استقلال أميركا ونكبة السكان الأصليين

04 يوليو 2017
يرتدون العلم الأميركي (فولكان فورونكو/ Getty)
+ الخط -
تُحيي الولايات المتّحدة الأميركية، في الرابع من يوليو/ تموز من كل عام، أي اليوم، ذكرى استقلالها عن بريطانيا في عام 1776. ويعدّ هذا اليوم مهمّاً بالنسبة للأميركيّين، فهو أهم احتفال وطني لديهم. ويستذكر غالبيّتهم، من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية وغيرها، مقطعاً من خطاب توماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسّسين للدولة، والذي أصبح رئيساً للولايات المتّحدة لاحقاً، وهو الكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال.

كثيرون يتذكّرون كلماته الشهيرة، التي قال فيها إن الناس خلقوا متساوين، وجملته الشهيرة عن حقهم غير قابل للتصرف بـ "الحياة والحرية والتوق إلى السعادة". إلّا أنّ كثيرين يغفلون، أو يستغفلون، المقطع الذي يأتي لاحقاً، ضمن تعداده أسباب السعي للاستقلال عن بريطانيا. يقول إنّ الملك حرّض قبائل السكان الأصليين (الهنود الحمر) ضدهم، أي ضد المستعمرين. وبغض النظر عن مدى صحة هذا الكلام وما إذا كانت قبائل السكان الأصليين تحتاج إلى تحريض من الملك لمهاجمة المستوطنين، الذين احتلّوا البلاد، يبقى المقطع الذي يأتي في الثلث الأخير من الوثيقة الأهم، إذ يصف جيفرسون السكان الأصليّين بـ "الهنود الهمج عديمي الرحمة"، لافتاً إلى "قوانين حربهم معروفة بالإبادة وعدم التمييز بين الأعمار والجنس والحالة". من بقي من السكان الأصليّين، وهم أكثر من خمسة ملايين نسمة، يذكرون تلك الجملة في الوثيقة التي تلخص نظرة المستوطنين الأوروبيين البيض لهم، ناهيك عن سلب أراضيهم وتشريد وقتل الملايين من أهلهم.

يقول سيمون مويا، وهو من السكّان الأصليين، ويعمل ضمن مؤسسة تعنى بشؤون السكان الأصليّين في ولاية نيويورك، لـ "العربي الجديد: "في هذا اليوم، نتذكر ملايين القتلى من أجدادنا على يد المستوطنين. وعندما نقول الملايين فهذا كلام حرفي، حيث قتل الملايين منا على يد المستعمرين. كيف لنا أن نستعيد تلك الوثيقة وننسى الجملة التي تصفنا بالهمج وعديمي الرحمة، وتتهمنا بارتكاب الإبادة في الوقت الذي كنا نحن من أبيد وقتل؟". ويضيف أنه يحاول وعائلته والمقربون منه إحياء ذكرى أولئك الذين قتلوا، وزيارة أماكن مقدسة لقبيلته، والاحتفال بلغاتهم العديدة وتقاليدهم وثقافتهم.

ويشير موقع "إنديان كونتري توداي" الإلكتروني، والمعني بأخبار السكان الأصليين وقضاياهم، إلى أّنه لا مكان على صفحاته للاحتفال بالرابع من يوليو/ تموز. ويتحدث عن خمسة أمور مهمّة في تاريخ قبائل السكان الأصليّين في ذلك العام، الذي أعلنت فيه الولايات الثلاث عشرة استقلالها عن بريطانيا، منها معارك رئيسية قادها سكان أصليون ضد المستوطنين.



وعلى الرغم من رفض الكثير من السكان الأصليين في البلاد الانخراط في احتفالات يوم "الاستقلال الأميركي"، إلا أن هناك بعض القبائل التي تشترك بتلك الاحتفالات، رغم تاريخها النضالي العريق ضد المستعمرين البيض. ومنها قبائل النافادا في منطقة أريزونا، التي قتل المئات من أبنائها وأجبروا على الرحيل عن أراضيهم وشرد الآلاف منهم، في ما عرف بـ "المشي الطويل" في عام 1864. وقد أجبر نحو 8500 شخص منهم على الرحيل، بعد حرق بلداتهم في البرد، والسير نحو 480 كيلومتراً بعيدا عن ديارهم، ومات المئات منهم بسبب الجوع والبرد. كما تعاونت قبائل النافادا ودعمت السلطات الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت لغتهم كلغة سرية للمراسلات والتواصل بين المنظمات العسكرية الأميركية المختلفة.

ورغم التباين في المواقف، في ما يخصّ الاشتراك أو عدمه في احتفالات الرابع من يوليو/ تموز، إلا أنّ غالبية القبائل تعي وتحيي ذكرى ما حلّ بشعوبها من قتل وسلب لغالبية أراضيها. ويعاني السكان الأصليون اليوم ظروفاً صعبة على مستويات عدة، من بينها التهميش واستمرار مصادرة أراضيهم وعدم احترام مواقعهم المقدسة في بعض المناطق، إضافة إلى أوضاعهم الاجتماعية الصعبة. ويعيش ربع السكان الأصليين في الولايات المتحدة تحت خط الفقر، وتعد نسبة الإدمان مرتفعة بين أبنائهم. وبحسب إحصائيات رسمية صادرة عن "المركز الفدرالي للسيطرة والوقاية من الأمراض" في عام 2008، فإن 12 في المائة من حالات الوفاة بين السكان الأصليين سببها الموت بسبب الإفراط في تناول الكحول.

دلالات