منذ أن نجحت الصهيونية، بمساعدة الاستعمار، في تأسيس إسرائيل؛ تلازمت خطوات هذا الكيان، مع خطط التمكين والتوسع والعدوان. ويتبدى هذا جلياً، من خلال ما نشره مؤرخو الاقتصاد الإسرائيليون، الذين عرضوا مراحل التطور والصعود والهبوط.
فعندما أعلنوا دولتهم، وتشكلت حكومتهم الأولى، كان هدفهم ترسيخ دعائم الدولة ومراكمة عناصر النهوض الاقتصادي، من خلال خطة تقشف شديدة الصرامة، تساعدهم على مواجهة هبوب أية رياح (1948- 1951).
وهذه أولى الدروس التي ينبغي أن يتعلمها الفلسطينيون والكثيرون في الإقليم. كان اليهود يصطفون في طوابير للحصول على الحليب والزبدة، ولفرط التقشف، تباطأت مشروعات التنمية، التي كانوا يحلمون بها، لصالح تنمية القدرات العسكرية، ودخلوا في مرحلة "الركود الاقتصادي الأول" بين 1951 و1954.
وعندما تهيأوا لشن الحرب، أدخلوا دولتهم في مرحلة نمو وازدهار طويلة (1955 ــ 1965). فعلى مر تاريخهم، كانوا يُنعشون الاقتصاد قبل الحرب وبعدها.
مرة يُدخلون شعبهم الملموم من أربع رياح الأرض، في نعيم يجدر الدفاع عنه، ومرة يكافئون الشعب على أدائه ونجاحه في الحرب، وكلما رخرخت البحبوحة روحهم الحربية، كانوا يتعمدون العودة الى الركود.
فالاقتصاد في يد قادة هذه الدولة، وهم الممسكون بحركة المؤشرات، ويستخدمون الركود والتقشف، للتحفيز على تحقيق الأمنيات، بالمزيد من الحرب. قبل عدوان 1967 بسنتين، عادوا إلى الركود. وبعد انتصارهم، أنعشوا الاقتصاد وازدهروا لـ 4 سنوات.
وذهبوا في 1972 إلى حال جمود اقتصادي وارتفاع في أكلاف المعيشة، لتعبئة كل الطاقات الاقتصادية، لمواجهة خطر وجودي أحسوا به، بعدئذٍ، في الأكثر إرعاباً لهم (حرب 1973).
لكن تطورات التسوية، التي بدأت بزيارة السادات القدس، سمحت لهم بالتوجه إلى خطة استقرار اقتصادي، وصلت إلى ذروة تطبيقاتها بعد "كامب ديفيد".
ومع تفكك الحال العربية، وتفشي خيباتها، ذهبوا في الفترة من 1985 إلى 1990 إلى التوسع الديموغرافي وتعزيزه، فأطلقوا حملة استجلاب المهاجرين الروس، واستيعابهم بكثافة، دونما تدقيق حتى في يهودية الروسي.
وفي عملية الاستيعاب، درسوا كل مقاربات الاستفادة من الزيادة السكانية، واعتبارها زيادة في الثروة، علماً بأنها عبء ثقيل وكابوس، عند الحكومات الفاشلة. فإسرائيل تحقق نمواً أعلى، كلما ازداد سكانها عدداً.
ويشتغل مخططو الاقتصاد على كل عناصر تطور الناتج المحلي. فخططهم الاقتصادية الجيدة، تلازم سياساتهم القميئة وتدعمها!
اقرأ أيضاً: فضيحة الفساد تتمدّد في إسرائيل