انعكست الاقتحامات الإسرائيلية المتواصلة للمسجد الأقصى على العلاقة بين الحكومة الأردنية من جهة، وجماعة "الإخوان المسلمين" التي أصبحت بحكم المحظورة منذ مارس/آذار الماضي، من جهة ثانية، بحيث أحدثت تغييراً تكتيكياً، ما أتاح للجماعة الخروج بحرية إلى الشارع الذي حُرمت منه طويلاً كي تعبّر في مسيرات جماهيرية عن موقفها وموقف الشعب الأردني الرافض للاقتحامات الإسرائيلية، دون أن تعيق قرارات المنع الرسمية تلك المسيرات لقناعة الرسميين الأردنيين أن الغضب الشعبي يمكن أن يكون ورقة ضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلية.
اقرأ أيضاً: إسرائيل والأردن ومسألة الأقصى
منذ مارس/آذار الماضي الذي شهد في بدايته ترخيص جمعية سياسية تحمل اسم "جماعة الإخوان المسلمين" لترث الجماعة التاريخية، جرى تكبيل الأخيرة خصوصاً بعدما أصبغت الحكومة على الجمعية الحديثة الشرعية وتعاملت معها وريثاً للجماعة التي ضيق على نشاطاتها وفعالياتها الجماهيرية، وأصبح المنع سيفاً مشهراً في وجهها مشفوعاً بعدم قانونيتها وانتحالها اسم جمعية مرخصة.
لكن الأيام الماضية التي سجل فيها الأردن الرسمي غضباً غير مسبوق على ما تقوم به إسرائيل من اقتحامات للمسجد الأقصى الواقع تحت وصايته، كشف حاجته الملحة لغضب شعبي يتناسب ومستوى التصريحات "النارية" التي أطلقها الملك، عبدالله، والتي حذر فيها من خطر الاستفزازات الإسرائيلية على مستقبل العلاقة مع المملكة التي تربطها بإسرائيل علاقة سلام منذ العام 1994 (وادي عربة). لكن من يملك أن يحرك الشارع؟ وهنا جاءت الحقيقة المُرّة وهي أن جمعية "الإخوان المسلمين" الفتية أثبتت فشلها وعجزها عن وراثة الشارع بعدما ورثت رسمياً اسم الجماعة المحظورة.
وفي ظل هذه الظروف، كان المنقذ الجماعة التاريخية التي لم تنتظر ضوءاً أخضر من الحكومة للتحرك، كونها تواقة للشارع، فضلاً عن كون القضية الفلسطينية خصوصاً المسجد الأقصى تأتي في مقدّمة أولوياتها وبرنامج عملها، فدعت دون انتظار لسلسة من الفعاليات الجماهيرية، رفعت فيها أعلام الجماعة بشكل مكثف، وتصدرتها رموز الجماعة وقياداتها التي كانت قبل أيام أسيرة المكاتب. في المقابل، تغاضت الحكومة عن إعلان الجماعة المبكر عن فعالياتها الجماهيرية ما يعكس رغبتها غير المعلنة بتنفيذها.
ويؤكد القيادي في جماعة "الإخوان المسلمين"، مراد العضايلة، لـ"العربي الجديد"، أن جماعته لا تعمل على "ريموت كنترول (جهاز تحكّم)" الحكومة، وأن الفعاليات التي نفذتها نصرة للأقصى جاءت انطلاقاً من واجبها الشرعي، وليس بتوجيه رسمي، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّه لم يصل الجماعة أي اعتراض على أي من الفعاليات التي تنفذها سواءً عند الإعلان عنها أو بعد الانتهاء منها.
لكن العضايلة يدرك أن الفعاليات الجماهيرية التي نفذتها الجماعة سيصار إلى استغلالها سياسياً من قبل حكومة بلاده كورقة ضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي كي تضغط بالتالي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها بحق المسجد الأقصى، ويقول "لو استجاب (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين) نتنياهو للتصريحات الرسمية الأردنية، وأوقف الانتهاكات، لربما لم يسمح لنا بالخروج إلى الشارع، أو لتمت مضايقة أفراد من الجماعة ممن شاركوا في المسيرات".
لكن الجماعة استثمرت في المسيرات بشكل تعدى حدود الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وذكّرت في جميع فعالياتها بالربيع العربي الذي يخوض معركة مع الثورات المضادة التي تدريها الأنظمة العربية ضده، بل وحملت الأنظمة بما فيها النظام الأردني المسؤولية الكاملة عن الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، معتبرة أنها تأتي تتويجاً لما أقدمت عليه الأنظمة من عرقلة لنهضة الأمة التي بدأت مع انطلاق ربيعها.
وفي الإطار نفسه، أرجع مصدر حكومي منع الفعاليات الجماهيري التي نفّذتها جماعة "الإخوان المسلمين"، إلى عدم وجود اعتراض من قبل أي جهة على تلك الفعاليات.
يذكر أن منع فعاليات "الإخوان" كان يسبقه اعتراض رسمي من قبل جمعية "الإخوان" على إقامة تلك الفعاليات، على اعتبار أن الجهة الداعية لها تنتحل صفة الجمعية القانونية.
وبحسب المصدر، والذي فضل عدم نشر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإنّ "دور الجهات الرسمية ينحصر في تطبيق القانون، دون انحياز لجهة على حساب أخرى". لكنه أقرّ بأن الغضب الشعبي يعزز من موقف الحكومة في الضغط لوقف الاستفزازات الإسرائيلية.
ورأى المصدر أن المطالبات الشعبية بطرد السفيرة الإسرائيلية من عمّان واستدعاء السفير الأردني من تل أبيت، ما هي إلا أحد أوراق الضغط، قائلاً إن "استدعاء السفير الأردني من تل أبيب، ورقة ضغط تستغل لتحقيق أهداف سياسية، واستخدامها يكون عندما نصل إلى طريق مسدود".
التغير التكتيكي في العلاقة والذي فرضه ظرف موضوعي يتفق العضايلة والمصدر الحكومي أعلاه أنه لن يتطور إلى تغيير استراتيجي أقلّها في المدى القريب، في العلاقة بين الطرفين. وأكّد المصدر التزام بلاده بتنفيذ القانون، بمعنى أنه سيصار إلى منع فعاليات مستقبلية للجماعة في حال وجد اعتراض عليها. فيما رأى العضايلة أن الحديث عن عودة الأمور إلى سابق عهدها من حديث مبكر.
اقرأ أيضاً: غضب الأردن من الانتهاكات الإسرائيلية لا يصل لاستدعاء السفير