يستيقظ سيد علي (52 سنة) باكرا. يجر عربته القديمة نحو أحد أحياء قلب العاصمة الجزائر، ينادي بأعلى صوته: "قش قديم". يدوي صوته في صباحات العاصمة الربيعية الهادئة.
يقول سيد علي، لـ"العربي الجديد": "كل يوم وبركته، أكسب قوتي من شراء الأثاث القديم، وخصوصا الخزائن والثلاجات والغسالات وغيرها من الأشياء التي يبيعها سكان الأحياء الجديدة، لافتا إلى أن سكان الأحياء السكنية الجديدة كثيرا ما يبيعون القديم لشراء الجديد، حسب تجربته.
قضى البائع الجوال سنوات تسعا يشتري الأثاث من الزبائن من مختلف المناطق، ويعيد بيعه إلى محلات بيع الأثاث القديم بمنطقة "رويسو" بوسط العاصمة الجزائر، أو ما يطلق عليها دكاكين "وادي كنيس" التي صارت مشهورة ببيع مختلف أنواع الأثاث القديم بأسعار منخفضة.
لا يتحرج كثيرون من الاعتراف بلجوئهم إلى تأثيث بيوتهم من محلات "رويسو"، فالأمر يرجع إلى العوز وقلة المال، يقول محمد (39 سنة)، إن زواجه تعطل لخمس سنوات بسبب أزمة السكن فاضطر إلى شراء مسكن من غرفتين بحي "درقانة" وشراء الأثاث القديم بأسعار منخفضة حتى يرزق بسكن جديد.
ويضيف لـ"العربي الجديد": "في البداية كنت أطمح لشراء كل شيء جديد لتأثيث البيت عند الزواج، لكن تكاليف العرس والحفلة وكراء البيت لمدة سنتين كلفتني الكثير، فاضطررت لشراء بعض الأغراض القديمة بأسعار منخفضة. عندما أنتقل إلى مسكن جديد ربما يمكنني شراء كل شيء جديد".
وتضطر الظروف المادية غالبا الكثيرين إلى شراء الأثاث القديم، خصوصا الثلاجة أو الغسالة أو حتى طاولة الطعام، وغيرها من الأغراض الضرورية، والأهم من ذلك أنها صالحة إلى حين تعدل الحال.
تقول السيدة سكينة لـ"العربي الجديد"، إنها أم لخمسة أطفال، وهمها الوحيد تعليم أبنائها وضمان مأكلهم ومشربهم في ظل أجرة زوجها المتوسطة، وتعلل لجوءها إلى الأثاث القديم بأنها لا تأبه بأثاث البيت بقدر الاهتمام بتعليم الأبناء.
اللافت أن محلات بيع الأثاث القديم انتشرت في شتى المناطق الجزائرية، وخصوصا الولايات الكبرى بعد ما كانت مقتصرة على العاصمة، حيث يراها البعض تجارة مربحة في ظل تدني دخل الفرد وانخفاض القدرة الشرائية للأسر، مع ارتفاع أسعار الأثاث.
وكما تضطر بعض العائلات إلى شراء أثاث قديم، هناك عائلات في الجزائر اضطرتها الظروف إلى بيع بعض الأثاث من أجل مواصلة العيش أو دفع ديون متراكمة، أو العلاج، أو حتى دفع قسط سكن جديد ينتظره منذ سنين.
كثيرة هي حكايات الناس في الجزائر مع الأثاث القديم، فهناك من يروقهم شراء مائدة من الحطب أو صالون من الجلد أو مزهرية قديمة، لكن الغالبية يعتبرون شراء الأثاث القديم خطوة يقدم عليها من لا تيسر له حالته المادية شراء الجديد، وخاصة في بداية تأسيس بيت الزوجية، أما بالنسبة للأسر الفقيرة فتأثيث البيت بالأغراض القديمة لا مفر منه.