في هذا السياق، اتهمت "جبهة فتح الشام"، التي سبق أن أعلنت فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، يوم الثلاثاء، طيران التحالف الدولي باستهداف أحد مقراتها المركزية في بلدة سرمدا، شمال غربي إدلب، ما أدى إلى مقتل 20 شخصاً. وأكد ناشطون أن طائرات مجهولة الهوية استهدفت مركز احتجاز تابع للجبهة، ما أدى إلى مقتل واصابة عدد من المعتقلين، وعناصر تابعين للجبهة. وقد قُتل يوم الأحد الماضي أيضاً، قياديون بارزون في الجبهة، بغارة من طائرة مجهولة الهوية استهدفت سيارة كانت تقلهم في ريف إدلب، هم خطاب القحطاني، والقيادي البارز أبو عمر التركستاني، وأبو معتصم الديري. مع العلم أن التحالف الدولي استهدف منذ بدء عملياته الجوية في سورية منتصف عام 2014، العديد من القيادات البارزة في "جبهة فتح الشام"، وفصائل ذات مرجعيات إسلامية.
كما استهدف الطيران الروسي منذ سبتمبر/ أيلول من عام 2015، قيادات أخرى في الجبهة، في استراتيجية الهدف منها إضعاف الجبهة المصنّفة ضمن ما تُوصف بـ"التنظيمات الإرهابية" من قبل مجلس الأمن الدولي. ولقي عدد من قادة الجبهة مصرعهم في الغارات خلال العامين الأخيرين، لعل أبرزهم رضوان النموس (أبو فراس السوري)، الذي كان متحدثاً باسم الجبهة، وقتل مع ابنه بغارة استهدفت معسكراً للجبهة على أطراف مدينة إدلب، مطلع إبريل/ نيسان الماضي. وكان القتيل من قادة الجبهة البارزين، وتولى مهاماً متعددة فيها، منها مسؤولية المكتب العسكري، فقد كان ضابطاً في جيش النظام قبل أن يذهب لقتال الروس في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. كما قُتل في التاسع من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي أحد القياديين في الجبهة، وهو أبو عمر سراقب، الذي كان يتولى مهمة القائد العسكري لـ"جيش الفتح"، الذي تشكّل الجبهة ثقله الرئيسي في غارة جوية في ريف حلب نفت الولايات المتحدة أي دور لها فيها.
وتتواصل الحملة على "جبهة النصرة" على الرغم من تغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام"، في أواخر شهر يوليو/ تموز الماضي، وإعلان انفصالها عن تنظيم "القاعدة". ويصنف المجتمع الدولي الجبهة في خانة "التنظيمات الإرهابية"، مصراً على شمولها مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في نسق واحد.
وكان زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني، ظهر للمرة الأولى في تسجيل مصور، ليعلن أن "فكّ الارتباط جاء تلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي"، موضحاً أن "للجبهة أهدافاً من ضمنها العمل على إقامة دين الله، وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين كل الناس، وحماية الجهاد الشامي، والاستمرار فيه، واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك". وأدى إعلان الجولاني فك الارتباط بـ"القاعدة" إلى حدوث حركة انشقاق داخل الجبهة من قبل قياديين فيها ظلّوا على ولائهم لزعيم التنظيم أيمن الظواهري.
وكانت "جبهة النصرة" قد ظهرت مطلع عام 2012، قبل مرور العام الأول من انطلاق الثورة السورية، وقامت بعمليات عسكرية عدة ضد مواقع تابعة للنظام في العاصمة دمشق، قبل أن تصبح من التنظيمات العسكرية المهمة التي تقاتل قوات النظام في كل سورية. وأعلنت الجبهة اختلافها مع "داعش"، ودخلت معه في صراع دموي أدى إلى انسحابها بالكامل من مواقع سيطرتها في المحافظات الشرقية (الرقة، ودير الزور، والحسكة). وتموضعت في محافظة إدلب التي سيطرت عليها بشكل كامل خلال عام 2015، مع فصائل أخرى انضوت معها في "جيش الفتح" الذي تشكّل في مارس/ آذار من ذاك العام. ولا توجد معلومات مؤكدة عن عدد مقاتلي الجبهة، لكن مصادر مطلعة أكدت أنهم بالآلاف، معظمهم سوريون، مشيرة إلى أن "حركة أحرار الشام تتفوق على الجبهة من حيث العدد".
وبات من الواضح أن الولايات المتحدة تستهدف قادة بارزين في "جبهة فتح الشام" من خلال استخدام طائرات من دون طيار، مكررة الأسلوب الذي استخدمته على مدى سنوات في اليمن، بعد أن قتلت عدداً كبيراً من قادة "القاعدة"، تحديداً في محافظة شبوة، جنوب البلاد، التي يسيطر عليها التنظيم.
في هذا الإطار، رأى الباحث السوري في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد الرمح، أن "هناك تفاهماً روسياً أميركياً على استهداف جبهة فتح الشام والقضاء عليها في سورية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "ربما اختلفوا فقط على التوقيت، وآليات الاستهداف". وأشار إلى أن "الجبهة تدرك أن قرار القضاء عليها اتخذ من قبل الروس والأميركيين".
وأعرب الرمح عن قناعته بأن "الدور الميداني لجبهة فتح الشام انتهى"، مشيراً إلى أن "سيناريو الذوبان في فصائل المعارضة السورية المسلحة متأخر". ورأى أن "الجبهة فوّتت على نفسها هذه الفرصة بتأخير انفصالها عن تنظيم القاعدة، وتغيير خطابها السياسي".
وتتباين آراء السوريين حيال "جبهة فتح الشام"، إذ يرى قطاع واسع، على رأسه مثقفون، أنها أضرّت كثيراً بالثورة من خلال خطابها المتشدد، وأهدافها التي تناقض بالمطلق أهداف الثورة والمتمثلة بإقامة دولة مدنية تعددية، وهو ما تعلن الجبهة رفضه، مشيرين إلى أن "روسيا اتخذت منها ذريعة لضرب فصائل المعارضة المسلحة، وارتكاب المجازر بحق المدنيين للقضاء على الثورة". في هذا الصدد، أصدر معارضون ومثقفون سوريون منذ أيام، بياناً طالبوا فيه بتصحيح مسار الثورة، مشيرين إلى أن "جبهة النصرة فصيل نشأ نتيجة لتلاعبات خارجية، لم يحسب نفسه على الثورة، بل ناهض مقاصدها، براياته وخطاباته ونمط تعامله مع البيئات الشعبية، فضلاً عن أنه أدى أدواراً خطرة في قتال الجيش الحر لإزاحته من المشهد". وصنّف المثقفون الجبهة مع "داعش"، كـ"شكلين من أشكال الثورة المضادة، بأجنداتهما المختلفة عن أجندة الثورة".
في المقابل، يرى آخرون أن الجبهة أدت دوراً لا يُنكر في قتال قوات النظام والمليشيات الطائفية على مدى سنوات، وأنها كانت وراء انتصارات عدة تحققت في شمال سورية، تحديداً في محافظة إدلب، وفي ريف حلب الجنوبي.