جدال جديد أُثير في الكويت بعد تقديم اقتراح قانون يمنع تقديم الشيشة للعائلات في البلاد... أي النساء، ودافع البعض عن المساواة بين الجنسين التي ينصّ عليها القانون
رفض المجلس البلدي في الكويت مقترحاً، تقدّم به أحد الأعضاء لمنع تقديم الشيشة للعائلات في المطاعم والمقاهي بدعوى الحفاظ على العادات والتقاليد والصحّة البدنية والنفسية للعائلات، كما جاء في ورقة المقترح الذي قدّمه العضو حمدي نصار العازمي. ووافق ستة أعضاء على الاقتراح بمنع المطاعم والمقاهي من تقديم الشيشة للعائلات، وبالتالي منع تقديمها للنساء واقتصار ذلك على الذكور فحسب، في وقت رفض سبعة أعضاء هذا المقترح، وامتنع عضو واحد عن التصويت. وكان الاقتراح قد قُدّم مرات عديدة في مجالس بلدية سابقة، لكنه كان يتوقف في اللجنة الفنية داخل المجلس البلدي، الذي ترفض دوماً إحالته للتصويت عليه.
ويقول مقدم الاقتراح العضو حمدي نصار العازمي لـ "العربي الجديد": "وجود مقاهٍ تقدّم الشيشة للنساء أمر معيب في ثقافتنا وتقاليدنا وديننا، ولا بدّ من التصدي له في المجلس البلدي. وبما أنّ مشروع القانون الأول لم يمرّ، فإننا سنتقدم بمشروع قانون آخر في وقت قريب بالاشتراك مع مجموعة من الأعضاء. في المقابل، تسبب الاقتراح في ضجة كبيرة في الأوساط المدنية في الكويت، التي رأت فيه تعدياً على الحريات العامة وتفريقاً صريحاً بين حقوق الرجل والمرأة، في مخالفة للدستور الكويتي الذي ينصّ في مادّته 29 على أن الناس "متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين".
وتقول الناشطة شيخة العلي لـ "العربي الجديد"، إنّ مشروع القانون الذي قدّمه عضو المجلس البلدي يمثل فضيحة فكرية ومدنية للكويت، ويعدّ انتهاكاً صريحاً لحق المرأة في ممارسة ما تريد، وفق الضوابط والأعراف التي كفلها الدستور. تضيف: "إذا كان تدخين الشيشة مضرّاً للصحة، وهو أمر نقرّ به بلا شك، فلماذا لم يتقدم العضو بمقترح حظر استخدامها على الرجال والنساء معاً؟ وإذا كان تدخين المرأة للشيشة يهدم الأسرة بحسب زعمه، فإن تدخين الرجل يهدمها كذلك".
في المقابل، يقول أحمد ميرزا وهو شاب كويتي متطوع في جمعية الخريجين لـ "العربي الجديد": "أنا سعيد لأن مشروع القانون قد فشل، لكنني حزين في الوقت نفسه على المستوى المتدني الذي وصلنا إليه في الكويت، من جراء المتاجرة بالقضايا الشعبية، ومحاولة بعض أعضاء المجلس البلدي كسب أكبر عدد من الأصوات المحافظة".
يضيف ميرزا: "الاقتراح جاء بشكل غير معقول لأنه استهدف العائلات، والمقصود هو النساء طبعاً دون الرجال. وكأنّ الضرر الصحي والعادات والتقاليد لا تخصّ سوى النساء، بينما هي حلال للرجال". يتابع: "الاقتراح يحمل مغالطة لكونه ينص على أن الشيشة ليست من عاداتنا، لكن هذا أمر غير صحيح، لأن الكثير من الكويتيين ينحدرون من أصول فارسية أو شامية، والشيشة هي من عاداتهم، ويدخنها النساء والرجال على حد سواء، حتى المحافظون منهم. لكننا نعاني في الكويت من محاولة رسم صورة واحدة عن الثقافة".
