الأتراك يستهلكون مضادات الاكتئاب من دون اكتئاب

08 ديسمبر 2015
مضادات الاكتئاب تلازم الأتراك (فرانس برس)
+ الخط -

يزداد اللجوء إلى مضادات الاكتئاب في تركيا مثلها مثل باقي دول العالم، ولو بوتيرة أعلى. فبينما ترتفع نسبة استهلاك تلك العقاقير في بريطانيا بمعدل 10 في المائة سنوياً، وفي كلّ من ألمانيا وكندا بنسبة 13 في المائة سنوياً، تشهد تركيا ارتفاعاً سنوياً بنسبة 56 في المائة في الأعوام الخمسة الأخيرة. وهو ما يؤدي إلى وصول حجم هذه الصناعة إلى 12 مليار دولار سنوياً، خصوصاً أنّ مضادات الاكتئاب تصرف من دون وصفة طبية.

يقول وزير الصحة التركية محمد مزين أوغلو إنّ عدد من استخدموا مضادات الاكتئاب في البلاد عام 2014 وحده، وصل إلى 8 ملايين و197 ألف شخص، كان فيهم تعداد النساء ضعفي عدد الرجال. واحتلت فيها مدينة إسكيشهر الصناعية (غرب البلاد) رأس قائمة الولايات في نسبة استخدام سكانها لمضادات الاكتئاب، بينما كانت مدينة بيلجيك السياحية (غرب البلاد) في ذيل القائمة.
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنّ الرجال في عمر متقدم (51- 65 عاماً) يستخدمون مضادات الاكتئاب، بينما تستخدمها النساء في عمر متوسط (36- 50 عاماً).

من جهتهم، يعتبر الأطباء النفسيون الأتراك أنّ هذه الإحصاءات لا تعني بالضرورة أنّ الأتراك مكتئبون، فلهذه الأدوية استخدامات عديدة نفسية وعصبية، حتى أنّ منها ما يستخدم لعلاج الإدمان على المخدرات والسمنة. ولا تكمن المشكلة في نسبة المواطنين الذين يستخدمون مضادات الاكتئاب، بل في بيع هذه الأدوية من دون وصفة طبية بحسب القوانين التركية. وهو ما يجعل المريض يستخدمها من دون أي رقابة طبية، وقد يستمر في ذلك لفترات طويلة، ما يدخله في مضاعفات تشكل في كثير الأحيان سبباً إضافياً لإدخاله في مراحل متقدمة من الاكتئاب.

يقول الطبيب النفسي أغاه أيدن إنّ الشعور بالوحدة هو من أهم أسباب الاكتئاب في المجتمع التركي، بالإضافة إلى الفقر: "المجتمعات التي تتجه نحو الاقتصادات الصناعية يبدو الشعور بالوحدة أمراً ملازماً لها، وبالذات في المدن الكبيرة كإسطنبول وإزمير وأنقرة. بالإضافة إلى ذلك يمكننا وضع التوتر والمنافسة وضغط العمل والحياة اليومية من بين هذه الأسباب. وعلى الرغم من التحسن الواضح في الاقتصاد التركي لكن يبقى الفقر منتشراً في المجتمع وبالذات في الأرياف، ما يعتبر سبباً رئيسياً آخر".

وعن سبب ارتفاع نسبة استخدام مضادات الاكتئاب بين النساء بالضعفين عن الرجال، يقول أيدن: "بالإضافة إلى التغييرات الهرمونية والاضطرابات النفسية التي تعاني منها المرأة خلال الدورة الشهرية وأيضا خلال الحمل والولادة وسن اليأس، فإنّ المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتق المرأة العاملة في المدن، والضغوطات بين المنزل والعمل، تجعلها أكثر عرضة للاكتئاب. لذلك تزداد نسبة الاكتئاب عند المرأة المتزوجة بينما يزداد الاكتئاب عن الرجال بعد الطلاق".
يؤكد أيدن أنّ "علينا أن نفرق بشكل واضح بين المجتمع التركي ومجتمعات أخرى تعاني من الاكتئاب، فنحن تقريباً ليس لدينا أي خدمة صحية نفسية. وفي تركيا كلها لا يتجاوز تعداد الأطباء النفسيين 2200 طبيب، من بينهم فقط 1600 طبيب يعملون في مستشفيات الدولة، وهو عدد ضئيل مقارنة بعدد المرضى والمستشفيات. لذلك يلجأ عدد كبير من الأتراك إلى استخدام تلك العقاقير من دون تشخيص طبي". يتابع: "كذلك، لا يتمكن الطبيب العامل في مستشفيات الدولة من منح كلّ مريض أكثر من خمس دقائق، فأيّ علاقة ستبنى بين الطبيب والمريض خلال هذه المدة القصيرة؟ لذلك يلجأ الأطباء بشكل متصاعد إلى وصف هذه الأدوية ويهملون البدائل الأخرى".

أما بخصوص ازدياد استخدام هذه المضادات بشكل عام في تركيا، فيقول أيدن: "معظم الحالات لا تستخدمها بناء على وصفة طبية، بل بناء على توصية أحد أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء، حتى أنّ البعض لا يكون لديهم اكتئاب، بل مشاكل عادية يمكن حلها عبر النظر إلى أسبابها الحقيقية". ويضيف: "إذا أوقفنا بيع هذه الأدوية لعدم وجود وصفة طبية، تدنى استهلاكها بأكثر من 90 في المائة، وتجنبنا الكثير من الأعراض الجانبية التي تتراوح ما بين السمنة وفقدان الانتصاب، وضعف الرغبة الجنسية، وصولاً إلى حدّ الإدمان".

في المقابل، يعترض الطبيب النفسي قادر غوك: "أهم أسباب ارتفاع معدل استهلاك مضادات الاكتئاب هو تحسن وضع الضمان الصحي في تركيا، فبات الوصول إلى المستشفيات والأطباء أكثر سهولة بالنسبة لطبقة واسعة من المجتمع التركي. كما لم تعد فكرة زيارة الطبيب النفسي تعتبر عيباً أو عاراً اجتماعياً يحاول الناس تجنبه ما أمكن. وبالتالي لم تعد حالات الاكتئاب مخفية".

اقرأ أيضاً: الرجل لا يكتئب!
المساهمون