، الذي لم يكتفِ بمنح السينما مجموعة من إبداعاته الروائية لتحويلها إلى أفلام، بل كتب هو نفسه عدداً من السيناريوهات السينمائية.
بخلاف ما دأبت عليه إبداعات السينما العالمية والعربية، خاصة المصرية، بعودتها بين حين وآخر إلى القصص والروايات، فإن العلاقة بين السينما والأدب في المغرب ظلّت متنافرة، تصل إلى حدّ تبادل الاتهامات بين الأدباء والسينمائيين.
يتّهم الأدباءُ المخرجين السينمائيين بأنهم لا يقرأون الروايات التي يصدرونها. وحتى إن قرأوها، فإنهم لا يتجرّأون على "اقتحام" أسوار الرواية والقصة، وتحويلهما إلى فيلم سينمائي. بينما يتّهم السينمائيون الأدباءَ بأنهم يكتبون لأنفسهم، ولا يتقنون الكتابة للسينما، التي لها عوالمها وشروطها الخاصة.
يقول التازي لـ "العربي الجديد" إنه لا يمكن إنكار وجود "سوء فهم كبير" بين الأدب والشاشة الفضية في المغرب، اعتماداً على قلّة الأعمال الأدبية التي تمّ تحويل شخصياتها وأحداثها إلى السينما، معتبراً أن سبب هذا التنافر ليس المخرج أو المنتج السينمائي، بل العمل الأدبي نفسه، الذي يُكتب من دون مراعاةٍ للقالب السينمائي الفني.
ويضيف المخرج السينمائي أنه لم يجد مشكلة في تحويل رواية "جارات أبي موسى" من الورق إلى الصُور، لأنها "تحمل في طياتها بذور العمل الفني والسينمائي"، مشيراً إلى أنه لا يمانع في الاشتغال على روايات وتحويلها إلى السينما، "شرط أن تكون صالحة لذلك".
من جهته، يحدّد مصطفى لغتيري العوامل التي تخلق مشكلة محدودية اقتباس السينما المغربية لروايات الكتاب المغاربة، بالقول إن أبرزها كامنٌ في "التكوين الفرنكوفوني" لغالبية المخرجين المغاربة، ما يجعل اطّلاعهم على الروايات المغربية المكتوبة باللغة العربية "محدوداً جداً"، فضلاً عن ظاهرة "المخرج المنتج الممثل الكاتب".
وأشار الأديب إلى عاملٍ آخر، يتمثّل في تأثّر الرواية المغربية، في إحدى مراحلها، بالرواية الفرنسية الجديدة، ما يؤدّي إلى "اهتمام مفرط باللغة الشعرية، وإهمال البعد الحكائي، الذي يهمّ السينمائيين أكثر من غيره"، مضيفاً عاملاً آخر هو "إهمال الروايات الجديدة، بدءاً من تسعينيات القرن الماضي، التي تتصالح مع البعد الحكائي، وتنتج بالتالي نصوصاً قابلة للاقتباس السينمائيّ".
ولفت لغتيري إلى "التوجّس وسوء الفهم، اللذين يحكمان العلاقة بين المخرجين والأدباء، بسبب الأحكام المسبقة، وتأثير بعض التجارب السيئة، التي يشتكي فيها الأدباء من السطو على حقوقهم المادية والمعنوية، فيما يشتكي المخرجون من عدم مرونة الأدباء، حين يضطرون إلى إجراء تغييرات على النصوص الروائية، حتى تصبح قابلة للاشتغال عليها سينمائياً".
ولم يفت صاحب رواية "أسلاك شائكة"، الذي اشتكى من هضم حقوقه من طرف مخرج سينمائي حوّل روايته إلى فيلم بعنوان "الوشاح الأحمر"، أن يسجّل "عدم تدخّل الهيئات المختصة لحماية الكاتب من جشع بعض المخرجين، وتنظيم العلاقة بين الطرفين بشكل واضح، يضمن لكلّ منهما حقوقه".
____________
تبادلات قليلة
من الأعمال الأدبية المغربية القليلة التي تحوّلت إلى أفلام، هناك قصة أحمد زيادي "بامو"، للمخرج إدريس لمريني. وفيلم "صلاة الغائب" لحميد بناني، ورواية "الغرفة السوداء" للطاهر بنجلون، التي أصبحت فيلماً بالعنوان نفسه للمخرج حسن بنجلون. و"جناح الهوى" لعبد الحي العراقي، عن رواية "قطع مختارة" لمحمد ندالي، و"جارات أبي موسى" لمحمد عبد الرحمن التازي (الصورة)، عن رواية وزير الأوقاف الحالي أحمد التوفيق، و"بولنوار" لحميد الزوغي عن رواية لعثمان أشقرا.