تحوّل المدخل الجنوبي لجامعة صنعاء، أمس السبت، إلى ساحة استعراض مسلح لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في المساحة التي لا تتعدى عشرات الأمتار، في محاولة لإيصال رسالة تهديد إلى طلاب الجامعة الأكبر في اليمن، بأن القوة هي التي ستواجه أي تحركات شعبية احتجاجاً على الأوضاع المعيشية المتدهورة، بالترافق مع التظاهرات التي شهدتها مناطق جنوبية، تنديداً بسياسات التحالف السعودي والإماراتي، المتهم بالمسؤولية عما آلت إليه البلاد، بعد نحو أربع سنوات من الحرب.
وأكد سكان في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، أمس السبت، أن الحوثيين نشروا قوات عسكرية وأمنية، معززة بالآليات، في مناطق مختلفة في العاصمة، بما في ذلك أمام بوابة الجامعة، التي كانت النقطة الأولى لتظاهرات ثورة الشباب في عام 2011، وكذلك في ميدان التحرير الواقع في قلب صنعاء. كما سيّروا دوريات على متنها مسلحون يهتفون بشعارات الجماعة. واعتقلت فرق شرطة نسائية تابعة للحوثيين العديد من الطالبات في جامعة صنعاء، إلى جانب اعتقال طلاب آخرين على أيدي القوات الموالية للجماعة، اتُهموا بمحاولة تنظيم وقفة احتجاجية، تنديداً بالأزمة الاقتصادية وما رافقها من ارتفاع مهول في أسعار السلع، وصل إلى أكثر من الضعف، بالمقارنة بما كانت عليه قبل أربع سنوات. وتحوّل الانتشار المسلح للحوثيين إلى ما يشبه استعراضات عسكرية، لإيصال رسائل تهديد إلى السكان الذين يفكرون في التظاهر ضد الجماعة. وأدت مجمل التحركات الحوثية إلى حالة من الرعب والقلق لدى المواطنين، الذين يعيشون أوضاعاً صعبة، بالإضافة إلى حالة التذمر الواسعة، الناتجة عن عدم تسليم موظفي القطاع العام، في مناطق سيطرة الجماعة، منذ عامين، مرتباتهم، فضلاً عن مضاعفات الأزمة، التي تلقي بظلالها على مختلف الشرائح الاجتماعية والقطاعين العام والخاص، ما أدى إلى فقدان عدد كبير من اليمنيين مصادر دخلهم، في السنوات الأخيرة.
وكانت مخاوف الحوثيين واضحة، في الخطاب الأخير لزعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، الخميس الماضي، والذي ألقاه بمناسبة "ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي"، الذي يُنسب إليه المذهب الزيدي، ثاني أكبر المذاهب انتشاراً في اليمن. وقال الحوثي "علينا أن نثور ثورة الجياع إلى الجبهات (أي دعم صفوف الجماعة على الجبهات بالمقاتلين) وعلى العدو، لا أن نثور على أنفسنا". وأضاف "فلنثُر ثورة الجياع على عدونا الذي نقل البنك المركزي واحتل منابع ثرواتنا النفطية ومنع حركة الموانئ والمطارات"، مضيفاً أن "الذين ينادون إلى جرّ الناس للفوضى في الداخل يوجهون البوصلة إلى غير محلها". وبرزت لغة التهديد على لسان قيادات أخرى، بما فيها رئيس الدائرة السياسية لمكتب "أنصار الله"، والذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية في الحكومة التابعة للجماعة، حسين العزي، إذ قال، في تغريدة، إن "تضحيات شعبنا ودماء شهدائنا الذين يملأون كل سهل وجبل تمنحنا مطلق الحق في التنكيل بالعدو الأجنبي"، وسحق من وصفهم بـ"مرتزقته الرخاص، وطحن كل ذيوله وامتداداته ونشاطاته تحت أي عنوان كان وفي أي زمان ومكان". وجاء الاستنفار الحوثي، على الرغم من محدودية الفرص أمام أي تحركات جماهيرية ضمن ما يُسمى بـ"ثورة الجياع"، في مناطق سيطرة الجماعة، التي تفرض فيها سلطتها بـ"الحديد والنار"، وتعتقل معارضيها. وسعى الحوثيون، خلال الأيام الماضية، إلى أن يكونوا المنظم الحصري لأي فعل جماهيري، من خلال تنظيم التظاهرات والمهرجانات المنددة بالأزمة الاقتصادية، وكان أبرزها، الجمعة الماضي، في منطقة باب اليمن.
الجدير بالذكر، أن غالبية المدن اليمنية تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أثرت على مختلف نواحي الحياة وعلى الغالبية المطلقة من السكان، بعد فقدان الريال اليمني ما يقرب من 70 في المائة من قيمته، منذ بدء الحرب. وعلى إثر ذلك، بدأت التظاهرات الغاضبة تخرج في عدن وحضرموت، وامتدت إلى تعز أخيراً. وتوجهت الاحتجاجات خلالها بصورة أساسية، ضد التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، وهما الدولتان اللتان تمسكان بزمام الأمور في المحافظات الشرقية والجنوبية لليمن، وتقومان بممارسات تُقصي الحكومة الشرعية وتمنعها من الاستفادة من الموارد الأساسية. وعلى الرغم من اتفاق غالبية اليمنيين على مسؤولية التحالف عن الأزمة اليمنية، إلا أن الحوثيين، الذين يُحكمون السيطرة على صنعاء ومحيطها، هم الطرف الآخر، المسؤول في نظر الكثير من اليمنيين عما آلت إليه الأوضاع في السنوات الأخيرة، وهو ما دفع الجماعة إلى الاستنفار، بصورة لافتة، في صنعاء، تخوفاً من أن تتحول أي احتجاجات إلى فرصة لانضمام يمنيين متضررين من الجماعة، بما في ذلك موظفو الدولة، الذين ساءت أوضاعهم إلى أبعد حد، نتيجة انقطاع مرتباتهم، التي لم تعد كافية بالأصل، بالنظر إلى تضاعف أسعار السلع كنتيجة للأزمة منذ سنوات.