انتقلت المعركة حول ليبيا من كونها عسكرية فقط تتركز في محيط العاصمة الليبية طرابلس التي تحاول مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التقدم باتجاهها من دون تحقيق أي نجاح يذكر، إلى مواجهة سياسية أيضاً، إذ انفجر الصراع بين داعمين رئيسيين لطرفي النزاع في ليبيا، تركيا المساندة لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج وروسيا الداعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر، مع تبادل اتهامات بين موسكو وأنقرة حول تقديم كل طرف دعماً عسكرياً لأتباعه على الأرض، التي يبدو أنها تتجه إلى مزيد من الاشتعال، مع منح مليشيات حفتر القوات التابعة إلى حكومة الوفاق، والآتية من مصراتة، 3 أيام للانسحاب من طرابلس ومدينة سرت، وذلك بالتزامن مع تصعيد استهداف مصراتة من خلال القصف الجوي.
وبدت الجبهة السياسية خلال الساعات الماضية أكثر سخونة من محاور القتال. ولم تكد حكومة الوفاق الليبية تعلن أنها صدّقت على اتفاق التعاون العسكري والأمني مع تركيا، حتى أعربت موسكو عن قلقها من هذا الأمر. وأعلن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الروسية، في تصريح للصحافيين أمس الجمعة، أن "الاتفاقية المبرمة بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية، وكذلك إمكانية إدخال القوات التركية إلى ليبيا تسبب قلقاً بالغاً لموسكو". وقال "هذا يثير العديد من التساؤلات، فهو يؤثر على مصالح الدول المجاورة، والوضع معقد"، معرباً عن قلق موسكو من هذا الأمر. وأضاف المصدر "هناك قرارات من قبل مجلس الأمن الدولي، وهناك قرارات بشأن حظر الأسلحة، لذلك هناك الكثير من الأسئلة. وإلى أن يتم حل النزاع، يمكن لهذا التدخل العسكري الخارجي أن يعقد الوضع". وكانت وسائل إعلام ليبية ذكرت، أول من أمس الخميس، أن حكومة السراج قررت في اجتماعها الأخير طلب الدعم النوعي واللوجستي من تركيا.
وشدد أردوغان على "عدم إمكانية وقوف تركيا مكتوفة الأيدي حيال التطورات في محيطها الإقليمي بشكل عام، وذلك في معرض رده على انتقادات أوساط معارضة في تركيا، تسأل باستمرار ماذا نفعل هناك؟". وأوضح أن "الغرب تدخل في العراق وسورية تحت مظلة التحالف ضد داعش، لكن أحدا لم يسألهم: ماذا تفعلون هناك؟". وأضاف "كما أن أحداً لم يسأل: ماذا تفعل مصر في ليبيا؟ ماذا تفعل حكومة أبوظبي في ليبيا؟". وكانت إشارات صدرت عن أردوغان أخيراً تشي بتقارب روسي تركي بشأن مستجدات الوضع في ليبيا. وقال أردوغان إن وفدا تركيا سيتوجه قريباً إلى موسكو لبحث التطورات الأخيرة في ليبيا، وذلك قبل يوم من بيان للكرملين أكد فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه سيناقش مع الرئيس التركي خطة تركية لإرسال دعم عسكري لطرابلس، في وقت تراجعت فيه حدة تعليقات قادة موسكو بشأن الاتفاق الموقع بين أنقرة وطرابلس.
