الأبعاد الاقتصادية للتنازل عن تيران وصنافير

29 يونيو 2017
في تحرك ضد التنازل عن تيران وصنافير (Getty)
+ الخط -
شكلت الظروف الاقتصادية عاملاً أساسياً إلى جانب عوامل أخرى في إقدام مصر على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية والتي بمقتضاها تتنازل مصر عن جزيرتي تيران (80 كيلومتراً مربعاً) وصنافير( 33 كيلومتراً مربعاً) الواقعتين في البحر الأحمر. 

وقد طرحت الآراء المؤيدة في جانب منها المكاسب الاقتصادية للاتفاقية في محاولة لتمريرها، ومثل هذا الخطاب دليل إدانة للنظام، وبالتالي أتى بنتائج عكسية. إذ صور أن الاتفاقية ستضمن استمرار الدعم السعودي المتمثل في المساعدات البترولية والمنح والقروض الميسرة وتدفق الاستثمارات مقابل تنازل مصر عن الجزيرتين.

كما تكشف للرأي العام أن الاتفاقية خطوة في اتجاه إعادة ترتيب التحالفات والعلاقات الإقليمية بما يسهل دخول إسرائيل في علاقات أكبر مع الدول العربية، بحكم أن الاتفاقية تفتح المجال الملاحي لإسرائيل في البحر الأحمر بحريّة. مما يحقق لها مصالح اقتصادية وسياسية، تؤهلها في بناء علاقات اقتصادية أوسع تسهل اندماجها في المنطقة، بوصف أن العلاقات الاقتصادية معبر يدعم العلاقات السياسية. وهناك مؤشرات تدعم ذلك الأمر منها ما تردد مؤخرا عن إجراء مباحثات تعاون تجاري إسرائيلي سعودي، وما أعلن عن اتفاق تسوية عربية مع إسرائيل ترعاه مصر والسعودية.

أداة المكاسب الاقتصادية

واستخدمت أزمة الاقتصاد إلى جانب المكاسب الاقتصادية كأداة للترويج للاتفاقية وتمريرها أثناء مناقشة مجلس النواب لها، حيث أعلنت قيادات من كتلة "دعم مصر" الداعمة للرئيس عبد الفتاح السيسي أن الاتفاقية ستحقق مكاسب ضخمة في حال إقرارها، وهذا سيساهم في حل أزمة الاقتصاد، وأنه لا يمكن التراجع عنها، سواء بصدور حكم قضائي قضى ببطلانه أو عبر تبلور رأي عام معارض لها. وذكرت أن أحد المكاسب هي سهولة التنقيب عن البترول في المياه الاقتصادية المصرية، بالرغم من أن الاتفاقية قلصتها ولم توسعها حسبما تدعي تلك الأصوات. كما بشرت تلك الدوائر بالمشاريع الاستثمارية السعودية وربطتها بترسيم الحدود.
على جانب آخر، أسقطت الاتفاقية شعارات النظام حول استقلال القرار المصري ورفضه التبعية. تلك الشعارات التي روجها واستخدمها النظام في تبرير تطبيق إجراءات التقشف ورفع الأسعار معلناً أنه لا بديل عن التقشف لحل الأزمة الاقتصادية. وأن المساعدات والاقتراض والمنح تقيد الاستقلال الوطني.

أما الممارسات الفعلية تتناقض تماماً مع ما أطلق من تصريحات رنانة. فقد لجأت مصر إلى الاقتراض من عدة جهات أبرزها صندوق لنقد الدولي الذي تابعت لجنته مؤخراً مدى تطبيق مصر للسياسات التقشفية، بغرض تخفيف عجز الموازنة وضمان سداد القرض مستقبلاً.

أيضاً، تلقت مصر مساعدات خليجية ضخمة بعد الثورة بلغت حسب تقرير للبنك المركزي في عام 2016 حوالى 31 مليار دولار ساهمت فيها السعودية بحوالى 8 مليارات دولار، أغلبها (6 مليارات دولار) في الفترة بين عامي 2013 إلى 2015.

