تقول إحصاءات صادرة عن منظمة الصحة العالمية إن 7 ملايين شخص يموتون سنوياً من التدخين المباشر، وحوالي 800 ألف يموتون بسبب التدخين السلبي أو غير المباشر.
وتقدر هذه المنظمة أن ما ينفق على كل أنواع التبغ والتنباك في العالم حوالي 1.3 تريليون دولار. وإن نسبة المدخنين في العالم من بين من تزيد أعمارهم على 15 عاماً تصل إلى 29% من عدد السكان في هذه الفئة العمرية، وهذا المعدل في الوطن العربي هو الأعلى بين مناطق العالم المختلفة حيث يزيد عن 35% وبنسبة أعلى بين الرجال.
ويقدر عدد السجائر التي يستهلكها المدخنون في مصر (عدا النرجيلة والغليون والسيجار) بحوالي 100 مليار سيجارة، وأن إيرادات الحكومة في مصر تصل إلى حوالي 55 مليار جنيه مصري، ما يعادل نحو 3 مليارات دولار.
ولولا أن سعر السجائر في مصر رخيص نسبياً، لتضاعفت إيرادات الحكومة. ومع هذا، فإن دخل الحكومة من السجائر يأتي في المرتبة الثانية بعد قناة السويس.
اقــرأ أيضاً
وفي الأردن، حيث تعتبر نسبة المدخنين من أعلى النسب في العالم، فإن الحكومة تفرض على السجائر المستوردة جمارك وضريبة مكوس (إنتاج) وضريبة مبيعات. ويتراوح سعر الباكيت الواحدة بين 2.15 إلى 4.4 دولارات.
وهذا يوفر للحكومة دخلاً كبيراً يصل إلى أكثر من 1.7 مليار دولار في العام الواحد. وهذا يساوي أكثر من 15% من إيرادات الحكومة المحلية.
وباستثناء دول الخليج، فإن التحليل ذاته ينطبق على كثير من الدول العربية، ولعل المملكة المغربية تستحق في هذا المجال أن يذكر أنها هي والمملكة العربية السعودية من أقل الدول العربية من حيث نسبة المدخنين فيها.
وأذكر أن مسلسلاً كوميدياً بريطانياً بعنوان "نعم دولة الرئيس" (Yes, Prime Minister)، قد قدم حلقة يجادل فيها وزير الصحة مع رئيس الوزراء من أجل رفع نسبة الضرائب على السجائر بنسبة 200% أو أكثر، بينما يصر وزير المالية على رفعها بنسبة 20% فقط. فالأول يريد إيصال نسبة المدخنين إلى الصفر، والثاني يريد رفعها بنسبة تبقي أعداد المدخنين على حالها، ولكنها تزيد الإيرادات.
ويقدّم وزير الصحة بياناته عن عدد الذين يموتون بالسرطان والأمراض القلبية والعلل الأخرى المرتبطة بالتدخين، وكلف العلاج للأحياء، وكلف التقاعد للذين يموتون مبكرين.
اقــرأ أيضاً
أما وزير المالية فيؤكد أن الإيرادات الكبيرة الناجمة عن التدخين لا يمكن التضحية بها، وأن رفع أسعار السجائر سوف يؤدي إلى التهريب وتشجيع الجريمة المنظمة، وسيجعل كثيراً من الأسر تنفق مبالغ أكبر على السجائر بدلاً من إنفاقها على الطعام والتعليم والكساء، عدا أن رفع أسعار السجائر سوف يدفع كثيرين لإحلالها بالمخدرات.
ويستمع رئيس الوزراء إلى منطق هذا الوزير، ومن ثم يصغي إلى الوزير الآخر. وفي كل مرة يرى وجاهة في وجهة نظر هذا الوزير أو ذاك. ويحتار ماذا يفعل حتى ينقذه المستشار الخاص الداهية والذي يزوده باستمرار بالمخرج السياسي من القضية المحيّرة. ولما ظهرت الصحف في اليوم التالي كان المانشيت العريض فيها "تعديل وزاري، وزير الصحة للمالية، ووزير المالية للصحة".
