قال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، أول من أمس السبت، إن السودان يحتاج ثمانية مليارات دولار، مساعدة أجنبية، خلال العامين المقبلين، لتغطية الواردات، وللمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد، هذا عن احتياجات السودان، فماذا عن السيناريوهات المتوقعة؟
قبل أيام، تشكّل مجلس السيادة، وهو الآلية التي تم الاتفاق عليها مؤخرًا لإدارة المرحلة الانتقالية في السودان، وقد أدى المجلس اليمين لأداء مهمته، يوم 21 أغسطس 2019، وتم اختيار الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيسا له.
وتبعا لهذا التطور، يرى البعض أن السودان سيشهد حالة من الهدوء على الصعيدين السياسي والاقتصادي، خلال الفترة القادمة، بعد تولّي مجلس السيادة إدارة البلاد. أما على الصعيد السياسي، فمن المتوقع أن يرسم المجلس خطواته وفق آليات معينة، تسيّرها الدول الداعمة للثورة المضادة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فسيكون للمؤسسات الدولية دور حاسم، ولا مانع من أن تساعد الدول الداعمة للثورات المضادة في تمهيد دور المؤسسات الدولية، من خلال الدعم في صورة المساعدات العينية، أو الدعم النقدي من خلال بعض الودائع في البنك المركزي السوداني.
وكان السودان قد مر، منذ الإطاحة بنظام البشير، بأحداث شبه متطابقة لما حدث في مصر إبان انقلاب يوليو 2013، ولذلك لا يستغرب أن تُنفذ نفس الأجندة غير الناجعة على الصعيد الاقتصادي، تحت مسمى مؤتمر مانحين، أو إنقاذ الاقتصاد السوداني، وبلا شك سيكون تنفيذ تلك الأجندة برعاية الثورة المضادة، بتمويل إماراتي سعودي.
وبلا شك سوف تواكب هذه التحركات تغطية إعلامية ومحاولات لتهيئة الرأي العام السوداني بأجندة صندوق النقد الدولي، معتمدين على أخطاء نظام البشير، من فساد، وفشل مشروع التنمية، والتركيز على دور مهم للقطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية.
اقــرأ أيضاً
لقد كانت الإجراءات التي أُعلنت من قبل نظام البشير الشرارة التي أطلقت ثورة السودان نهاية 2018، عبر زيادة أسعار الخبز والوقود وتحرير أسعار صرف العملة المحلية. وفي ظل خطوة منتظرة لتمهيد توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، قد يعاود مجلس السيادة تنفيذ نفس الإجراءات التي ثار ضدها الشعب، بحجج كثيرة، منها تخفيض عجز الموازنة ومعالجة قضية الدين العام.
وسيواجه أي اعتراض من قبل السودانيين فيما بعد ضد الإجراءات الاقتصادية التي سيفرضها اتفاق منتظر مع صندوق النقد، بالعصا الغليظة للعسكر وبوجود القوى المدنية في مجلس السيادة، كما حدث في مصر، إما الاعتقال، أو القتل بزعم سعى النظام لتحقيق الأمن، والاستقرار السياسي.
ديون السودان
لعل الملف الأبرز على أجندة التفاوض مع صندوق النقد من قبل أي حكومة قادمة تحت رعاية مجلس السيادة، هو ملف الديون الخارجية، البالغة نحو 48 مليار دولار، منها ما يزد على 50% من قيمة هذا الدين فوائد متأخرة، بسبب عدم انتظام السودان خلال الفترات الماضية في دفع أقساط وفوائد ديونه الخارجية، أو ما يسمى بافتقاد الاقتصاد السوداني لاستدامة ديونه.
وقد يكون ملف الديون الخارجية، من أقوى الأدوات للترويج لتنفيذ برنامج مع صندوق النقد، حيث يمكن التفاوض على تطبيق أجندة الصندوق مقابل التنازل عن فوائد الديون، ولن يكون ذلك دفعة واحدة ولكن سيكون على مدار السنوات التي يستغرقها البرنامج الذي سيتم التواصل عليه مستقبلًا مع الصندوق.