ولم تقدم السعودية مساعدات مالية خلال عام 2016 إلى مصر، إلى أن تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود في 8 إبريل/ نيسان 2016. وتزامن معها الإعلان عن عدة مشروعات استثمارية ومنح ومساعدات وقروض ميسرة ومذكرات تفاهم بلغ إجمالي قيمتها 25 مليار دولار، منها مليارا دولار لإقامة مشروعات تنموية في سيناء، بالإضافة إلى مشروعات أخرى تركز في أغلبها على البنية التحتية وتنفذها دوائر تابعة للسلطة.

وليس من ضمن ما أعلن أي مشروع إنتاجي زراعي أو صناعي أو إنتاجي يساهم في حل أزمة الاقتصاد الهيكلية والمتمادية. واحتل الصدارة في التعاون السعودي المصري المتزامن مع ترسيم الحدود اتفاق تجاري يؤمن احتياجات مصر البترولية لمدة 5 أعوام من خلال عقد شراء قيمته 23 مليار دولار بين شركة أرامكو السعودية والهيئة المصرية العامة للبترول، ويتضمن تسهيلات في السداد ولا يعتبر منحة أو مساعدة ولا قرضاً.

سمسرة ودعايات

ويتضح من تحليل خطاب السلطة أنها حاولت استخدام أزمة الاقتصاد والمكاسب الاقتصادية أداة لتمرير الاتفاقية. بل صرح رجالات سلطة مبارك والسيسي بأن مصر "تحملت حماية وإدارة جزيرتي تيران وصنافير ما يزيد على 80 عاماً ولا بد أن يكون لذلك مقابل". وهنا يتجلى المنطق السلعي لرجال السلطة الذين يرون في كل شيء أنه عرضة للبيع والشراء. لا بل يصورون الأمر وكأن جيش مصر خلال صده عدوان 1956 و1967 كان مستأجراً لحماية الجزيرتين للسعودية، وكأن جنود مصر في مواجهة العدوان تحولوا بفعل مصالح تلك النخب إلى مرتزقة. وهو منطق أقل من منطق السمسار لأن السماسرة يروجون لأملاك غيرهم ويقبضون من البائع والمشتري.

يمكن القول إن دعاية النظام في ما يخص الأبعاد الاقتصادية للاتفاقية اتسمت بالتضليل، فمقترح مد جسر بري بين مصر والسعودية سبق الإعلان عنه عام 2007. بالإضافة إلى أن إمدادات البترول ستدفع مصر ثمنها. أما ما بقي من أوجه التعاون الاقتصادي المصري السعودي أو غير السعودي، لا يشترط أن تتنازل مصر فيه عن جزء من أراضيها لأي غرض من الأغراض. ولا تشترط المشاريع الاستثمارية مع السعودية أو غيرها من الدول أن تقدم مصر تنازلات بهذا الشكل الذي يمثل جريمة في حق الوطن والأجيال المقبلة، وسيكرس لنقاط خلاف مصري سعودي.

الأرض تحولت إلى سلعة

وحين تكون هناك اتفاقات تعاون بين أي بلدين على أي صعيد سياسي أو اقتصادي لا يجب أن تمس الاتفاقات الكرامة والاستقلال الوطني. كما أن أرض الوطن وحدودها ليستا ملكاً للسلطة أو رهينة تصرفها. ولا يمكن بيعها أو رهنها والتعامل معها كقيمة قابلة للبيع والتداول. لكن السلطات التي تعودت على بيع وخصخصة الأصول والمؤسسات الاقتصادية وطرحها للتداول في البورصة لحل أزمتها المالية، تكمل طريقها اليوم من دون ضوابط أو حسابات مستقبلية، وتطرح جزيرتين مصريتين للبيع.

المساهمون