استقرار أسعار النفط عالمياً بالرغم من الاضطرابات السياسية والإقليمية

01 اغسطس 2014
تذبذب أسعار النفط (دايفيد ماكاو/getty)
+ الخط -

تعيش الأسواق العالمية النفطية على وقع الاضطرابات الأمنية والسياسية في دول عدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مخاوف عديدة من ارتفاع أسعار النفط عالمياً، خاصة في ظل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على حقول نفطية في العراق، وتحديداً في الشمال، وسيطرتها سابقاً على حقول نفطية في سورية، وتوقف الإمدادات النفطية الليبية، والحرب المستمرة في غزة، عوامل من شأنها أن تحرك أسعار النفط، ولكن إلى أي مدى تنجح التوترات الجيوسياسية في قلب استقرار أسعار النفط عالمياً؟

ارتفاعات محدودة

ذكر جيفرى كوري، رئيس قسم أبحاث السلع الدولية بمؤسسة (جولدمان ساكس) للاستثمارات الدولية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، أنه إذا استمرت حالة عدم الاستقرار في ليبيا، فإن أسعار النفط العالمية ستتراوح بين 105 دولارات أميركية و115 دولاراً أميركياً، مشيراً إلى أنه إذا امتدت الاضطرابات السياسية إلى المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر دولة منتجة للنفط الخام فى منطقة الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تسجل أسعار النفط العالمية رقما قياسيا في تاريخها.

مخاوف كوري من استمرار الاضطرابات الليبية تنعكس على أسعار النفط بواقع لا يتعدى عشرة دولارات للبرميل، لكن الخوف من وصول أي اضطراب إلى المملكة العربية السعودية، كونها المنتج الرئيسي للنفط في العالم، وحدوث أزمة داخل المملكة يؤثر بشكل سلبي على أسعار النفط، فماذا عن اضطرابات العراق وسورية والأحداث في غزة؟
يرى مراقبون أن الأحداث الإقليمية تساهم في رفع الأسعار لفترة وجيزة بواقع ثلاثة إلى أربعة في المائة، ووصول البرميل إلى حاجز 110 دولارات أمر لا يبعث على القلق في السوق النفطية العالمية، لأن المحركات الأساسية للأسعار مثل العرض والطلب والعوامل الجيوسياسية يمكن أن تؤثر عليها إلى حدود أكثر من ذلك، وتعود مرة أخرى إلى مستوياتها الطبيعية مع زوال الأسباب، وفي هذا الإطار قال الخبير النفطي اللبناني ربيع ياغي لـ"العربي الجديد": إن التوترات الجيوسياسية والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، لن توثر على أسواق النفط العالمية، وستبقى الأسعار محافظة على مستواها، وإن حصلت بعض الزيادات الخفيفة والآنية".

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قاعدة رئيسية لإنتاج النفط الخام في العالم، إذ إن صادراتها من النفط الخام تمثل 70 في المائة من إجمالي الصادرات العالمية.

ووفقا لأرقام الإنتاج الحالية التي أصدرتها وكالة الطاقة الدولية، يبلغ إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية 8.5 مليون برميل يومياً، وفي الكويت 2.3 مليون برميل، وفي العراق 2.4 مليون برميل، فيما يبلغ إنتاج النفط في ليبيا ما يقرب من 1.6 مليون برميل يوميا.

 

 التوترات الجيوسياسية

وأشار ياغي في معرض توضيحه أسباب استقرار الأسعار العالمية إلى أن هناك عوامل عدة تتحكم بأسعار النفط العالمية، منها قاعدة العرض والطلب، بالإضافة إلى اتفاق الدول المنتجة للبترول والمصدرة على المحافظة على استقرار الأسعار العالمية وتحركها في هوامش ضيقة، وتدخّل بعض الدول كالمملكة العربية السعودية لسد أي نقص في إمدادات النفط، وبالتالي فإن الأجواء السياسية المحيطة بالمنطقة العربية لن يكون لها تأثيرات مباشرة.

وأضاف: "الحديث عن أن الاضطرابات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تؤثر على الأسعار العالمية أمر مستبعد لأسباب عديدة، أبرزها:

- الإنتاج النفطي العراقي ما يزال خارج حسابات منظّمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" منذ تسعينيات القرن الماضي، وبالتالي نقص الإمدادات النفطية من العراق لن يؤثر على أسواق النفط العالمية، طالما أن منظمة أوبك تجري حساباتها وتبني توقعاتها في ظل غياب الإنتاج العراقي.

- لن يؤثر توقف الإنتاج السوري من النفط ويحدث تذبذبات في الأسواق العالمية لسببين، أولاً لأن إنتاج سورية من النفط محدود، ثانياً لأن معظم الإنتاج النفطي للاستهلاك المحلي.

