تحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة مائية للموت، في أعماقه تدفن الأحلام الصغيرة والمشاريع المؤجلة والرغبات في الوصول إلى زوج ينتظر أو عائلة تترقب، حيث الإدورادو الأوروبي يمكن اللحاق بالسعادة المجنحة في خيال العرب الجماعي أو بوهمها.
من أفريقيا وعسكرها يهرب مغاربيون ومن جنوب الصحراء، ومن مقبرة الشام وجوارها ترتحل مدن، بحثا عن نافذة صغيرة للأمل. وأما الفلسطينيون فقد جربوا المغتربات والبحار والمطارات والبراري، خروجا في انتظار العودة.
وفي الأثناء، تتحول أوروبا إلى جحيم آخر، ويصبح الوطن جنة. وأما هذا المتوسط اليانع، مهد الحروب والحضارات، صانع الأمل، فقد تحول إلى زعانف بشربة منذ أكثر من عشرين سنة، حين أدت سياسات الهجرة الأوروبية المتشددة إلى إغلاق جنوب المتوسط، وتحويله إلى سجن كبير ترتع فيه الديكتاتوريات المحروسة بالمصالح ولوبيات الضغط والشركات العابرة للقارات.
فمن قوارب الموت، التي نشطت في تسعينيات القرن الماضي بين طنجة وإسبانيا، وما تلى ذلك من دراما بشرية، وصولا إلى السواحل التونسية والليبية، بعد ظهور تلك السفن الكبيرة التي تنقل في جوفها شعوبا وقبائل، أصبح الموت جملة لا تقسيطا، وصار مشهد الجثث الشابة الطافية أقرب للخيال منه إلى الواقع، وللمسخ منه إلى ما تتغنى به أوروبا من شعارات الحرية والمساواة وحق الإنسان في الحياة.
لن تكون ضفتا المتوسط ساحة للحوار، ما لم يجر تحرير مياه البحر الأبيض، بسياسات لا يعزب أبدا عن بالها أن الجغرافيا قدر لا سبيل لتجاوزه، وأننا هنا في ضفتي المتوسط، قدرنا أن تعيش معا أو نموت معا.
لا سبيل للجدران المائية، لأنها ملاذنا الأخير، حين تتخلى عنا الجارة أوروبا، أو تدعم أنظمة فاسدة وتساعد على إبقائها وإطالة أمد حياتها، أو لما لا ترى فينا إلا خيرات تغنمها شركاتها.
فنحن هنا، كلما ضاقت خياراتنا، وأرغمنا على الخضوع، وكلما كبر يأسنا، وأهنّا في كرامتنا، سنرتمي في بحرنا المتوسط.
وسنرتمي، قبائل وشعوبا، حتى يفر منا الماء، وحتى ترتطم اليابسة ببعضها. إنه قدرنا الجغرافي، نعيشه جميعا، أو يطوينا موج المتوسط، ذات ليل حضاري بهيم، سيبقى وصمة عار في الضمير الحي لأوروبا.
من أفريقيا وعسكرها يهرب مغاربيون ومن جنوب الصحراء، ومن مقبرة الشام وجوارها ترتحل مدن، بحثا عن نافذة صغيرة للأمل. وأما الفلسطينيون فقد جربوا المغتربات والبحار والمطارات والبراري، خروجا في انتظار العودة.
وفي الأثناء، تتحول أوروبا إلى جحيم آخر، ويصبح الوطن جنة. وأما هذا المتوسط اليانع، مهد الحروب والحضارات، صانع الأمل، فقد تحول إلى زعانف بشربة منذ أكثر من عشرين سنة، حين أدت سياسات الهجرة الأوروبية المتشددة إلى إغلاق جنوب المتوسط، وتحويله إلى سجن كبير ترتع فيه الديكتاتوريات المحروسة بالمصالح ولوبيات الضغط والشركات العابرة للقارات.
فمن قوارب الموت، التي نشطت في تسعينيات القرن الماضي بين طنجة وإسبانيا، وما تلى ذلك من دراما بشرية، وصولا إلى السواحل التونسية والليبية، بعد ظهور تلك السفن الكبيرة التي تنقل في جوفها شعوبا وقبائل، أصبح الموت جملة لا تقسيطا، وصار مشهد الجثث الشابة الطافية أقرب للخيال منه إلى الواقع، وللمسخ منه إلى ما تتغنى به أوروبا من شعارات الحرية والمساواة وحق الإنسان في الحياة.
لن تكون ضفتا المتوسط ساحة للحوار، ما لم يجر تحرير مياه البحر الأبيض، بسياسات لا يعزب أبدا عن بالها أن الجغرافيا قدر لا سبيل لتجاوزه، وأننا هنا في ضفتي المتوسط، قدرنا أن تعيش معا أو نموت معا.
لا سبيل للجدران المائية، لأنها ملاذنا الأخير، حين تتخلى عنا الجارة أوروبا، أو تدعم أنظمة فاسدة وتساعد على إبقائها وإطالة أمد حياتها، أو لما لا ترى فينا إلا خيرات تغنمها شركاتها.
فنحن هنا، كلما ضاقت خياراتنا، وأرغمنا على الخضوع، وكلما كبر يأسنا، وأهنّا في كرامتنا، سنرتمي في بحرنا المتوسط.
وسنرتمي، قبائل وشعوبا، حتى يفر منا الماء، وحتى ترتطم اليابسة ببعضها. إنه قدرنا الجغرافي، نعيشه جميعا، أو يطوينا موج المتوسط، ذات ليل حضاري بهيم، سيبقى وصمة عار في الضمير الحي لأوروبا.