يأمل الليبيون أن يخفّف اتفاق المصالحة المبدئي الذي عقد في تونس الأحد الماضي، حدة الصراع بين فرقاء ليبيا ويمهد الأجواء سياسياً وأمنياً لتحريك عجلة اقتصاد البلاد المنهكة عبر تشغيل الحقول والموانئ النفطية المعطلة عن الإنتاج والتصدير والدفع بأداء القطاعات الإنتاجية الأخرى.
وحسب محللين لـ"العربي الجديد"، ستتجه الأوضاع المعيشية إلى التحسن في ظل وجود حكومة واحدة في البلاد بدلاً من حكومتين إحداهما في الشرق والأخرى غربها، ما يوحد المؤسسات الاقتصادية ويجعلها أكثر قدرة على تقديم الخدمات للمجتمع.
وأعلن ممثلو طرفي الأزمة الليبية، وهما المؤتمر الوطني العام في طرابلس وبرلمان طبرق، الأحد الماضي، الاتفاق على مجموعة مبادئ على أمل تحويلها إلى اتفاق سياسي يحظى بموافقة السلطتين، اللتين تتصارعان على الحكم بهدف إنهاء النزاع الدائر في البلاد الغنية بالنفط منذ نحو ثمانية عشر شهراً.
وقال المحلل المصرفي، عبدالله التركي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه في حالة التزام كلا الطرفين باستكمال خطوات المصالحة وتشكيل حكومة وفاق وطني فإن الأوضاع المعيشية سوف تتحسن على المدى القريب.
وأشار إلى أن البلاد في حاجة إلى تشغيل حقول النفط واستئناف التصدير لتوفير عملة صعبة تسهم في تقوية العملة المحلية، التي تراجعت بشكل كبير أمام الدولار والعملات الأجنبية في السوق الموازية، وبالتالي ينتج عنها استقرار في أسعار السلع.
وحسب تقارير رسمية، تعتمد البلاد على استيراد معظم غذائها من الخارج، ما يمثل تهديداً إضافياً للأسعار، في ظل الارتفاع المستمر في سعر الدولار بالبلاد، مع تراجع احتياطي العملة الصعبة وتهاوي النفط إنتاجاً، وتراجع الأسعار عالمياً بأكثر من 60%، منذ شهر يونيو/حزيران من العام الماضي. وتشكل عائدات النفط نحو 95% من إيرادات البلاد، وفقاً للإحصائيات الرسمية.
وقال وزير الصناعة الليبي السابق، محمود الفطيسي، لـ"العربي الجديد"، إن الاستقرار السياسي مهم من أجل وقف نزيف الاقتصاد.
وأضاف أن الألوية في الوقت الحالي للاستقرار والأمن وتشكيل حكومة وفاق وطني بدلاً من الصراع الذي يخيف القطاع الخاص الوطني والأجنبي من القيام بأي استثمارات جديدة، لاسيما وأن معظمها يعتمد على مواد خام من الخارج.
وإدارة مصرف ليبيا المركزي حالياً، محل صراع بين محافظين، أحدهما هو الصديق الكبير الذي يمارس عمله من مقر المصرف في طرابلس، التابع للمؤتمر الوطني العام، والمحافظ الآخر هو علي الحبري، الذي يمارس عمله من مقر للمصرف المركزي في مدينة البيضاء شرق البلاد، والمكلف من مجلس النواب المنعقد بطبرق.
اقرأ أيضاً: تأزم معيشة الليبيين في المناطق النائية
كما دخلت الحكومتان المتصارعتان على الحكم، في سباق على استنزاف الموارد المالية للبلاد، وسط تعاظم التحذيرات الدولية من أن ليبيا أصبحت على شفا انهيار اقتصادي.
ويخصص أكثر من نصف الموازنة الليبية لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من المنتجات، من بينها الخبز والوقود وخدمات، مثل العلاج في المستشفيات بالمجان وكذلك العلاج في الخارج.
ولجأت حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس إلى الإنفاق من احتياطيات المصرف المركزي، بينما أقدمت الحكومة المنافسة في طبرق شرق البلاد على الاقتراض لتدبير احتياجاتها من النفقات.
وحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس لها ميزانية تناهز 42.9 مليار دينار (31.3 مليار دولار)، وحكومة طبرق لها موازنة أخرى قيمتها 43 مليار دينار، وأنفقت حكومة طرابلس 23.8 مليار دينار، حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، في حين أنفقت حكومة طبرق خمسة مليارات دينار خلال نفس الفترة.
ويوضح عميد كلية الاقتصاد بجامعة طرابلس، أحمد أبولسين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن عودة إنتاج ليبيا من النفط والذي يشكل معظم إيرادات الموازنة العامة، يظل رهن المدى الزمني الذي يتحقق فيه الاستقرار السياسي والأمني، الذي لا نعتقد أنه سيتحقق بين يوم وليلة، وأيضاً بالمدى الزمني الذي يمكن خلاله إعادة تعديل أو تكييف السياسات المالية والنقدية بما يتلاءم وطبيعة الاقتصاد وطاقته الاستيعابية وما يتطلبه من إعادة بناء وإعمار.
ودعا أبولسين إلى ضرورة اتباع نظام الموازنة الاستيرادية والعمل على إعادة الثقة للجهاز المصرفي على الأقل واتباع جملة من الإجراءات المدروسة وفي مقدمتها منح فوائد على الحسابات بالعملة الأجنبية بضمان المصرف المركزي وذلك بشروط زمنية، وتقييد التحويلات النقدية، خصوصاً المتعلقة بالسلك الدبلوماسي ونفقات العلاج والإيفاد وما في حكمها وإعادة الترتيب القطاعي للموازنة.
وفي المقابل، أبدى رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية الدراسات العليا بطرابلس، بشير بلق، تخوفه من الأوضاع الأمنية في البلاد والتي تؤثر سلباً عن الوضع الاقتصادي. وقال بلق، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق لم يتبلور بصيغة نهائية بشأن الأوضاع السياسية في البلاد، وإن الاستقرار الاقتصادي بعيد المنال في الوقت الحاضر، حسب وجهة نظره.
وأشار إلى أن إنعاش الاقتصاد يحتاج إلى استقرار سياسي بشكل كامل، وفي الوقت الحالي ما زالت التوقعات تصب في صالح استمرار الصراع وتراجع الاقتصاد رغم عقد الاتفاق.
وانخفض رصيد احتياطي النقد الأجنبي بنهاية 2014 إلى نحو 76 مليار دولار، مقابل 105 مليارات دولار بنهاية 2013، أي أن المسحوبات بلغت نحو 29 مليار دولار في عام واحد.
اقرأ أيضاً:
المضاربات وتراجع الاحتياطي وراء تدهور الدينار الليبي
مجموعة الأزمات الدولية تحذر من الأسوأ في ليبيا