تتجه دول الخليج إلى التعايش الإجباري مع فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" رغم استمرار الإصابات والوفيات، إذ أعلنت حكومات خليجية عن بدء العودة التدريجية للحياة الطبيعية واستئناف الأعمال وفتح الاقتصاد مجددا فيما اختلفت الإجراءات بين دولة وأخرى.
وتكبدت الدول الخليجية خسائر فادحة منذ بداية أزمة كورونا، بسبب توقف الأعمال والأنشطة الاقتصادية وانهيار أسعار النفط، فضلا عن زيادة الإنفاق العام بسبب إجراءات مواجهة تفشي الفيروس.
كما تسببت الأزمة المستمرة منذ نحو 4 أشهر في موجة بطالة غير مسبوقة في الدول الخليجية خصوصا في السعودية والإمارات أكثر المتضررين من جائحة كورونا، إذ أشارت التوقعات إلى فقدان 2.6 مليون وظيفة في كلتا الدولتين، حسب تقرير حديث لمؤسسة أكسفورد إيكونوميكس الذي صدر أخيرا واطلعت عليه "العربي الجديد".
وفي قطر، قررت السلطات إغلاق المحلات وإيقاف جميع الأنشطة التجارية باستثناء الصيدليات ومحلات توريد الأغذية وتسليمها، في الفترة ما بين 19 و30 مايو/أيار الجاري، ضمن إجراءات مواجهة فيروس كورونا. ولم تعلن الحكومة أية قرارات جديدة في هذا الصدد حتى الآن.
السعودية: استئناف الحياة
أعلنت السعودية، التي تكبّد اقتصادها خسائر كبيرة، عن إجراءات لعودة الحياة إلى طبيعتها، ولكن بشكل تدريجي عبر استئناف العديد من الأنشطة الاقتصادية. وأصبحت المملكة أكبر المتضررين في دول الخليج بسبب حرب النفط التي أدت إلى انهيار الأسعار على المستوى العالمي وتراجع الإيرادات المالية، فضلا عن توقف دخل السياحة الدينية بعد تعليق العمرة وغلق مكة والمدينة المنورة أمام الزائرين، وإغلاق الأنشطة الاقتصادية واستمرار التدخل العسكري في اليمن.
وبعد 3 أشهر من فرض حظر التجول في السعودية، أعلنت المملكة خريطة استئناف الحياة الطبيعية في جميع مناطقها إلى ما قبل فترة إجراءات العزل، وستشرع الحكومة في تنفيذ الإجراءات الجديدة على مرحلتين، إذ سيُسمح في الأولى، بإعادة فتح بعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية، ورفع تعليق الرحلات الجوية الداخلية، وصولاً إلى استئناف القطاعين العام والخاص أعمالهما في مستهل الأسبوع المقبل.
كما قررت المملكة إعادة فتح المساجد مرة أخرى، وخففت إجراءات حظر التجول المفروض، فيما أكدت الحكومة السعودية استمرار منع الأنشطة كافة التي لا تحقق التباعد الجسدي بما في ذلك صالونات التجميل، والحلاقة، والنوادي الرياضية والصحية، والمراكز الترفيهية، ودور السينما.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي السعودي، فهد الزيادي، إن المملكة أوقفت الأعمال وفرضت حظر التجول عندما كانت الإصابات لا تتجاوز 100 يوميا، فيما استأنفت الأنشطة الاقتصادية بعد أن وصل معدل الإصابات اليومي إلى 2500 إصابة وتزايدت حالات الوفاة.
وأشار الزيادي خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى الكم الهائل من الخسائر التي لم تشهدها المملكة من قبل في ظل عدم تراجع الإصابات، لافتا إلى أن الحكومة ستغامر بصحة المواطنين والمقيمين إذا لم تشدد إجراءات التباعد الاجتماعي بعد فتح الاقتصاد.
وأكد وزير الموارد البشرية السعودي، أحمد الراجحي، في تصريحات صحافية، أخيرا، أنه حان وقت العودة للأعمال والنشاط الاقتصادي، فيما أعلن عن تطبيق نظام حضور وانصراف مرن من خلال استمرار تعليق العمل بأجهزة البصمة في إثبات الحضور.
بدوره، أشاد أستاذ الاقتصاد السعودي، فهد المانع، بإعادة فتح الاقتصاد مجددا، مؤكدا أن المملكة لا تستطيع الاستمرار في الإجراءات الاحترازية التي راكمت الخسائر الكبيرة جراء الغلق الإجباري على مدار 3 أشهر.
ودعا المانع خلال اتصال مع "العربي الجديد" الحكومة السعودية إلى إعادة النظر في قرار زيادة الضرائب على المواطنين، والبدء في الإصلاح الاقتصادي، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، ومعالجة أزمة تفاقم عجز الموازنة الذي بلغ نحو 70 مليار دولار.
الإمارات: تقليل الخسائر
سعت الإمارات إلى تخفيف القيود والتعايش مع كورونا من خلال إجراءات جديدة من أجل وقف نزيف الخسائر المستمر منذ بداية تفشي الفيروس في البلاد، بسبب تراجع الإيرادات النفطية وتوقف الأنشطة الاقتصادية في دبي التي تعتمد على السياحة والخدمات اللوجيستية وتجارة العقارات، فضلا عن تأجيل معرض "أكسبو دبي 2020" لمدة عام.
