اعتاد اليمنيون أن يتعرّض الجنود في حفلات التخرّج لهجمات تقف وراءها التنظيمات الإرهابية، لكن أن يتعرّض الجنود المتخرجون في الكلية العسكرية لهجوم قوة أمنية مدعومة من التحالف، فهذا يحدث فقط في عدن جنوبي اليمن، والتي يبدو من خلالها أنّ التفاهمات الأمنية بين الحكومة الشرعية ودولة الإمارات توقفت عجلتها، ولم تفض إلى تحوّلٍ محوري، خصوصاً مع تزامن الحوادث الأمنية في عدن مع تطورات مثيرة للاهتمام؛ أبرزها التصعيد في سقطرى وتوجيه الاتهام لشيخ قبلي مقرّب من أبوظبي بـ"ممارسة التحريض" في الجزيرة، أحد أبرز محاور النزاع اليمني الإماراتي خلال الشهور الأخيرة.
وعلى مدى الـ 48 ساعة الأخيرة، طغت ردود الفعل على حادثة مهاجمة حفل التخرّج في الكلية العسكرية بمدينة عدن يوم السبت الماضي، على اهتمامات اليمنيين، بعدما أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إحالة قائد أمني بارز، موال للإمارات، وهو العقيد منير اليافعي المعروف بـ"أبو اليمامة"، إلى التحقيق على خلفية الهجوم، الأمر الذي واجهه أنصار "المجلس الانتقالي الجنوبي" بحملة تضامنية تدافع عن "أبو اليمامة"، وإلى جانبه قيادي آخر يُدعى "أبو همام".
وكان الهجوم من قبل قوات اللواء الأول دعم وإسناد في "الحزام الأمني"، بقيادة منير اليافعي، أسفر عن سقوط قتيل من طلاب الكلية المتخرجين يُدعى محمد الحارثي. وبرّر المهاجمون استهداف الحفل في مقر "الكلية العسكرية" بمنطقة صلاح الدين في البريقة، برفع "الراية اليمنية" (العلم الوطني) خلال الحفل، وهو ما يعدّ خطاً أحمر بالنسبة للانفصاليين الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من القوات المدعومة إماراتياً في عدن ومحيطها من المحافظات الجنوبية للبلاد.
وجاءت الحادثة وما رافقها من توجيه رئاسي بإحالة قائد عسكري موال للإمارات إلى التحقيق، لتعيد الأنظار مجدداً إلى الأزمة بين الشرعية وأبوظبي. وتفيد مصادر قريبة من الحكومة اليمنية "العربي الجديد"، بأنّ "نسبة الآمال بتجاوز معضلات الأمن والنفوذ الإماراتي في المناطق اليمنية غير الخاضعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في المحافظات الجنوبية والشرقية على نحو خاص، تراجعت تدريجياً عقب الأسابيع التي تلت عودة هادي إلى عدن" منذ أكثر من شهرين، محملاً بالآمال وبوعود التحالف السعودي الإماراتي بالعمل على حلّ الإشكاليات التي تعيق بسط سيطرة الشرعية وسلطتها في تلك المحافظات، والتي اصطدمت بالعديد من العوائق.
وقبل أن يعود مجدداً إلى السعودية، حيث المقرّ شبه الإجباري لقيادة الشرعية اليمنية أغلب الأشهر الماضية، سعى هادي جاهداً من خلال سلسلة من الاجتماعات بالقيادات العسكرية والأمنية وقيادات التحالف السعودية والإماراتية، لتحقيق أي تقدّم يضع حداً للتوتر الأمني والانقسام العسكري في عدن على الأقل. وقد تراجع سقف دعواته من توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية وإخضاعها للحكومة الشرعية، إلى الدعوة إلى إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الداخلية وبين دول التحالف، في محاولة لإشراكها في المسؤولية، التي تُبقي على مصالحه المفترضة، وفي الوقت ذاته، تضع مختلف الحوادث والقضايا الأمنية أمام "غرفة" مسؤولة، تحدّ من أزمة الأمن في عدن والصراع بين القوى المسلحة، المحسوبة على هذا الطرف أو ذاك. إلا أنّ هذه الدعوة انتهت هي الأخرى إلى مصير غامضٍ ولم تتجه إلى خطوات تنفيذية حتى اليوم.
