استقالة المفلحي: حصاد عراقيل حلفاء الإمارات في عدن

18 نوفمبر 2017
المفلحي يصف حكومة أحمد بن دغر بـ"معسكر للفساد"(فرانس برس)
+ الخط -

لم يتمكن محافظ عدن اليمنية، عبدالعزيز المفلحي، من الوصول إلى مقر عمله، منذ تعيينه قبل أكثر من نصف عام، لتأتي استقالته المثيرة أخيراً، كي تثير جدلاً في الأوساط اليمنية، بعد أن رمى باتهامات مباشرة للحكومة الشرعية بـ"الفساد". وباستقالة المفلحي تبدأ مرحلة جديدة من أزمة الشرعية - السلطة المحلية في عدن، التي يعود القرار الأول فيها، أساساً، للتحالف العربي، ممثلاً بقيادة إماراتية، تتوجه إليها اتهامات، هي الأخرى، بالتسبب بالأزمات الحاصلة في المدينة.

وأكد مصدر إعلامي في الحكومة الشرعية لـ"العربي الجديد"، أمس الجمعة، أن الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي يزور ألمانيا منذ أيام، أبدى رفضاً مبدئياً للاستقالة التي أعلنها محافظ عدن، يوم الخميس الماضي، مشيراً إلى أنه سيناقشها مع المحافظ لدى عودته المرتقبة إلى مقر إقامته الموقّت في السعودية، أو إلى عدن، في الأيام المقبلة. وكان محافظ عدن، وكسابقة في تاريخ استقالات المسؤولين الحكوميين في اليمن، أعلن الاستقالة من منصبه في رسالة بعثها إلى هادي، وضمّنها مسببات الاستقالة، بما في ذلك الهجوم الحاد على الحكومة ورئيسها، قائلاً إنه "ولشديد الأسف وجدت نفسي في حرب ضارية مع معسكر كبير للفساد كتائبه مدربة وحصونه محمية بحراسة يقودها رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر". 

وأضاف المفلحي في سياق هجومه على بن دغر "إن كبريائي يمنعني أن أخوض في جدال مع رئيس حكومة يخطف الماء من أفواه الناس، والضوء من عيونهم". وتابع "أقول بصريح العبارة إن الفساد المتفشي في حكومة بن دغر، ملأت روائحه الكريهة أجواء اليمن ومدناً شتى في العالم، وقد أصاب البلاء البلاد"، وتطرق إلى "المعاناة" التي يواجهها سكان عدن، بسبب الخدمات وغيرها، قائلاً إن "عراقيل الحكومة أعاقت الجهود الحثيثة كافة والمحاولات المتواصلة بدعم الأشقاء في التحالف العربي والتي بدأناها في مشوار الألف ميل للمضي بطريق استعادة نهضة وتنمية عدن". 

وتطرّق محافظ عدن المستقيل إلى أبرز القضايا الخلافية بينه وبين بن دغر، والتي كانت قد برزت منذ أسابيع، إذ رفض المحافظ توجيهات أصدرها رئيس الوزراء، وتضمنت "سحب مبلغ يفوق خمسة مليارات ريال من حساب المحافظة إلى حساب وزارة الاتصالات"، وذلك لتطوير الاتصالات وخدمات الإنترنت، واعتبر المفلحي أنها توجيهات غير قانونية. 

من جانبه، وصف مصدر في مكتب رئيس الحكومة، لـ"العربي الجديد"، اتهامات المفلحي لبن دغر بـ"الفساد"، والهجوم الذي شملته رسالة الاستقالة بأنه "شماعة"، معتبراً أن "المفلحي فشل، فعلق فشله على موضوع الخمسة مليارات التي وجه رئيس الوزراء بسحبها للاتصالات". وأشار المصدر إلى أنها "حوالة رقمية لا أكثر"، وأنها تمت بموافقة هادي، معتبراً أن "التوجيهات موضوع سيادي لا دخل فيه للمحافظ". 

وكانت أزمة "الخمسة مليارات" قد أثيرت الشهر الماضي، مع تسريب وثيقة يعترض فيها المحافظ على توجيهات رئيس الحكومة، ورد الأخير بالدفاع عن توجيهاته وبأن المبالغ المحولة من حساب محافظة عدن إلى الاتصالات "موارد سيادية" تتبع للحكومة وليست تحت تصرف السلطة المحلية في المحافظة.


من زاوية أخرى، وبصرف النظر عن تفاصيل الاختلاف، تأتي استقالة المفلحي لتعيد الأزمة حول منصب الرجل الأول في المحافظة، التي تصفها الحكومة الشرعية بـ"العاصمة الموقتة". وكانت الأزمة بدأت منذ أشهر، مع إقالة المحافظ السابق، الحليف للإمارات، عيدروس الزبيدي، من منصبه في الـ27 من إبريل/ نيسان الماضي، وتعيين المفلحي خلفاً له.

وعلى الرغم من الإشادات التي يلقاها المفلحي من العديد من المسؤولين وفي أوساط محلية يمنية، خصوصاً مع مبادرته بإعلان الاستقالة من منصبه ورفض "الفساد"، إلا أن الاستقالة في المقابل، واجهت انتقادات من أوساط عدة، رأت في حصر الأزمة بـ"فساد" الحكومة، إهمالاً للعراقيل الكبيرة التي واجهها المحافظ من قبل الإمارات وحلفائها في عدن. 

ومعروف أن المفلحي، الذي يتحدر من منطقة يافع الفاعلة، في جنوب اليمن، ومنذ تعيينه محافظاً قبل أكثر من نصف عام، لم يتمكّن من الوصول إلى مقر السلطة المحلية في المحافظة، بسبب رفض القوات الموالية للمحافظ السابق الزبيدي، تسليمها. إذ إن الأخير، وعقب إقالته، شرع بدعم إماراتي، بتأسيس ما سُمي بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يتبنى مشروع فصل الشمال عن الجنوب.

ومطلع أغسطس/ آب الماضي، أطلق المفلحي تصريحات شهيرة، في خطاب مصوّر، شملت هجوماً على القوى المحلية التي وضعت العراقيل أمام تسلمه قيادة المحافظة. كما شملت الانتقادات الضمنية الشهيرة الإمارات العربية المتحدة، التي تتولى واجهة قيادة وحضور التحالف في عدن والمدن الجنوبية، قبل أن يغادر المفلحي في الشهر نفسه إلى السعودية، ولم يتمكّن من العودة حتى اليوم.

ومنذ أسابيع، على الأقل، بات المفلحي عملياً في حكم "المقال"، بعد تكليف رئيس الحكومة لوكيل المحافظة، أحمد سالم ربيع، بالقيام بأعمال المحافظ الذي خضع أثناء وجوده في الخارج في الشهرين الأخيرين للعلاج في العاصمة المصرية القاهرة، ومن المرجح ألا يعود لمنصبه، ليس فقط بسبب الاستقالة، بل كذلك نظراً للعراقيل التي واجهته قبل الاستقالة، وجعلته يتواجد معظم الأشهر الماضية خارج البلاد.

وإزاء ذلك، كانت أبرز ملاحظة وضعها المنتقدون لاستقالة المفلحي، هي أنه حصر "العراقيل" التي واجهها، بالحكومة، وتجاهل ما سواها، كتلك التي منعته من الوصول إلى مقر السلطة المحلية منذ تعيينه (من قبل حلفاء أبوظبي). ومع ذلك، فإن استقالة المحافظ لقيت إشادات باعتبارها الخطوة المناسبة في ظل العراقيل التي واجهها، بالإضافة إلى ما تحدث عنه بـ"رفض الفساد".