الأحزاب الأردنية.. "ديكورات سياسية" أم تطور نحو مجتمع مدني؟

20 أكتوبر 2014

الشرطة الأردنية تؤمن مبنى البرلمان لمرور تظاهرة قبالته (24مارس/2014/الأناضول)

+ الخط -

على الرغم من مرور 22 عاماً على إقرار أول قانون للأحزاب في الأردن، ووجود 34 حزباً عاملاً حالياً، إلا أن هذه الأحزاب ظلت تتهم الحكومات المتعاقبة بـ"تهميشها"، والتعامل معها بـ"خلفيات أمنية"، فيما تنفي السلطات ذلك كله، وتؤكد سعيها الدائم إلى "تطوير العمل الحزبي، وتوسيع حدوده". ويستحضر حزبيون انتقادات حادة وهزلية، تعرضوا لها من دوائر صنع القرار الأردنية، وفتوراً في تعامل دوائر السلطة التنفيذية معها، وأحيانا "تخويفاً" غير مرئي منها.

الواضح، حالياً، أن الأحزاب الأردنية، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، لم تستطع حجز مكان متقدم لها في المشهد السياسي، واقتصر دورها على حضورٍ ثانويٍّ، تكميلي وديكوري، لعملية إصلاح سياسي، يتحدث عنها النظام الأردني.

ومع دخول التجربة الحزبية (المقوننة) في الأردن عمر الشباب، 22 عاماً، إلا أنه يمكن القول إن "حزب العشيرة!"، غير المنظم، ما زال الحزب الأكبر والأكثر تأثيرا في الساحة السياسية الأردنية، ما يعني أن فكرة الدولة المدنية ما زالت بعيدة عن المشهد الأردني.

والواضح أن فكرة وجود أحزاب في المشهد السياسي الأردني جعلها عرضة لانتقاداتٍ، وصلت إلى حد الاستهزاء أحياناً، من تيارات شدٍّ عكسي، ورجال دولة محافظين، وأحيانا من حكوميين ورسميين، كان أشدها من وزير الداخلية الأسبق، نذير رشيد (مدير مخابرات أسبق)، وهو في موقعه وزيراً، عندما سئل عن دور الأحزاب في المشهد السياسي في بلاده، فقال: "الأحزاب لا يزيد عددها مع مناصريها عن حمولة بكب اب". وقد دل هذا الأمر على عدم تقبل دوائر أمنية أردنية وجود أحزاب سياسية، لها برامجها، ولها الحق القانوني في الاجتماع، وإصدار البيانات، وليس مسموحاً عدم ملاحقة أعضائها.

هذا لا يعني أن كل المشهد الحكومي الأردني على قلب رجل واحد، فهناك تيارات في دوائر صنع القرار، دفع بعضها باتجاه تقوية الأحزاب، ومنحها مزيداً من الحرية والعمل بين الناس، عبر عنه وزراء في حكومات سابقة، وموجودون في الحكومة الحالية، بيد أن الأحزاب تعتقد أن الرؤية الأمنية المحافظة هي التي تسيطر على عقل صانع القرار الأردني في الشأن الحزبي.

بين المشهدين، برز، في أوقات مختلفة في خضم الربيع العربي، (دلالٌ) لأحزاب بعينها من النظام السياسي، تجلى عندما أعلنت أحزاب إسلامية وقومية ويسارية مقاطعتها الانتخابات النيابية الماضية (2013)، وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي، فدللت السلطة أحزاباً أعلنت مشاركتها في الانتخابات، ومنحتها مساحات في وسائل إعلام مملوكة للحكومة، ووضعتها على واجهات برامج التلفزيون الرسمي، وهو أمر لم يكن قائماً، في أوقات سابقة، وتراجع لاحقاً، مع تراجع الربيع العربي.

ولكن، لم يصل الدلال الحكومي (المؤقت) إلى حد اقتناع العقل السياسي الأردني بإقرار قائمة حزبية ضمن قانون الانتخاب الذي جرت بموجبه انتخابات 2013، فبقيت الأحزاب كتلاً سياسية بعيدة عن قبة التشريع، وبقي قانون الانتخاب يقوم على أساس فردي غير كتلوي، وتواصل منح دور أكبر وأوسع للعشيرة، على حساب القوة الحزبية المنظمة، لتبقى العشيرة التي تمثل الروابط القبلية الأهم والأكبر والأقوى في النظام السياسي الأردني، فنسبة المرشحين لأي انتخابات بلدية أو نيابية أو حتى طلابية على أساس عشائري وقبلي، يمثلون الغالبية الساحقة في كل انتخابات. ولا ينكر الأردنيون الدور السياسي الذي تلعبه العشائر في مجالات شتى، إذ سبق لرئيس الوزراء الأسبق، فيصل الفايز، أن قال: "العشيرة هي المؤسسة الأهم في بناء المجتمع الأردني، خصوصا في ظل غياب الحياة الحزبية الحقيقية".