هذا حل بريطاني ذكي بامتياز، ولا يخلو من طرافة. الوطن العربي لا ينتج أوراق التبغ التي تدخل في صناعة السجائر. وكذلك، فإن شركات السجائر العالمية تخزن كميات هائلة من التبغ تكفي لسنوات تحوطاً من انقطاعه خشية من قيام الحكومات بتحديد مساحات الأرض المزروعة به بسبب الأضرار الفادحة التي تسببها زراعة التبغ للأرض من تدهور خصوبتها ونضب الأملاح فيها ومساهمتها في انتشار "الهالوك"، وهي عشبة طفيلية فتاكة.
ومن أجل الحفاظ على مخزون التبغ، فإن شركات إنتاج السجائر تستخدم مئات المواد الكيميائية السامة، ومنها مواد تجعل التدخين إدماناً يصعب التخلص منه، مما يجعل سمّيتها أشد فتكاً بصحة الناس سواء من المدخنين أو من يكون بقربهم.
بالطبع، لقد بدأت الحملات ضد التدخين منذ الحرب العالمية الثانية بمبادرةٍ من الحكم النازي في ألمانيا. وقد استفادت شركات السجائر من أن تربط منع التدخين بنوايا خبيثة لدى النازية حتى تزيد من عجز موازنات دول الحلفاء.
وفي أثناء الحرب وحتى منتصف السبعينات، نجحت شركات السجائر في استقطاب الممثلين والناجحين وحتى الرياضيين منهم للإعلان عن ماركات سجائر مختلفة، وارتبط التدخين في أفلام السينما والمسلسلات بالنساء الجميلات والرجال الناجحين.
ولما بدأت حملات مكافحة التدخين بسياسة وشعارات التخويف والصور المقرفة لنتائج الإدمان على السجائر، فشلت السياسة في كبح التدخين إلا لدى قلة من الناس، وبدأت شركات السجائر في الترويج لها لدى النساء والأطفال.
ومع الوقت تطورت البحوث الاقتصادية والاجتماعية التي تدعو إلى ترك التدخين حتى فاقت في منطقها وقوتها الأبحاث المضادة الممولة من شركات السجائر، مما دفع الشركات للبحث عن أسواق جديدة لها في العالم النامي. وهكذا نجحت في تغطية الهبوط في مبيعاتها داخل دولها الأصلية.
وينفق العالم العربي على التدخين ما يساوي حوالي 8% من الإنفاق العالمي، أو حوالي 110 مليارات دولار سنوياً، يذهب نصفها على الأقل إلى إيرادات للحكومات. ولو أن هذه المبالغ أنفقت على بناء مشروعات مفيدة لحلت جزءاً كبيراً من أزمة البطالة خاصة بين الشباب.
وتقدر هذه المنظمة أن ما ينفق على كل أنواع التبغ والتنباك في العالم حوالي 1.3 تريليون دولار. وإن نسبة المدخنين في العالم من بين من تزيد أعمارهم على 15 عاماً تصل إلى 29% من عدد السكان في هذه الفئة العمرية، وهذا المعدل في الوطن العربي هو الأعلى بين مناطق العالم المختلفة حيث يزيد عن 35% وبنسبة أعلى بين الرجال.
ويقدر عدد السجائر التي يستهلكها المدخنون في مصر (عدا النرجيلة والغليون والسيجار) بحوالي 100 مليار سيجارة، وأن إيرادات الحكومة في مصر تصل إلى حوالي 55 مليار جنيه مصري، ما يعادل نحو 3 مليارات دولار.
ولولا أن سعر السجائر في مصر رخيص نسبياً، لتضاعفت إيرادات الحكومة. ومع هذا، فإن دخل الحكومة من السجائر يأتي في المرتبة الثانية بعد قناة السويس.
وهذا يوفر للحكومة دخلاً كبيراً يصل إلى أكثر من 1.7 مليار دولار في العام الواحد. وهذا يساوي أكثر من 15% من إيرادات الحكومة المحلية.
وباستثناء دول الخليج، فإن التحليل ذاته ينطبق على كثير من الدول العربية، ولعل المملكة المغربية تستحق في هذا المجال أن يذكر أنها هي والمملكة العربية السعودية من أقل الدول العربية من حيث نسبة المدخنين فيها.
وأذكر أن مسلسلاً كوميدياً بريطانياً بعنوان "نعم دولة الرئيس" (Yes, Prime Minister)، قد قدم حلقة يجادل فيها وزير الصحة مع رئيس الوزراء من أجل رفع نسبة الضرائب على السجائر بنسبة 200% أو أكثر، بينما يصر وزير المالية على رفعها بنسبة 20% فقط. فالأول يريد إيصال نسبة المدخنين إلى الصفر، والثاني يريد رفعها بنسبة تبقي أعداد المدخنين على حالها، ولكنها تزيد الإيرادات.
ويقدّم وزير الصحة بياناته عن عدد الذين يموتون بالسرطان والأمراض القلبية والعلل الأخرى المرتبطة بالتدخين، وكلف العلاج للأحياء، وكلف التقاعد للذين يموتون مبكرين.
ويستمع رئيس الوزراء إلى منطق هذا الوزير، ومن ثم يصغي إلى الوزير الآخر. وفي كل مرة يرى وجاهة في وجهة نظر هذا الوزير أو ذاك. ويحتار ماذا يفعل حتى ينقذه المستشار الخاص الداهية والذي يزوده باستمرار بالمخرج السياسي من القضية المحيّرة. ولما ظهرت الصحف في اليوم التالي كان المانشيت العريض فيها "تعديل وزاري، وزير الصحة للمالية، ووزير المالية للصحة".
هذا حل بريطاني ذكي بامتياز، ولا يخلو من طرافة. الوطن العربي لا ينتج أوراق التبغ التي تدخل في صناعة السجائر. وكذلك، فإن شركات السجائر العالمية تخزن كميات هائلة من التبغ تكفي لسنوات تحوطاً من انقطاعه خشية من قيام الحكومات بتحديد مساحات الأرض المزروعة به بسبب الأضرار الفادحة التي تسببها زراعة التبغ للأرض من تدهور خصوبتها ونضب الأملاح فيها ومساهمتها في انتشار "الهالوك"، وهي عشبة طفيلية فتاكة.
ومن أجل الحفاظ على مخزون التبغ، فإن شركات إنتاج السجائر تستخدم مئات المواد الكيميائية السامة، ومنها مواد تجعل التدخين إدماناً يصعب التخلص منه، مما يجعل سمّيتها أشد فتكاً بصحة الناس سواء من المدخنين أو من يكون بقربهم.
بالطبع، لقد بدأت الحملات ضد التدخين منذ الحرب العالمية الثانية بمبادرةٍ من الحكم النازي في ألمانيا. وقد استفادت شركات السجائر من أن تربط منع التدخين بنوايا خبيثة لدى النازية حتى تزيد من عجز موازنات دول الحلفاء.
وفي أثناء الحرب وحتى منتصف السبعينات، نجحت شركات السجائر في استقطاب الممثلين والناجحين وحتى الرياضيين منهم للإعلان عن ماركات سجائر مختلفة، وارتبط التدخين في أفلام السينما والمسلسلات بالنساء الجميلات والرجال الناجحين.
ولما بدأت حملات مكافحة التدخين بسياسة وشعارات التخويف والصور المقرفة لنتائج الإدمان على السجائر، فشلت السياسة في كبح التدخين إلا لدى قلة من الناس، وبدأت شركات السجائر في الترويج لها لدى النساء والأطفال.
ومع الوقت تطورت البحوث الاقتصادية والاجتماعية التي تدعو إلى ترك التدخين حتى فاقت في منطقها وقوتها الأبحاث المضادة الممولة من شركات السجائر، مما دفع الشركات للبحث عن أسواق جديدة لها في العالم النامي. وهكذا نجحت في تغطية الهبوط في مبيعاتها داخل دولها الأصلية.
وينفق العالم العربي على التدخين ما يساوي حوالي 8% من الإنفاق العالمي، أو حوالي 110 مليارات دولار سنوياً، يذهب نصفها على الأقل إلى إيرادات للحكومات. ولو أن هذه المبالغ أنفقت على بناء مشروعات مفيدة لحلت جزءاً كبيراً من أزمة البطالة خاصة بين الشباب.