ما زالت أصداء المواجهات، التي جرت مساء أمس، الأربعاء، في حي لكصر في العاصمة الموريتانية نواكشوط، بين الشرطة والسكان، تتفاعل. فقد أزالت قوات الأمن المساكن العشوائية، التي بناها السكان، واعتقلت عدداً من المحتجين.
النزاع يتعلق بمجمع تعود ملكية أرضه لأحد رجال الأعمال. وكانت عائلات بعض العمال البسطاء تسكنه على سبيل الإعارة وقد بنوا أكواخاً فيه. وحين طلب رجل الأعمال إخلاءه رفض السكان، فدخل في نزاع قضائي معهم انتهى إلى الحكم لصالحه. لكنّ السكان رفضوا المغادرة ما استدعى مفاوضات بين الطرفين، انتهت بالاتفاق على تعويض السكان بقطعة أرض أخرى، ونقلهم إليها بالتنسيق مع السلطات المحلية التي تنفذ هذه الأيام حملة للقضاء على المناطق العشوائية.
ومع مجيء وفد السلطات المحلية أمس، الأربعاء، إلى منطقة مستشفى العيون في لكصر، حيث يقع المجمع المعروف بـ"حائط ولد الشيباني"، لتنفيذ الاتفاق، اعترض السكان على ترحليهم ودخلوا فى صدامات عنيفة مع عناصر الشرطة انتهت بانسحاب الوفد وتراجع فرقة الشرطة المرافقة، بعد وقوع إصابات في صفوف عناصرها، وإحراق سيارة لهم.
بعد ذلك وصلت تعزيزات من الدرك والحرس مساء حيث جرى اعتقال عشرات المحتجين، وإزالة المنطقة العشوائية بالكامل، وفتح الطرقات التي كانت مغلقة بسبب المواجهات.
من جهتها، اتهمت السلطات الموريتانية جهات لم تسمها بإثارة الشغب وتحريض السكان على عدم القبول بترحيلهم، فيما اعتقلت قوات أمن بزيّ مدني صباح اليوم، الخميس، نائب رئيس حركة "إيرا" الحقوقية، أمادو تجان جوب.
بدوره، قال حاكم ولاية نواكشوط الغربية، ماحي حامد، للتلفزيون الرسمي إنّ مئات الأشخاص من خارج سكان المخيم العشوائي "يحملون نوايا سيئة"، هم من افتعلوا أعمال الشغب ضد الشرطة. وأكّد أنّ المسؤولين عن "الشغب" سيجري تقديمهم إلى العدالة.
المواجهات أثارت ردود أفعال متباينة باعتبار سكان المخيم العشوائي من فقراء شريحة الأرقاء السابقين (لحراطين). فاعتبر البعض أنّ السلطات الموريتانية وقفت إلى جانب الأغنياء في وجه فقراء لا يملكون مكاناً للسكن، وهو مؤشر على غياب العدالة الاجتماعية، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، فيما دافع البعض الآخر عن إجراءات السلطات حماية لحق الملكية الخاصة وتطبيقاً للقانون.
وفي هذا الإطار، قال الناشط في "ميثاق لحراطين"، أبو بكر ولد المامي، لـ"العربي الجديد":
"أشعر بالأسف البالغ لما وصلت إليه الأوضاع يوم أمس، في الحي المعروف باسم كزرة مستشفى بوعماتو، من أضرار وخسائر في صفوف السكان وعناصر الشرطة على حد سواء". وأضاف: "أحمّل كامل المسؤولية للجهات الرسمية إدارية كانت أو قضائية أو أمنية، فهي التي أمرت أو شاركت في تنفيذ هذا الإجراء التعسفي بترحيل مواطنين فقراء، بعضهم يقطن في هذا المكان منذ عشرين سنة، بطريقة تفتقر إلى الحكمة ومن دون إيجاد بديل لهم".
وطالب ولد المامي بـ"الإطلاق الفوري لسراح جميع المعتقلين، وتقديم بديل علني وفي مكان مقنع لهؤلاء السكان، وأن يوضع في الاعتبار أنهم سينقلون من مكان كانت تتوفر لديهم فيه فرص عمل إلى مكان جديد. وعليه يجب تعويضهم مادياً، ومعنوياً بالاعتذار لهم".