افرحوا يا توانسة..

22 أكتوبر 2014
لشهداء تونس المجد.. وعلينا الوفاء (أ.ف.ب)
+ الخط -

بدأت في تونس، وحملتْها الشعوب الشقيقة إلى أوطانها، تعثّر بعضُها بعقبات هُيِّئَت لها، بينما أُغرق بعضها بالدم والسلاح والتدخل من غير طرف إقليمي وخارجي ذي مصلحة في استمرار قبضة الديكتاتورية. بينما استشرس عسكر انقلابيون على أخرى، بعون نخب طال مكوثها بجوار سجاني الشعب، متغنية بالحفاظ على الدولة والجيش "الوطني" تارةً، وبدعوى التصدي لـ"مؤامرات" كونية على أنظمة "ممانعة"، تارة أخرى. لكن في تونس، حضر الوطن قبل كل شيء.

هي مسيرة ثورات الشعوب العربية، التي افتتحت ثورات القرن الجديد، واضعة له عنوانا خُطّ بيد الشباب العربي، إنه الربيع العربي، صرخة الشباب المتطلع إلى حريته، وإلى وأد جمر القهر والحرمان الذي طال مجتمعاته عقودا طويلة.

وأمام ما وصلت إليه ثورة تونس المجيدة من إنجاز، إذ تقف قبالة عتبة تاريخية، تكون بعبورها سالمة قد رسخت أسسا لحرية خيار المجتمع، نقف اليوم متطلعين إلى جمال قلوب التونسيين، وروعة سعة صدورهم، متواضعين أمام رفضهم تنكيس راية وحدتهم الوطنية، وحرارة حرصهم على منجزهم. فالوطن الحر الديمقراطي المتعدد المنسجم أكبر من الأيديولوجيا، وفيه من السعة ما يتكفل بتقديم درس هوياتي مذهل، مؤشرا إلى صياغة ما هو وطني جامع.

كما أنه لا مجال لتفكيك الاستبداد السياسي، بعيدا عن معالجة أسس التغول الاقتصادي، والتخلص منه. وحيث يكون خيار السعي لبناء ديمقراطية على أساس التعددية المتساوية، انطلاقا من أن تفتيت الشعب/المجتمع إلى هويات مجزأة متناحرة، من ألد أعداء الديمقراطية، وأينما نواجه بنخبة ثورية ديمقراطية ذكية، عرفت كيف تكون الاستفادة من مستويات ونسب التعليم المرتفعة، وحمل المطالب الاجتماعية المختلطة مع سؤال الكرامة الغاضب، لتحولهما دستورا يشكل دعامة من أسس بناء المستقبل الوطني، وحيث الاستفادة والتعلم من امتحانات ديمقراطية متكررة، لا يمكن إلا أن يقود إلى إبداع ينطلق من خصوصية التجربة لصياغة ديمقراطية حداثية لائقة بما قدمه الشعب وقواه المناضلة الحرة، وحيث حسن الاستفادة من حرية الإعلام والتعبير عن الرأي، نعلم أننا في تونس.

ومن المشهود للشعب التونسي وقفته تاريخيا إلى جانب أشقائه من الشعوب العربية، ولا حاجة للإشارة إلى توجهه نحو فلسطين دوماً، ولكن ما ينبغي الاسترشاد به، هو استفادته من حرية الرأي والتحرك والتعبير، وتوظيفها في خدمة قضايا العرب، لا قضاياه الداخلية فقط.

وكما هي العادة، فالغرب لا بد أن يجامل وينافق عندما يتنبه لمصالحه، ولكن هذا ما قام به متأخرا تجاه الشعب التونسي، بعد أن أيقن نجاح ثورته ومضيه قدما في مسار الديمقراطية، لكن الشعب التونسي كان حذقاً واعياً بما يكفي لتمييز أصدقائه، والبحث عما في صالحه وصالحهم، وتمتين الشراكة الوطنية التي تضع دم الشهداء وما ضحوا لأجله وشماً على جبهتها.

كل هذا يصبح طبيعياً، عندما نجد من هذا الشعب من يغار عليه، فيوظف جل طاقته لطمأنة الجمهور على سير الانتخابات بإجماع وطني، وبتوافر ميثاق شرفي يحاصر التجاوزات، ومن يطمئن شعبه، من موقع المتمكن، أن دولة "البوليس" لن تعود. فعلى نادي الدول الديمقراطية أن تلحق تونس للتعلم منها.

لذلك كله، نحاول في هذا العدد من ملحق "جيل"، وهو ملحق للشباب العربي يصدر عن صحيفة الزمن العربي الجديد، في عدده الأول، أن نستأذن تونس بأقلام مروحة من ناشطيها ومناضليها الشباب التي زينت صفحاتنا بحضورها، متحدثة عن ثورتها وحلمها.

إلى الجيل الذي آمن وحلم وامتلك الإرادة ليخلق ثغرة يمر منها النور للأجيال التي تليه مرة، إلى البوعزيزي وقطار شهداء الربيع، برغم كل العقبات، تونس تقول ها أنا ذا!

لشهداء تونس المجد.. وعلينا الوفاء

راسلونا على بريد الملحق: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون