في تعليل الشاعر اللبناني أخذه اللقب، أنه كان معجباً بخفة روح الشاعر الأموي الأخطل التغلبي وإبداعه في اصطياد المعاني التي يقودها بسلاسة إلى فصيح مبانيه، ووراء ذلك كان يسحتضر نموذج الشاعر العربي المسيحي المعتدّ بعروبته ونسبه وفصاحته كان يفرض حزب الاتحاد والترقي التتريك على العرب.
لكن الأهم من هذا وذاك، تكمن رغبة الخوري وإصراره على إحياء عمود الشعر العربي بعد ما سمي بـ"فترة الانحطاط" التي دامت أكثر من خمسة قرون، وتشارك ذلك الهمّ مع عدد من الشعراء الذين قدّموا اجتهادات متعدّدة، مؤمنين بضرورة هذه الاستعادة التي من دونها ستقطع جذور ثقافتنا العربية.
لا تحمل هذه القراءة مبالغة أو شططاً، فربما لا يعلم كثيرون أن معظم تلك الاجتهادات اعتمدت على دافع فردي لدى شخصيات كانت جزءاً أو على تماس مباشر مع توجّهات سياسية تسعى إلى التحرّر والنهضة، وساهمت في خلق عمق ثقافي لتلك التوجهات كما حال معروف الرصافي ومحمد مهدي الجواهري وعمر أبو ريشة وغيرهم.
يحضر الأخطل الصغير كنموذج بارز في هذا السياق، فرغم أنه بدا حياته صحافياً مجدّاً وأسّس جريدته "البرق" عام 1908، التي واصلت الصدر حتى أغلقها الاستعمار الفرنسي سنة 1933، إلا أن غايته وأسمى أمانيه كانت أن يصبح شاعراً، ويروى عنه أن التحق بحلقة الشيخ إسكندر العازار الأدبية في بدايات حياته ولم يلتفت أحد إلى قصائده لسنين، حتى جاء يوم وألقى قصيدة مطلعها: "عشت فالعب بشعرها يا نسيم/ واضحكي في خدودها يا نجوم"، فقال الشيخ: ظلّ بشارة يهذي حتى نطق بالشعر أخيراً".
منذ تلك الواقعة صار للحياة طعم آخر، وأن البعد الرومانسي لقصيدته وبحثه الدؤوب عن مفردات من قاموس عصره بعفوية وعذوبة، يجب أن يتجاور مع الالتزام الفكري والاجتماعي والجمالي، وهو هاجس تعاظم لدى معظم كتّاب جيله مع خروج البلدان العربية من حكم العثمانيين إلى استعمار أوروبي.
يقول في قصيدة "يا جهاداً صفّق المجد له": يا فلسطين التي كدنا لما/ كابدته من أسىً ننسى أسانا/ نحن يا أختُ على العهد الذي/ قد رضعناه من المهد كِلانا.
جمعته صداقة خاصة بأحمد شوقي الذي كان حريصاً على حضور الخوري في مصر، وذهب في سبيل ذلك أن يطلب من محمد عبد الوهاب أن يلّحن قصيدته "الهوى والشباب" في جلسة جمعتهما مع الرئيس اللبناني الراحل شارل دباس، والتي قادت إلى تلحين قصائد أخرى مثل "جفنه علّم الغزل"، و"يا ورد مين يشتريك"، و"الصبا والجمال".
وعلى ذكر أمير الشعراء، تجدر الإشارة إلى أن الأخطل الصغير قد أقيم له احتفالية مماثلة لتلك التي أقيمت لأحمد شوقي عام 1927 لمبايعته أميراً، وحدث ذلك سنة 1961 حيث حصل على اللقب ذاته، وقال حينها عدّة أبيات هي: اليوم أصبحت لا شمسي ولا قمري/ من ذا يغني على عود بلا وتر/ ما للقوافي إذا جاذبتها نفرت/ رعت شبابي وخانتني على كبر/ كأنها ما ارتوت من مدمعي ودمي/ ولا غنتها ليالي الوجد والسمر.
قد لا يكون للقب أهمية خاصة خارجاً عن سياقه التاريخي والثقافي، حين كان همّ شوقي وبشارة أن يكتبا شعراً بعد طول أزمات ومحن عاشتها المجتمعات العربية، وكانت القصيدة بالنسبة إليهما رمز النهضة المنشودة.