بالتزامن مع ذلك، عادت سقطرى إلى واجهة الأزمة، حيث نظّم موالون للإمارات، أمس الأحد، تظاهرة في الجزيرة اليمنية الواقعة شرقي البلاد، ترفع مطالب غالبيتها يطالب بها الإماراتيون، على غرار السماح للإمارات بتولّي إدارة ملف الكهرباء وكذلك السماح لها بتنفيذ المشاريع التي وعدت بها، والالتزام بالتسهيلات الممنوحة من السلطة المحلية للجانب الإماراتي، وغيرها من المطالب التي وردت في البيان المنسوب إلى المتظاهرين.
وجاءت التظاهرة بعد يوم من إعلان محافظ سقطرى، رمزي محروس، السبت، إعفاء "شيخ مشايخ" المحافظة، سليمان شلولها من مهامه. وقال إن ذلك "بعد أن اتضح أنّه يعمل على التحريض ضد السلطة المحلية". كما سلّط الضوء على أحداث شهدتها الأيام الماضية، بما فيها انقطاع الكهرباء عمداً لساعات، وقال "تفاجأنا بإطفاء الكهرباء لساعات واكتشفنا أنّ من تسبّب بإطفائها مهندس فيليبيني وقام بذلك عمداً، بأمر من مدير شركة دكسم أبو مريم، وقمنا بإلقاء القبض عليه وأحضرناه إلى محطة الكهرباء لتشغيلها".
وأعقبت تصريحات المحافظ، معلومات عن تعرضه لما وُصف بأنه "محاولة انقلابية"، من قبل موالين للإمارات، ومنهم الشيخ القبلي الذي أعلن إعفاءه، وهو شخصية عُرفت بقربها من أبوظبي في أكثر من محطة، على الرغم من محاولة محافظ سقطرى، خلال الإعلان نفسه، نفي وجود خلافات مع الإمارات، والإشارة إلى الدور الذي لعبته الأخيرة في دعم مكاتب السلطة المحلية بالمحافظة. وفي واقع الأمر، فإنّ تطوراً كهذا، في محافظة يمنية بعيدة طوال السنوات الماضية عن أي نوع من الصراعات المحلية، يزيد من الاعتقاد بأن هناك أمراً مخفياً وراء ما يحدث، خصوصاً أنّ أبوظبي كانت المهيمن في سقطرى إلى حدّ كبير.
ومن أبرز ما يثير التساؤلات في هذا السياق، هو أنّ سقطرى كانت محطة الصراع العلنية والمباشرة الأبرز بين الحكومة اليمنية وأبوظبي. ففي مايو/أيار الماضي، حين أقدمت الأخيرة على احتلال مطار وميناء الجزيرة، ثمّ وقعت بمأزق رفض الجانب اليمني وتقدمه بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، دفع الإمارات إلى السعي لتحسين علاقاتها مع الحكومة في سياق محاولات احتواء الأزمة من خلال سلسلة خطوات؛ بدأت بدعوة وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري إلى أبوظبي، ثم دعوة هادي نفسه لزيارتها، والسماح له بالعودة إلى عدن، وما رافق كل ذلك من تفاهمات، قال الميسري إنّها تتضمّن التنسيق في الجوانب الأمنية وغيرها.
والسؤال الذي يعيد نفسه اليوم: إلى أين وصلت مرحلة احتواء الخلافات بين الشرعية والإمارات؟ إذا ما كانت مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية المدعومة إماراتياً (الحزام الأمني، النخبة الحضرمية، النخبة الشبوانية)، ما تزال خارج الأطر الرسمية للحكومة اليمنية، وكذلك في ظلّ تكرار الحوادث التي تشير إلى أنّ الشرعية لا تزال تواجه تمرداً غير معلن من مجموعة التشكيلات المسلحة الموالية للانفصاليين والمعروفة بدعمها من أبوظبي؟ ولماذا يرفض أو يتلكّأ التحالف عن دعم دعوة الرئيس اليمني إلى "غرفة مشتركة"، تتولى الإشراف على الملف الأمني في عدن ومحيطها من المدن الجنوبية؟