في هذه الأثناء، طالب السراج، أمس الجمعة، الولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا وإيطاليا والجزائر بتفعيل الاتفاقيات الأمنية مع ليبيا والبناء عليها. وذكر المكتب الإعلامي للسراج، في بيان على صفحته على "فيسبوك"، أن "السراج طالب الدول الخمس بمساعدة حكومة الوفاق في صد العدوان على طرابلس من أي مجموعات مسلحة خارج شرعية الدولة حفاظاً على السلم الاجتماعي، ومن أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا"، في إشارة إلى مليشيات حفتر التي تشن هجمات بمحيط العاصمة منذ إبريل/نيسان الماضي. كما دعا السراج الدول الخمس أيضاً إلى "التعاون مع حكومة الوفاق في مكافحة المنظمات الإرهابية، على رأسها تنظيما داعش والقاعدة اللذان زاد نشاطهما بسبب العدوان". وحث هذه الدول على "تكثيف التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر". وأشار البيان إلى أن مجلس الوزراء عقد اجتماعاً استثنائيا بالعاصمة طرابلس، برئاسة السراج، وحضور نائبي رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، وعبد السلام كاجمان، وعضوي المجلس محمد عماري زايد، وأحمد حمزة، والوزراء، وقادة المناطق العسكرية. وكانت حكومة الوفاق أقرت بالإجماع، أول من أمس الخميس، تفعيل مذكرة التفاهم الأمني والعسكري الموقعة مع تركيا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
في هذه الأثناء، شددت مصادر في وزارة الخارجية الإيطالية، بحسب وكالة "آكي" أمس الجمعة، على أن حل الأزمة الليبية يبقى "سياسياً وليس عسكرياً"، مضيفة "لهذا السبب نستمر في رفض أي نوع من التدخل الخارجي" في الصراع العسكري الدائر هناك. وأوضحت المصادر، بعد رسائل السراج التي وجهها على 5 دول بينها إيطاليا، أنه "عوضاً عن التدخل فإن إيطاليا تواصل تعزيز عملية تحقيق استقرار شاملة ليبية-ليبية، والتي تمر عبر القنوات الدبلوماسية والحوار". من جهتها، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في بيان، أنها تأسف للتطورات الأخيرة وللتصعيد العسكري المتفاقم بالبلاد، وتبادل التخوين وتعريض وحدة ليبيا للخطر. وشددت البعثة على حتمية الحل السياسي للأزمة التي تشهدها البلاد. وأكدت، في بيانها، أنها "ماضية قدماً في مسعاها الحثيث لترميم الموقف الدولي المتصدع حيال ليبيا، ولحث الليبيين على العودة لطاولة التفاوض في سبيل حقن الدماء الزكية، ووقف التقاتل، ووقف إنزال المزيد من النوائب بالمدنيين الآمنين".
وطالبت المليشيات التابعة لحفتر، في بيان، جماعات مصراتة المسلحة، التي تدافع عن العاصمة، بالانسحاب من طرابلس ومدينة سرت الساحلية. وطوال شهور خاضت المليشيات والجماعات المسلحة اشتباكات عنيفة على الأطراف الجنوبية لطرابلس، غير أن القتال توقف على معظم الجبهات. وحذرت مليشيات حفتر الجماعات المسلحة التابعة إلى مصراتة من أنه في حال عدم انسحابها فإن "استهداف مصراتة سيتواصل يوميات دون انقطاع وبشكل مكثف لم يسبق له مثيل نهاراً وليلاً". وتابع البيان، الذي تلاه المتحدث باسم المليشيات اللواء أحمد المسماري إن "سلاح الجو العربي الليبي الذي رفع قدراته عدداً ونوعاً في شرق وغرب وجنوب البلاد يعلن ومن باب قوة أنه لن يتم استهداف المنسحبين من طرابلس وسرت إلى مصراتة لمدة 3 أيام فقط (تنتهي مساء غد الأحد) لا أكثر مع الاحتفاظ بحق استهداف أي معدات جديدة يتم نقلها لمصراتة وتخزينها فيها".
وكان المتحدث باسم مليشيات حفتر اللواء أحمد المسماري أعلن أن ما سماه "سلاح الجو الليبي" استهدف "أهدافا عسكرية في مدينة مصراتة"، مشيراً إلى "تدميرها بالكامل حيث نجمت عنها انفجارات متتالية، توضح حجم المخزون العسكري التركي فيها". في هذه الأثناء، زعم مصدر عسكري تابع لمليشيات حفتر، في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية، عن أن "هناك فرق اقتحام وقناصة أتراكا يقاتلون في صفوف حكومة الوفاق في محور خلة الفرجان في العاصمة طرابلس". وقال "مدير إدارة التوجيه المعنوي" لدى مليشيات حفتر اللواء خالد المحجوب، لقناة "روسيا اليوم"، إن "المعارك تزداد شراسة في ليبيا، ونحن الآن على تخوم منطقة صلاح الدين بطرابلس"، مشيراً إلى أن المليشيات "ستدخل المنطقة في أية لحظة".
في المقابل، أعلنت القوات التابعة إلى حكومة الوفاق الليبية، أمس الجمعة، شن قواتها هجوماً على تمركزات لمسلحي حفتر داخل إحدى المناطق في مدينة ترهونة. وقال المتحدث باسم عملية "بركان الغضب" مصطفى المجعي إن "قواتنا تشن هجوماً على تمركزات لمسلحي حفتر في منطقة سيدي الصيد، داخل الحدود الإدارية لترهونة" التي تبعد 90 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس. وأضاف أن "الطيران المسير الداعم لحفتر شنّ ضربات في محور صلاح الدين جنوبي طرابلس، دون تسجيل أي إصابات في صفوف قواتنا". ولفت المجعي إلى "سقوط عدة قذائف صاروخية من جانب مسلحي حفتر على منطقة صلاح الدين، دون الإشارة إلى وقوع إصابات".