وسوف تعمل كل من الإمارات والسعودية على استكمال ما اتخذ من خطوات في قضية العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان، حيث نال السودان فيما قبل رفعًا جزئيًا للعقوبات، كثمن على مشاركته في مساندة الإمارات والسعودية في حرب اليمن، والدفع بأعداد كبيرة من الجنود السودانيين للمواجهات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
ولن يمنع السير في هذه الخطوات من أن تدفع كل من الإمارات والسعودية مبالغ نقدية لدعم احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي السوداني، أو شحنات من النفط، لكن على نفس نسق الدعم الذي قدمته الدولتان الخليجيتان لمصر، حيث ستكون المبالغ النقدية عبارة عن ودائع بلا فائدة لسنتين أو ثلاث، ثم تتحول إلى قروض بسعر فائدة نحو 3%، ولن تكون شحنات الوقود مجانية، بل ستكون في إطار تسهيلات ائتمانية، وإن كان يتوقع ألا يدفع السودان، كما فعلت مصر، حيث طالبت القاهرة بمد آجل الودائع، ومنحها آجالا إضافية لسداد الديون.
التبعية ثمنًا للدعم
في العلاقات الدولية، لا يوجد شيء مجانًا، فمن يحصل على منحة أو مساعدة أو قرض، لابد وأن يدفع ثمنًا لذلك، وعادة ما يكون الثمن اقتصاديًا مصحوبًا بتبعية سياسية، وهذا ما فعلته الإمارات والسعودية مع مصر، واشتكت مصر منه مؤخرًا من كونها تُعامل من قبل الدول الخليجية الداعمة على أنها شريك صغير.
وفي إطار طموح الشابين الأهوجين (بن زايد وبن سلمان) بتوسّع نفوذهما في المنطقة والسيطرة على الدول ذات الثروات البشرية والطبيعية كمصر والسودان، من المتوقع أن يكون دعمهما للاقتصاد السوداني في نفس إطار السياق الذي تم به دعم الاقتصاد المصري، وهو ألا يستطيع السودان أن يكون لديه استقلال اقتصادي يمكّنه من تحقيق استقلاله السياسي، بل المطلوب منه أن يكون في طور التابع لدولتي الإمارات والسعودية، خاصة أن ملف الحرب في اليمن لا يُنتظر له أن ينتهي في الأجلين القصير والمتوسط.
بل قد يمتد دور السودان لدعم الموقف الإماراتي السعودي في ليبيا، بتقديم الجنود السودانيين، لمساندة حفتر في مواجهة حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليًا.
وسيقدم صندوق النقد الدولي، ضمن أجندته المنتظرة للسودان، ما يطلق عليه تشجيع القطاع الخاص، وتحرير أسعار السلع والخدمات الحكومية، وسوف تدفع كل من الإمارات والسعودية، عبر وكلائهما، بوجود دور للقطاع الخاص في المجال الخدمي من دون الإنتاجي. وهو ما يعني فتح باب من خروج عوائد النشاط الاقتصادي للخارج، وعدم شعور المواطن السوداني بأي تحسّن في أوضاعه المعيشية.
اقــرأ أيضاً
وسوف يساعدهما على نفس التوجه استعدادهما للتعامل مع الصين كأكبر مستفيد من استنزاف ثروات السودان، ومن السهولة بمكان استرضاء بكين عبر الصفقات المباشرة في السودان، وغير المباشرة خارج السودان في تدجين كامل للنظام الجديد، عبر عجزه الاقتصادي.
ولن يشهد السودان، في ظل مجلس السيادة والدعم الإماراتي السعودي، تحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء والدقيق، من خلال ضخ استثمارات جديدة في القطاع الزراعي، سواء من مستثمرين محليين أو عبر الإمارات والسعودية، بل سيكون الاستثمار في مجالات العقارات والاتصالات وبعض المشروعات السياحية، ذات القيمة المضافة الضعيفة.
من يدفع الثمن؟
سوف يدفع الثمن السودان كدولة، كان يرجى لها أن تحقق استقلالًا وطنيًا، ينعم فيه أبناؤها بالحرية والكرامة، والحفاظ على ما حباها الله عز وجل من ثروات طبيعية طائلة، يمكن من خلالها أن تكون واحدًا من أغنى اقتصاديات المنطقة.
وفي نفس الوقت، سوف يدفع المواطن السوداني ثمنًا غاليًا خلال الفترة القادمة من خلال ارتفاع أعباء المعيشة، وفقدان الرغبة في العيش بوطنه، والرغبة الشديدة في الهجرة من أجل الحصول على مستوى معيشة أفضل، وبذلك يفقد السودان ما تبقى من كفاءات بشرية من أبنائه يمكن الاستفادة منها في إعادة بناء قاعدته الاقتصادية.
ما يحدث في السودان وغيره من الثورة المضادة (برعاية الإمارات والسعودية)، ليس عفويًا ولكنه مخطط في إطار التوظيف السياسي للبترودولار على الصعيد الإقليمي، وكذلك المصالح الدولية الضيقة من قبل أميركا وأوروبا، وكذلك الصين التي تدّعي بأنها ليست دولة استعمارية.