- توقف الإمدادات النفطية من ليبيا على أثر الاحتجاجات وسيطرة الميليشيات على مصافي التكرير وحقول الإنتاج، أمر اعتادت الأسواق الأوروبية عليه وتأقلمت معه، فقد بدأت الدول الأوروبية باستخدام الطاقة البديلة لتعويض نقص الإمدادات النفطية الليبية.

وتطرق ياغي إلى ملف تطور الأوضاع في غزة، وانعكاساتها على الأسواق، وقال:"لا تؤثر الحرب في غزة على الأسعار العالمية إلا في حال قيام الدول المصدرة للنفط في أوبك باستخدام النفط أداة ضغط على داعمي إسرائيل في عدوانها على غزة، وفي حال قيام هذه الدول بوقف الإمدادات، ستشهد الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً، كاشفاً أن إقفال الممرات الحيوية أمام شاحنات النفط، كإقفال مضيق هرمز، أو قناة السويس، يؤثر بشكل واضح على أسعار النفط ويرفع الأسعار.

 

اضطرابات العراق

سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على حقول نفطية في شمال العراق، وبدأ بتصدير النفط بأسعار متدنية، الأمر الذي أثار مخاوف من تهديد الأسعار عالمياً، وفي هذا الإطار، أكد الخبير النفطي العراقي حسين علاوي أن الأسواق العالمية للنفط لا تزال تحت السيطرة، وقال لـ"العربي الجديد": "لا أتوقع حدوث أي تغيير في الأسعار خلال المستقبل القريب، وإن حصل أي ارتفاع فلن يتعدى واحداً في المائة، لأن منظمة "أوبك" تمتلك مليون برميل احتياطي قادرة من خلاله على سد النقص في حال توقف الإمدادات النفطية من عدة دول، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية أعلنت مراراً استعدادها لزيادة إنتاجها النفطي لسد النقص في الأسواق بعد الحديث عن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على مناطق غنية بالنفط شمال العراق".

وأضاف: "أن أسواق النفط العالمية لم تعد تتأثر بحدوث عمليات عسكرية، بل باتت مرتبطة بالعوامل السياسية والأزمات، ومدى قدرة الأطراف المنتجة على إحداث أزمات بفعل توقف إمداداتها، مشيراً إلى أن إنتاج العراق لم يتأثر بشكل كبير بعد سيطرة داعش على حقول نفطية، لأن الإنتاج العراقي ما يزال يعتمد بشكل واضح على الحقول الجنوبية التي ما تزال تحت سيطرة الحكومة، مؤكداً استقرار الأسعار العالمية للنفط في الفترة المقبلة".

ينتج العراق نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط، ويقوم بتصدير ما يقارب مليوني برميل منها، ويبلغ إجمالي الاستهلاك العالمي نحو 90 مليون برميل يومياً، ويملك العراق احتياطيات نفطية لم تستخرج، ويمكن أن ترفع إنتاجه بنحو مليون برميل يومياً أو أكثر، ولكن عوامل عدم الاستقرار إضافة إلى مشاكل أخرى حالت دون استخراج ذلك النفط.

والجدير بالذكر، أن أسعار النفط ارتفعت بما يقارب أربعة دولارات للبرميل هذا العام، لتصل إلى مستويات عالية هذا العام، ويتم تداول مزيج برنت (سعر الأساس في أوروبا) عند نحو 113 دولاراً للبرميل الواحد، في حين وصل سعر برميل نفط غرب تكساس (سعر الأساس في الولايات المتحدة) إلى نحو 107 دولارات للبرميل.

إلى ذلك تراجع سعر خام برنت إلى أدنى مستوياته في أسبوعين، اليوم الجمعة، متجها صوب 105 دولارات للبرميل في ظل وفرة المعروض في حوض المحيط الأطلسي وضعف الطلب، وهو ما طغى على تأثير المخاوف المرتبطة بالتوترات السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوكرانيا.

وانحسرت بواعث القلق من المخاطر السياسية على إمدادات النفط رغم تصاعد العنف في بعض مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وانخفض سعر خام برنت 50 سنتا إلى 105.52 دولار للبرميل بعدما هبط 5.6  في المائة في الشهر الماضي مسجلا أكبر خسائره منذ أبريل/نيسان 2013.

وتراجع سعر الخام الأميركي الخفيف في العقود الآجلة 80 سنتا إلى 97.37 دولار للبرميل بعد هبوط قدره 6.8 في المائة في الشهر الماضي والذي كان أكبر خسارة شهرية منذ مايو/ أيار 2012.