استهداف مستشفيات سورية... أهالي إدلب يُحرمون من الرعاية الطبية

ريان محمد

avata
ريان محمد
06 فبراير 2018
04B405C4-22AF-47F6-B23F-0D82E3BA2266
+ الخط -

القصف يلاحق المدنيين السوريين إلى المستشفيات التي تستقبلهم بعد تعرّضهم إلى إصابات من جرّاء قذائف وصواريخ سقطت عليهم في وقت سابق. ويتفاقم الوضع في الأيام الأخيرة.

يُحرم عشرات آلاف المدنيين في ريف إدلب من حقهم في الرعاية الطبية التي تعدّ من حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، مع الاستمرار في استهداف المستشفيات والنقاط الطبية بطريقة مباشرة عبر القصف الجوي، وذلك وسط عمليات عسكرية يقول ناشطون إنّها تهدف إلى تهجير المدنيين مثلما حدث في سنجار ومحيطها أخيراً.

تفيد مديرية الصحة في إدلب، التابعة للمعارضة، بأنّ غارات الطيران الحربي الروسي أو التابع للنظام السوري دمّرت خلال اليومَين الأخيرين، الأحد والإثنين، مستشفى كفرنبل الجراحي (مستشفى أورينت سابقاً) من جرّاء استهدافه بشكل مباشر بأربع غارات جوية بالصواريخ الفراغية، الأمر الذي تسبب في أضرار كبيرة وخروجه عن العمل. المستشفى الوطني في مدينة معرّة النعمان استهدف كذلك بغارات وصار خارج الخدمة، والأمر نفسه بالنسبة إلى مستشفى سرجة في مدينة أريحا والمركز الصحي في بلدة تل مرديخ.

أم شادي من سكّان كفرنبل، تشكو لـ"العربي الجديد" قائلة إنّ "القصف والجوع في كفّة وأن يتألم أحد أفراد الأسرة ولا يجد نقطة طبية أو مستشفى أو طبيب يسعفه في كفّة أخرى. فبعد تدمير مستشفى كفرنبل الجراحي، صار لزاماً على كلّ من يحتاج عناية طبية أن يتوجه إلى مدينة إدلب عبر طريق غير آمن، إذ إنّ الطيران يستهدف السيارات التي تعبره بين حين وآخر. بالتالي على المريض أن يغامر بحياته إذا أراد الحصول على العلاج". وتشير إلى أنّ "عائلتي تفكّر جدياً بالنزوح إلى المناطق الحدودية في ريف إدلب الشمالي بعد استهداف المستشفى، إذ إنّ تلك المناطق قد تكون أكثر أمناً اليوم، خصوصاً أنّ ثمّة حديثاً عن نيّة النظام استعادة المدينة وأنّ هيئة تحرير الشام تسلّمه المناطق واحدة تلو الأخرى".

ويفيد أحد القائمين على "مركز كفرنبل الإعلامي" بأنّ "المستشفى صار خارج الخدمة بصورة كاملة"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا المستشفى وبعد خروج مستشفى المعرّة عن العمل، صار أقرب نقطة طبية يمكن أن يلجأ إليها أهالي كفرنبل البالغ عددهم نحو 45 ألف مدني". ويؤكد أنّ "لهذا الاستهداف تبعات خطيرة جداً بالنسبة إلى المدنيين في حال استهداف مناطقهم، خصوصاً بعد قصف حيّ سكني أوّل من أمس". ويلفت إلى أنّ "البدائل المتوفّرة هي بدائية ومحدودة، كذلك فإنّ توفير الأدوية أمر صعب".


وتقول مصادر محلية في معرّة النعمان لـ"العربي الجديد"، إنّ "قصف مستشفى المعرّة أتى مأساوياً، إذ دمّر جزء منه واندلعت فيه النيران، الأمر الذي دفع الأهالي وعناصر الدفاع المدني إلى إخلاء الجرحى والمرضى بعد الغارات الأولى. فراحوا يحملونهم وينقلونهم إلى العراء في سباق مع الوقت قبل أن تسقط صواريخ الطائرات فوق المدنيين من جديد". تضيف المصادر المحلية نفسها أنّ "المشهد الأكثر إيلاماً كان في الحاضنات الخاصة بحديثي الولادة. فراح الأهالي يحضنون أطفالهم ولا يدرون إلى أين يتوجّهون بهم، ولا سيّما أنّهم مهدّدون بفقدانهم بين لحظة وأخرى إذ لا تتوفّر أماكن بديلة لهم". وتشرح المصادر أنّ "طائرات القوات الروسية استهدفت المستشفى بستّ ضربات جوية، اثنتان منها بالنابالم الحارق وأسفرت عن خروج المستشفى عن الخدمة".

في السياق، يقول وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، فراس الجندي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "النظام والروس يحاولون تهجير الأهالي وإفراغ المنطقة من أهلها عبر ضرب البنى التحتية، خصوصاً المستشفيات لإفقاد الثورة حاضنتها الشعبية عبر الضغط عليها"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة 10 مستشفيات تقريباً جرى استهدافها أخيراً". ويؤكد أنّ "استهداف مستشفى معرّة النعمان أتى من خلال ستّ غارات متتالية، ما أدّى إلى خروجه عن الخدمة. بالتالي، لم يعد هناك أيّ مستشفى فيها. وكانت الغارات قد استهدفت مستشفى السلام قبل ثلاثة أيام، ولم يسلم كذلك مستشفى كفرنبل الجراحي. وفي منطقة سراقب، المستشفيات كلها صارت خارج الخدمة".