قبل أيام، تشكّل مجلس السيادة، وهو الآلية التي تم الاتفاق عليها مؤخرًا لإدارة المرحلة الانتقالية في السودان، وقد أدى المجلس اليمين لأداء مهمته، يوم 21 أغسطس 2019، وتم اختيار الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيسا له.
وتبعا لهذا التطور، يرى البعض أن السودان سيشهد حالة من الهدوء على الصعيدين السياسي والاقتصادي، خلال الفترة القادمة، بعد تولّي مجلس السيادة إدارة البلاد. أما على الصعيد السياسي، فمن المتوقع أن يرسم المجلس خطواته وفق آليات معينة، تسيّرها الدول الداعمة للثورة المضادة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فسيكون للمؤسسات الدولية دور حاسم، ولا مانع من أن تساعد الدول الداعمة للثورات المضادة في تمهيد دور المؤسسات الدولية، من خلال الدعم في صورة المساعدات العينية، أو الدعم النقدي من خلال بعض الودائع في البنك المركزي السوداني.
وكان السودان قد مر، منذ الإطاحة بنظام البشير، بأحداث شبه متطابقة لما حدث في مصر إبان انقلاب يوليو 2013، ولذلك لا يستغرب أن تُنفذ نفس الأجندة غير الناجعة على الصعيد الاقتصادي، تحت مسمى مؤتمر مانحين، أو إنقاذ الاقتصاد السوداني، وبلا شك سيكون تنفيذ تلك الأجندة برعاية الثورة المضادة، بتمويل إماراتي سعودي.
وبلا شك سوف تواكب هذه التحركات تغطية إعلامية ومحاولات لتهيئة الرأي العام السوداني بأجندة صندوق النقد الدولي، معتمدين على أخطاء نظام البشير، من فساد، وفشل مشروع التنمية، والتركيز على دور مهم للقطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية.
لقد كانت الإجراءات التي أُعلنت من قبل نظام البشير الشرارة التي أطلقت ثورة السودان نهاية 2018، عبر زيادة أسعار الخبز والوقود وتحرير أسعار صرف العملة المحلية. وفي ظل خطوة منتظرة لتمهيد توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، قد يعاود مجلس السيادة تنفيذ نفس الإجراءات التي ثار ضدها الشعب، بحجج كثيرة، منها تخفيض عجز الموازنة ومعالجة قضية الدين العام.
وسيواجه أي اعتراض من قبل السودانيين فيما بعد ضد الإجراءات الاقتصادية التي سيفرضها اتفاق منتظر مع صندوق النقد، بالعصا الغليظة للعسكر وبوجود القوى المدنية في مجلس السيادة، كما حدث في مصر، إما الاعتقال، أو القتل بزعم سعى النظام لتحقيق الأمن، والاستقرار السياسي.
ديون السودان
لعل الملف الأبرز على أجندة التفاوض مع صندوق النقد من قبل أي حكومة قادمة تحت رعاية مجلس السيادة، هو ملف الديون الخارجية، البالغة نحو 48 مليار دولار، منها ما يزد على 50% من قيمة هذا الدين فوائد متأخرة، بسبب عدم انتظام السودان خلال الفترات الماضية في دفع أقساط وفوائد ديونه الخارجية، أو ما يسمى بافتقاد الاقتصاد السوداني لاستدامة ديونه.
وقد يكون ملف الديون الخارجية، من أقوى الأدوات للترويج لتنفيذ برنامج مع صندوق النقد، حيث يمكن التفاوض على تطبيق أجندة الصندوق مقابل التنازل عن فوائد الديون، ولن يكون ذلك دفعة واحدة ولكن سيكون على مدار السنوات التي يستغرقها البرنامج الذي سيتم التواصل عليه مستقبلًا مع الصندوق.
وسوف تعمل كل من الإمارات والسعودية على استكمال ما اتخذ من خطوات في قضية العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان، حيث نال السودان فيما قبل رفعًا جزئيًا للعقوبات، كثمن على مشاركته في مساندة الإمارات والسعودية في حرب اليمن، والدفع بأعداد كبيرة من الجنود السودانيين للمواجهات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
ولن يمنع السير في هذه الخطوات من أن تدفع كل من الإمارات والسعودية مبالغ نقدية لدعم احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي السوداني، أو شحنات من النفط، لكن على نفس نسق الدعم الذي قدمته الدولتان الخليجيتان لمصر، حيث ستكون المبالغ النقدية عبارة عن ودائع بلا فائدة لسنتين أو ثلاث، ثم تتحول إلى قروض بسعر فائدة نحو 3%، ولن تكون شحنات الوقود مجانية، بل ستكون في إطار تسهيلات ائتمانية، وإن كان يتوقع ألا يدفع السودان، كما فعلت مصر، حيث طالبت القاهرة بمد آجل الودائع، ومنحها آجالا إضافية لسداد الديون.