وقرر ولي عهد دبي، الشيخ حمدان بن راشد، استئناف الحركة الاقتصادية لمدة 17 ساعة، حيث قال: "ندرك الضغوطات التي تعرضت لها قطاعات عدة خلال أزمة فيروس كورونا"، مشيراً إلى وجود قدرة على التعاطي بإيجابية مع المتغيرات نتيجة مرونة غالبية القطاعات.
وسيتم السماح للسكان بالتحرك والتنقل خلال الفترة من الساعة السادسة صباحا وحتى الحادية عشرة مساء وسيستأنف العمل في المطار للمقيمين الذين يغادرون دبي فقط، كما ستتم إعادة فتح بعض العيادات الطبية وإجراء العمليات الجراحية التي تستغرق ما يصل إلى 2.5 ساعة.
على صعيد متصل، أعرب الباحث الاقتصادي الإماراتي، عبد العزيز السعدي، عن أمله في أن تساهم الإجراءات التي أقرتها حكومة بلاده في التعافي وإعادة دوران عجلة الإنتاج، مشيرا إلى أن إجراءات إعادة فتح الاقتصاد لا تعني انتهاء أزمة كورونا حيث قامت الأجهزة الحكومية بتعقيم جميع المرافق العامة، وتزويدها بكل المتطلبات التي تضمن سلامة روادها، والتأكد من تطبيق الإجراءات الاحترازية.
وقال السعدي خلال اتصال عبر سكايب مع "العربي الجديد"، إن حجم خسائر الاقتصاد الإماراتي خلال 3 أشهر فقط بلغ أكثر من 78 مليار دولار، لافتا إلى أن هناك مخاوف كبيرة من أزمة بطالة في صفوف العمالة الوافدة حيث لجأت مئات الشركات في الإمارات إلى تسريح العمالة، الأمر الذي تنتج عنه مشكلات اقتصادية واجتماعية.
وفي ظل الضغوط المالية التي شكلها انتشار فيروس كورونا ودخول الاقتصاد الإماراتي مرحلة الركود، لجأت حكومة أبو ظبي لمزيد من الاقتراض الخارجي.
الكويت: عودة مشروطة
قرر مجلس الوزراء الكويتي إنهاء حظر التجول الشامل الذي تم فرضه منذ 10 مايو/ أيار وحتى نهاية الشهر الجاري، على الرغم من عدم تراجع معدل الإصابات اليومية منذ فرضه، فيما تم الإعلان عن إجراءات تدريجية للعودة إلى الحياة الطبيعية.
وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" إن مجلس الوزراء يدرس مقترحا بشأن العودة إلى الحياة الطبيعية بشكل تدريجي على 3 مراحل، تبدأ باستئناف العمل في الوزارات والهيئات الحكومية فيما ستبدأ المرحلة الأولى بربع الموظفين فقط حتى الوصول إلى المرحلة الأخيرة بالطاقة الكاملة.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الحكومة ستسمح باستئناف الأنشطة الاقتصادية وفتح المجمعات التجارية والصالونات الرجالية والنسائية، مع تشديد إجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات والبدء في عملية الاستعداد لاستئناف العملية التعليمية مرة أخرى بعد توقف دام لأكثر من 3 أشهر.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الكويتي، مروان سلامة، لـ"العربي الجديد" إن إعادة فتح الاقتصاد مرة أخرى أصبحت أمرا حتميا بسبب حالة الركود وتفاقم عجز الميزانية الذي بلغ نحو 55 مليار دولار بسبب تراجع الإيرادات النفطية.
وأكد سلامة أن إجراءات الحظر الجزئي أثبتت فشلها بعد تزايد حالات الإصابة في الكويت، مؤكدا أن خطر وقف الاقتصاد أصبح أكبر بكثير من خطر تفشي كورونا، داعيا إلى الاستفادة من إجراءات الدول الأوروبية التي نجحت في استئناف النشاط بشروط وضوابط تمنع الانتشار السريع لكورونا.
من ناحيته، أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، عبد الله الكندري، لـ"العربي الجديد" أن نجاح الإجراءات الحكومية للتعايش مع كورونا مرهون بالتزام الدوائر الحكومية والقطاع الخاص بالضوابط التي حددتها وزارة الصحة تجنبا لتفشي العدوى بين الموظفين.
عُمان: لا تجديد للحظر
تستعد سلطنة عُمان لاتخاذ خطوات مماثلة من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية بعد أشهر من الحظر الجزئي المفروض، حيث أعلن وزير الصحة العماني، أحمد السعيدي، أخيرا، أن بلاده لن تعيد فرض حظر التجول بسبب عدم جدواه الصحية في منع انتشار فيروس كورونا.
وقال السعيدي إن بلاده تدرس تطبيق خطة متكاملة من أجل وقف تفشي الفيروس والتعايش مع كورونا بأقل الأضرار.
ولا تزال الأنشطة التجارية متوقفة في عمان التي تكبدت خسائر كبيرة جراء تراجع أسعار النفط وتوقف حركة السياحة في السلطنة، فيما تلوح أزمة بطالة في الأفق بعد تسريح آلاف الشباب العماني خلال الأشهر الثلاثة الماضية.