ويقدّر الجندي "عدد المدنيين الذين حُرموا من الخدمات الطبية من جرّاء استهداف المستشفيات بنحو 500 ألف مدني"، شارحاً أنّ "من شأن ذلك أن يزيد العبء على المستشفيات في الريف الغربي وتلك الموجودة في المناطق الشمالية على الحدود السورية التركية". ويتابع أنّ "المجتمع الدولي برمّته ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، كلّها شريكة في جرائم النظام والروس، بصمتها القاتل وعدم اتخاذها مواقف صارمة توقف الانتهاكات التي تُرتكب في حق المدنيين".

على أثر غارات ليلة أوّل من أمس (عمر حاج قدور/ فرانس برس)

وفي الإطار، كان الدفاع المدني قد أفاد عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك" أمس الإثنين بأنّ ثلاثة شهداء من عائلة واحدة وأكثر من 20 جريحاً سقطوا نتيجة غارات الطيران الحربي الروسي التي استهدفت مدينة إدلب مساء الأحد. أضاف أنّ فرقه عملت على انتشال الشهداء وتمكّنت من إخراج طفل على قيد الحياة من بين الركام.

ويوضح أحد المعنيين في الدفاع المدني في إدلب لـ"العربي الجديد" أنّ "خلال الساعات الماضية قُصف مستشفى معرّة النعمان المركزي ومستشفى كفرنبل الجراحي، الأمر الذي دفع بنقل الجرحى في سراقب إلى مدينة بنش وسرمين، حيث تتوفّر نقاط طبية صغيرة في غياب المستشفيات. يضيف أنّ "محافظة إدلب من خان شيخون إلى سراقب إلى مدينة إدلب، لا يتوفّر فيها أيّ طريق آمن لنقل الجرحى والحالات الصحية عبره. فالطرقات كلها مستهدفة من قبل الطيران الحربي".

من جهته، يصرّح مدير المكتب الإعلامي في "المجلس المحلي في سنجار" في ريف إدلب، محمد أبو خالد، لـ"العربي الجديد"، بأنّ "الطيران الروسي دمّر كل مستشفيات منطقة معرّة النعمان. وعلى الرغم من قساوة الظروف يجري إسعاف الجرحى إلى المناطق الحدودية، في حين أنّ الطرقات المؤدية إلى المناطق الغربية تُستهدَف برشاشات الطيران الحربي، الأمر الذي يهدّد حياة الناس الذين لا تتوفّر لهم سوى إسعافات أولية قليلة فقط".


إلى ذلك، تشير مصادر معارضة في دمشق لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ثمّة مخططاً لتهجير أهالي ريف إدلب في اتجاه الحدود السورية التركية، في محاولة للضغط على الجانب التركي، بالإضافة إلى تقليب الأهالي عليه. فكلّ العمليات التي تُشَنّ اليوم تجري باسم قتال النصرة (هيئة تحرير الشام) التي كان لها دور كبير في إضعاف فصائل المعارضة المسلحة". تضيف المصادر المعارضة أنّ "الوضع الإنساني في إدلب عموماً مأساوي جداً، في ظلّ تغييب مقصود للمجتمع الدولي في ما يخصّ عمل المنظمات الإنسانية الدولية. ومئات آلاف النازحين من ريف حماة الشرقي وريف إدلب الجنوبي هم في العراء وفي أوضاع إنسانية سيئة جداً، خصوصاً أنّنا في فصل الشتاء وما يحمله من برد وأمطار". وتتابع المصادر المعارضة نفسها أنّ "سياسة الضغط على المدنيين ودفعهم إلى النزوح من مناطقهم أصبحت جليّة. فنحن نرى أنّ كلّ عملية عسكرية تبدأ باستهداف النقاط الطبية والمستشفيات والأفران وآبار المياه والأسواق، وهي تهدف إلى حرمان السكان من أبسط مقوّمات الحياة ومن ثمّ اعتماد سياسة الأرض المحروقة، فلا تُترَك أيّ فرصة للمدنيين للبقاء في منازلهم".

تجدر الإشارة إلى أنّه منذ نهاية عام 2017 المنصرم، تُشَنّ عمليات عسكرية على ريفَي حماة وإدلب تسبّبت في تهجير أكثر من 500 بلدة كان يسكنها مئات آلاف السوريين. ويزداد عدد النازحين يومياً وسط أوضاع إنسانية يصفها ناشطون بالكارثية، بالتزامن مع صمت المجتمع الدولي وغياب منظماته الإنسانية. فيُترَك المدنيون وحدهم في مواجهة الموت، إمّا قصفاً أو جوعاً وبرداً.

ذات صلة

الصورة
الهلال الأحمر القطري يفتتح قريتين سكنيتين شمال غرب سورية، 18 نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل منظمة الهلال الأحمر القطري العمل في الإسكان الإنساني في مناطق شمال غربي سورية، حيث افتتحت قريتين في منطقة كفر جالس غربي مدينة إدلب.
الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
معاناة النازحين في سورية، 12 نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواجه عائلة علي إدريس واقعاً قاسياً في ظل الفقر المدقع الذي تعيشه، ذلك بعد نزوحها من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب جنوبي سورية قبل خمسة أعوام
المساهمون