التبعية ثمنًا للدعم
في العلاقات الدولية، لا يوجد شيء مجانًا، فمن يحصل على منحة أو مساعدة أو قرض، لابد وأن يدفع ثمنًا لذلك، وعادة ما يكون الثمن اقتصاديًا مصحوبًا بتبعية سياسية، وهذا ما فعلته الإمارات والسعودية مع مصر، واشتكت مصر منه مؤخرًا من كونها تُعامل من قبل الدول الخليجية الداعمة على أنها شريك صغير.
وفي إطار طموح الشابين الأهوجين (بن زايد وبن سلمان) بتوسّع نفوذهما في المنطقة والسيطرة على الدول ذات الثروات البشرية والطبيعية كمصر والسودان، من المتوقع أن يكون دعمهما للاقتصاد السوداني في نفس إطار السياق الذي تم به دعم الاقتصاد المصري، وهو ألا يستطيع السودان أن يكون لديه استقلال اقتصادي يمكّنه من تحقيق استقلاله السياسي، بل المطلوب منه أن يكون في طور التابع لدولتي الإمارات والسعودية، خاصة أن ملف الحرب في اليمن لا يُنتظر له أن ينتهي في الأجلين القصير والمتوسط.
بل قد يمتد دور السودان لدعم الموقف الإماراتي السعودي في ليبيا، بتقديم الجنود السودانيين، لمساندة حفتر في مواجهة حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليًا.
وسيقدم صندوق النقد الدولي، ضمن أجندته المنتظرة للسودان، ما يطلق عليه تشجيع القطاع الخاص، وتحرير أسعار السلع والخدمات الحكومية، وسوف تدفع كل من الإمارات والسعودية، عبر وكلائهما، بوجود دور للقطاع الخاص في المجال الخدمي من دون الإنتاجي. وهو ما يعني فتح باب من خروج عوائد النشاط الاقتصادي للخارج، وعدم شعور المواطن السوداني بأي تحسّن في أوضاعه المعيشية.
وسوف يساعدهما على نفس التوجه استعدادهما للتعامل مع الصين كأكبر مستفيد من استنزاف ثروات السودان، ومن السهولة بمكان استرضاء بكين عبر الصفقات المباشرة في السودان، وغير المباشرة خارج السودان في تدجين كامل للنظام الجديد، عبر عجزه الاقتصادي.
ولن يشهد السودان، في ظل مجلس السيادة والدعم الإماراتي السعودي، تحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء والدقيق، من خلال ضخ استثمارات جديدة في القطاع الزراعي، سواء من مستثمرين محليين أو عبر الإمارات والسعودية، بل سيكون الاستثمار في مجالات العقارات والاتصالات وبعض المشروعات السياحية، ذات القيمة المضافة الضعيفة.
من يدفع الثمن؟
سوف يدفع الثمن السودان كدولة، كان يرجى لها أن تحقق استقلالًا وطنيًا، ينعم فيه أبناؤها بالحرية والكرامة، والحفاظ على ما حباها الله عز وجل من ثروات طبيعية طائلة، يمكن من خلالها أن تكون واحدًا من أغنى اقتصاديات المنطقة.
وفي نفس الوقت، سوف يدفع المواطن السوداني ثمنًا غاليًا خلال الفترة القادمة من خلال ارتفاع أعباء المعيشة، وفقدان الرغبة في العيش بوطنه، والرغبة الشديدة في الهجرة من أجل الحصول على مستوى معيشة أفضل، وبذلك يفقد السودان ما تبقى من كفاءات بشرية من أبنائه يمكن الاستفادة منها في إعادة بناء قاعدته الاقتصادية.
ما يحدث في السودان وغيره من الثورة المضادة (برعاية الإمارات والسعودية)، ليس عفويًا ولكنه مخطط في إطار التوظيف السياسي للبترودولار على الصعيد الإقليمي، وكذلك المصالح الدولية الضيقة من قبل أميركا وأوروبا، وكذلك الصين التي تدّعي بأنها ليست دولة استعمارية.