وتعيد أحزاب إسلامية ويسارية، وحتى وسطية، مسؤولية الفجوة التي تعاني منها، وعدم قدرتها على لعب دور في المجتمع، إلى نظام الصوت الواحد المعمول به في قانون الانتخابات، وترى تلك الأحزاب، بكل تلاوينها، أن (الصوت الواحد) مكّن العشائر في الأردن من الاستحواذ على العدد الأكبر من مقاعد مجلس النواب السابع عشر، ومجالس سابقة.

وكانت القوة العشائرية، منذ التحول الديمقراطي في الأردن عام 1989، النتيجة التقليدية والمتوقعة، وهذا ما كان ملموساً في كل انتخابات نيابية، أو بلدية، جرت بعد 1989، مع اختلافات طفيفة في الأعداد والنسب.

في مقابل هذا المشهد، وبعيداً عن الكلام عن "التهميش" الحكومي، فإن الخطاب السياسي والفكري والتنظيمي للأحزاب ما زال بعيداً عن استيعاب الواقع الحالي، ولم تقدم تلك الأحزاب محاكاة حقيقية لواقع جديد، ولم تطرح أفكاراً انتقالية، وبرامج عمل يمكن البناء عليها. وينطبق هذا الحال على الأحزاب جميعاً، بما فيها جبهة العمل الإسلامي التي تتعرض، حالياً، لهزة داخلية عميقة، نتج عنها بروز مجموعة قيادية أطلقت على نفسها "زمزم" (نسبة إلى فندق عقدوا فيه اجتماعهم الأول). ودعا هؤلاء دعوا إلى إطار فكري مختلف عن القائم حالياً، فبرز من بين الجماعة من أيد هذا الطرح، وفريق آخر اعتبره خروجاً عن أفكار الجماعة، وذهاباً باتجاه تهميش وحدتها.

بحسب قراءة تاريخية، فإنه باستثناء انتخابات عام 1989، والتي شهدت ولوج قيادات حزبية من مشارب متعددة قبة البرلمان الأردني، للمرة الأولى بعد مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي، فإن الحضور الحزبي تحت قبة التشريع ظل محدوداً، واحتكره حزب جبهة العمل الإسلامي في المرات التي شارك فيها بالانتخابات، بينما كان نصيب أحزاب أخرى قومية ويسارية ووسطية حضوراً متدنياً، فبعضهم اكتفى بإيصال نائب واحد، وبعضهم فشل في إيصال أحد. وفي مجلس النواب الأردني الحالي، لا يتعدى وجود الأحزاب عدد أصابع اليدين من أصل 150 نائباً، وكانت حصة حزب الوسط الإسلامي الأكبر (3 نواب)، بيد أن الحزب تعرض لانقسامات لاحقة، أثرت عليه في البرلمان، كما حصلت أحزاب الاتحاد الوطني، الرسالة، العمل الوطني، التيار الوطني، والجبهة الموحدة، على مقعد واحد. ويمكن ملاحظة أن أحزاباً سياسية لم تعلن عن أسماء مرشحين آخرين، بعد أن علمت أن العشيرة التي ينتمي إليها عضو الحزب، ترشح باسم العشيرة، فتخوفت من تأثير إعلانها على دعم عشيرته له.

وقد استدعى هذا الواقع نقداً من وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، الدكتور خالد الكلالدة، وهو يساري سابق، لأداء الاحزاب، وقال إنها "لم تطوّر خطابها، ولم تمارس الديمقراطية داخل صفوفها، بحيث أصبح بعضها يتماهى مع قياداته فقط (....)، لم تستطع التأثير على عنصر الشباب الذين يشكلون النسبة الأكبر من مواطني الأردن".

وفي السياق، كشفت دراسة على عينة من 1620 مواطناً أردنياً موزعين في مختلف أنحاء المملكة أن 70% من الأردنيين لا يعرفون الأحزاب، وأجاب 75% أنهم لا يعرفون الأحزاب؛ لعدم اهتمامهم بها. وبينت الدراسة أن ما نسبته 29.4% فقط من المواطنين الأردنيين لديهم معلومات عن الأحزاب في بلدهم، وأن مصادر هذه المعلومات اعتمد، بشكل أكبر على الإعلام والمقالات والأخبار، كما تظهر النتائج أن ما نسبته 38.8% من المواطنين أورد أن لا شيء يمكن أن يقنعه بالانضمام لحزب سياسي.

قانونياً، عملت الأحزاب الأردنية، ومنذ التحول الديمقراطي، من خلال ثلاثة قوانين، وأنجزت الحكومة الحالية مشروع قانون جديد، وأرسلته إلى مجلس النواب المتوقع أن يناقشه ويقره في دورته الثانية التي تبدأ في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وكان قانون الأحزاب الأول قد صدر في عام 1992، وظل نافذاً حتى صدور القانون الذي تلاه في 2007، ثم صدر القانون الثالث عام 2012، والذي تعرّض، كما سابقيه، لانتقاداتٍ من مؤسسات مجتمع مدني وأحزاب قائمة، وخصوصاً فيما يتعلق بعدد المؤسسين وتوزيعهم على خمس محافظات، حيث يشترط القانون وجود 500 مؤسس لترخيص الحزب، وأن يكون المؤسسون ممثلين لخمس محافظات من أصل 12 محافظة في المملكة، ويقدم القانون دعماً مادياً للأحزاب من خزينة الدولة، بمقدار 50 ألف دينار سنوياً.

