اقتصاد مصر في أزمة... فرصة لرجال الأعمال

20 ديسمبر 2015
الفقراء يدفعون ثمن السياسات الاقتصادية (مروان نعماني/ فرانس برس)
+ الخط -
معادلة غريبة يتوسع تطبيقها في مصر. فكلما مر الاقتصاد بأزمة، يفكر رجال الأعمال في تعويض آثارها بابتزاز الدولة لتعويض الفاقد في تراكم أرباحهم. تكررت هذه الظاهرة بشكل لافت في السنوات الماضية. تجاوزت الدولة في موقفها سياسات محاباة رجال الأعمال بتقديم التسهيلات إلى نهب منظم وواضح. حوادث عديدة تدل على علاقة الترابط بين مصالح مالكي سلطة اتخاذ القرار ومالكي الثروة من رجال الأعمال.
تركت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 آثارها على الاقتصاد المصري. فقلصت فرص العمل والاستثمار ولم تسلم الموازنة العامة وبنود الإنفاق الاجتماعي من التراجع. وفي محاولة لتجنب ومعالجة أثار الأزمة، اتخذت الحكومة إجراءات اقتصرت على تقديم مساعدات لأصحاب رأس المال المصري والأجنبي، بينما تركت العمال المتضررين من الفصل والتسريح بسبب الأزمة، بلا سند.

جدولة الديون

فقد أصدر في حينها الرئيس المخلوع حسني مبارك قراراً جمهورياً يحمل الرقم 15 لعام 2009 يتضمن بنوداً عدة، منها تخفيض التعرفة الجمركية لرجال الأعمال، وجدولة ديون المستثمرين، وتأجيل أول قسط مستحق على الأراضي الممنوحة لكبار المستثمرين. تزامن هذا القرار والقيام بسلسلة من الإجراءات منها إقرار تسهيلات للمستثمرين في المجال الزراعي والتجاري. لم تكتف الدولة بهذه التدابير، بل قامت بزيادة دعم المصانع بالطاقة وبتكلفة وصلت في العام 2008 إلى 300 مليون جنيه.
‌وقررت الدولة في حينها أيضاً، تخصيص 30 مليار جنيه لدعم الاستثمارات الحكومية والاستثمارات الخاصة بمشاركة القطاع العام، وهي بذلك دعمت رجال الأعمال بمليارات الجنيهات لتعويض انخفاض معدلات أرباحهم نتاج الأزمة خلال العام 2009. لم نعرف أين صرفت تلك المليارات؟ ومن استحوذ عليها؟
في وقتها، تضررت قطاعات عديدة، أبرزها القطاع السياحي، وقطاع النفط، كما تراجعت عوائد الصناعات المصرية المصدرة للسوق الأوروبية والأميركية بوصفهما مركز الأزمة.
تتكرر فصول النهب عبر تخصيص أموال الدولة لدعم رجال الأعمال، بينما تخفض مخصصات الموازنة العامة لدعم السلع والخدمات. الموقف تكرر مع اندلاع "ثورة يناير" حيث ضغط رجال الأعمال على الدولة لتعويضهم عن الخسائر الناتجة عن الخلل الأمني، ورغم عدم تقديم رجال الأعمال حينها تقديرات عن خسائرهم، إلا أن السلطة اعتبرت رجال الأعمال شركاء في الحكم والثروات، فقامت بتخصيص مساعدات لهم، وقدمت تسهيلات أكبر بحجة عودة الاستثمار الذي عطلته الثورة.
لقد تراجعت معدلات الصادرات المصرية خلال هذا الأشهر التسع الأولى من العام الحالي بنسبة 19%، إلا إن المصدرين مارسوا ضغوطاً في اتجاه رفع الأموال المخصصة لدعم صندوق الصادرات، ورفعت فعلياً الدولة المخصصات من ملياري جنيه إلى 5 مليارات جنيه حصل عليها ما لا يزيد عن ألف مصدّر.
ومع تجدد أزمة قطاع السياحة، بسبب كارثة سقوط الطائرة الروسية فوق الأراضي المصرية، عاد المستثمرون للمطالبة بالتعويضات، حيث قدموا قائمة بنحو 22 مطلباً لتعويض خسائرهم.
وكعادتها استجابت الدولة لعدد من المطالب، أبرزها تقديم تسهيلات مصرفية للاستثمارات السياحة، وإعادة جدولة ديون المستثمرين المستحقة عليهم، وتشمل هذه الديون التأمينات، وفواتير الكهرباء والمياه، في المقابل لم تتجه الدولة إلى جدولة ديون الفلاحين الفقراء، ومساعدتهم على غرار ما تفعله مع رجال الأعمال.
بمعنى آخر يقوم المستثمر بإدارة أموال المصارف كما يحلو له، وتقوم الدولة بجدولة الديون المستحقة على هؤلاء المستثمرين لمدة عام كامل، وربما يتوسع الأمر، إلى إعفاء هؤلاء بشكل خاص من دفع الضرائب أو تأجيلها.
تشير الحوادث الثلاثة السابقة على تصرف الدولة المصرية مع الأزمة الاقتصادية. فسلوكها يكشف عن انحيازات طبقية لا تقبل اللبس، حيث تصل للمستثمرين مليارات الجنيهات من الموازنة العامة سنوياً تحت أشكال ومسميات عديدة، ومع كل أزمة تتجدد الضغوط وتستجيب الدولة، وتمنح رجال الأعمال الامتيازات، ولكن حين يطالب العمال أو المهنيون والموظفون برفع الأجور أو تحسين الخدمات يكون رد السلطة جاهزاً "أنا مش عاوز أديك، أنا مش قادر أديك".

(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة القاهرة)

اقرأ أيضاً:الإضراب بين الإتاحة والتجريم
المساهمون