عادة ما تقصد سارة أحد مقاهي الشيشة بشكل يومي في ساعة الراحة، التي تحصل عليها في عملها في أحد المصارف وسط العاصمة الكويت مع صديقاتها. تقول لـ "العربي الجديد": "في السابق، كانت الشيشة أمراً مستهجناً، وما زال الأمر كذلك في المقاهي الواقعة في المناطق الجنوبية والشمالية المحافظة. لكن هنا في العاصمة، تبدو الأمور طبيعية بعض الشيء. لكنها ليست طبيعية بالكامل لأنني أدرك أن المصرف لو علم بتناولي الشيشة، فإنه سيوجه إنذاراً لي وقد يفصلني بحجة التعدي على الضوابط الأخلاقية". تضيف: "هناك معايير مجتمعية مزدوجة. لا أحد يتحدث مع المقيمة التي تدخن الشيشة، بينما تجري الأمور بطريقة معاكسة مع المواطنة، لأنهم يعتقدون أنها لا تمثل العادات والتقاليد وهذا غير صحيح".
إلى ذلك، يقول المحامي سلطان العجمي لـ "العربي الجديد": "اقتراح منع تقديم الشيشة للعائلات، والمقصود به النساء طبعاً، هو اقتراح كان سيسقط حتى لو تمت الموافقة عليه في المجلس البلدي، لأن المحكمة الدستورية ستطعن فيه وتؤكد عدم صحته بسبب مخالفته مبادئ الدستور التي تنصّ على المساواة بين الرجل والمرأة". يضيف: "تقديم القانون جاء بطريقة خطأ والترويج له أيضاً جاء بطريقة خطأ، لأن فيه استخداماً لعبارات وصفت من قبل المجتمع المدني في الكويت بأنها ذكورية، وكان من الأفضل اقتراح قانون يحذّر الرجل والمرأة من مخاطر الشيشة، وقيام حملات توعوية ومنع تقديمها للقصر، ومراقبة هذه الأماكن لضمان عدم حدوث أمور غير أخلاقية".
تجدر الإشارة إلى أن المجلس البلدي الذي صوّت ضد الاقتراح، يضطلع بدور كبير في تنظيم السياسات البلدية في الكويت، وينتخب الكويتيون عشرة أعضاء مقسمين على عشر دوائر كل أربع سنوات، وتعيّن الحكومة ستة أعضاء يكونون غالباً مهندسين وخبراء في البلدية والعقار، لتحقيق موازنة بين الإرادة الشعبية والتخطيط الحكومي.
ويشرح المحامي في إدارة الفتوى والتشريع التابعة لمجلس الوزراء في الكويت عبد العزيز عبد الله لـ "العربي الجديد"، مهام المجلس البلدي وسبب تصويته على قانون مثل هذا، والفرق بينه وبين البرلمان. يقول: "يلتبس على الكثير فهم لماذا يقوم المجلس البلدي بالتصويت على قوانين مثل هذه، بينما من المفترض أن يقوم البرلمان بها لكونه هو مجلس الشعب، والجواب هو أن المجلس البلدي يختص بالسياسات البلدية والعمرانية في الكويت وما يتبعها من تنظيم أمور المحالّ والأماكن، التي تقدم الخدمات مثل المقاهي والمطاعم وغيرها". يضيف: "إذا أرادت الحكومة بناء مجمع مواقف في أرض تملكها الدولة وسط العاصمة، فإنّ المجلس البلدي هو من يصوّت بالموافقة في الأمور الفنية، لكن إذا أرادت الحكومة تخصيص ميزانية لبناء هذا المجمع فإنها تحتاج لموافقة مجلس الأمة (البرلمان). وما حدث في قضية الشيشة هو إجراء قانوني خطأ، لأن أعضاء المجلس البلدي لا يمكنهم التصويت على أمور غير فنية مثل هذه أصلاً".