وفق ما ورد في قانون الأحزاب المعمول به، فإن الحزب هو "كل تنظيم سياسي مؤلف من جماعة من الأردنيين يؤسس وفقاً لأحكام الدستور وهذا القانون، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، وتحقيق أهداف محددة، تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعمل بوسائل مشروعة وسلمية". ويرى المعارضون للقانون الحالي أن هذا التعريف استبعد فقرة "المشاركة في الحكم"، أو "الوصول إلى السلطة" التي، عادةً، ما يجري تعريف الحزب السياسي بها.

ويرى الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الأردني، سعيد ذياب، في قانون الأحزاب النافذ بأنه "جسد الرؤية الأمنية بالتعامل مع الأحزاب، سواء لجهة مرجعية الأحزاب، أو عدد المؤسسين، أو العقوبات المنصوص عليها، (....) قانون الانتخاب تم تصميمه لخدمة الفرد المتنفذ، سواء في العشيرة أو الدولة، وصمم لضرب فكرة المؤسسة، أي (الحزب)، ما أدى إلى قطع الطريق على الوجود الحزبي في البرلمان".

وعلى الرغم من انتقادات ذياب للحكومات الأردنية المتعاقبة، باعتبارها تعمل لـ"تقييد العمل الحزبي"، إلا أنه يقر بوجود عامل ذاتي، مرتبط بالأحزاب نفسها، يؤثر على دورها ومكانتها، وهذا، بحسبه، مسألة ترتبط بعدم قدرة الأحزاب على ترجمة رؤيتها السياسية، وتحويلها إلى واقع ملموس، إضافة إلى عجزها عن قراءة الواقع بشكل علمي وتحليله والانطلاق من هذه الرؤية نحو التغيير.

ويشير إلى وجود ظواهر أخرى، تتمثل بما طرحته التحولات الدولية الأخيرة، سواء لجهة انهيار المنظومة الاشتراكية، أو ظاهرة العولمة، لافتاً إلى أن تلك الظاهرة فرضت تحديات كثيرة على الأحزاب، من خلال انتشار الثقافة الاستهلاكية، والمبالغة بدور الفرد على حساب المجتمع، الأمر الذي أوجد ظواهر ترفض العمل الجماعي المنظم، ذي الطابع الشامل، واقتصار الفعل على قضايا أحادية الطابع، والعداء للأيديولوجيا، وقد فرض هذا الأمر على الأحزاب تعديل أنظمتها الداخلية، بحيث تعزز الجانب الديمقراطي على حساب المركزية.

وترفض الحكومة الأردنية القول بعدم جديتها في رعاية العمل الحزبي وتطويره، وفي هذا، يقول وزير التنمية السياسية والبرلمانية، خالد الكلالدة، الذي بشر بمشروع قانون جديد للأحزاب يكون متطوراً عن السابق، ويأخذ بالحسبان كل الأفكار الناقدة للقانون النافذ، يقول إن أبرز مميزات مشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 2014، تقليص عدد المؤسسين من 500  إلى 150 شخصاً. وأفاد بأن مشروع القانون خفّض عمر المؤسسين من 25 إلى 18 عاماً، كما خفض شروط التمويل، وألغى شرط الإقامة في الوطن، وأتبع الأحزاب لوزارة العدل، بدلاً من وزارة الداخلية، أو الشؤون السياسية. وقال إن "الحكومة تأخذ في الاعتبار رأي الحزبيين في قانونهم، وتسعى، دوماً، إلى التطوير، ولا تقيد العمل الحزبي إطلاقا".

خلاصة القول، إن الأحزاب السياسية الأردنية المرخصة، يسارية وقومية ووسطية وإسلامية، يمكنها الحصول على دعم حكومي بمقدار 50 ألف دينار سنوي، إلا أن ذلك لم ينفع، حتى الآن، في النهوض بالعمل الحزبي بشكل عام. وإذا استثنينا حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، فإن الأحزاب الأخرى، بكل تلاوينها، تعاني من اغتراب عن القواعد الشعبية، سببها، أحياناً، خارجي، تلعب فيه دوائر صنع القرار، وأحياناً أخرى، سببه ذاتي من خلال اغتراب البرامج الحزبية عن الواقع، وعدم قدرتها في تقديم حلول للشباب والمرأة والطالب، والمعلم والموظف، وجمهور الناس، تقنعهم بالانضمام للأحزاب.

27F02F21-AD59-48A1-AD97-57A23C585A0A
جهاد منسي

صحفي أردني، محلل سياسي، تتركز كتاباته على الجوانب السياسية والحزبية والبرلمانية، والحريات العامة وحقوق الإنسان، والمراة والدفاع عن الدولة المدنية.