استغلال الحج [4/5]...دعم سعودي إماراتي لحفتر وبن بريك بالتأشيرات

10 اغسطس 2019
تأشيرات الحج أداة للترويج السياسي (Getty)
+ الخط -
يصف مهند يونس وزير شؤون أسر الشهداء والجرحى والمفقودين الليبي، منح السعودية تأشيرات حج لأهالي قتلى مليشيات خليفة حفتر ممن سقطوا خلال الحملة على طرابلس بـ"جبر خواطر المعتدين" لحثهم على الاستمرار في حربهم. وحصلت مليشيات حفتر، على 1750 تأشيرة حج، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد" أحمد المسماري الناطق باسم قوات حفتر، موضحا أن "تلك التأشيرات جاءت بعد تنسيق مسبق مع السلطات السعودية جرى في شهر رمضان الماضي، وتم تخصيصها لأسر "شهداء عملية الكرامة".

وتبلغ حصة ليبيا من الحج 7800 مقعد لموسم 2019 وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" يحيى بن حليم رئيس اللجنة الإعلامية للحج التابعة للهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بحكومة الوفاق الوطني، ويُضيف يونس قائلا: "منح السعودية لحفتر هذا القدر الكبير من التأشيرات للحج متجاوزة بذلك الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً يعد خرقاً لكافة الأعراف والمواثيق السياسية، فلا يُتصور أبداً أن تقوم دولة ما بتجاوز السلطة الشرعية في دولة أخرى وتتعامل مع منقلب على السلطة".

وتابع يونس: "لم يعد يخفى على أحد الدعم المباشر الذي تقدمه المملكة العربية السعودية لمجرم الحرب حفتر رغم تصريحاتها الرسمية التي تبدي فيها اعترافها بشرعية حكومة الوفاق الوطني، إلا أن الممارسات الفعلية التي تقوم بها السعودية تدعم مجرم الحرب حفتر بشكل واضح وصريح، منذ انطلاق العدوان في الرابع من إبريل/نيسان الماضي بعد يومين من لقاء جمع حفتر مع ملك السعودية".


تسييس الحج

المنحة السعودية لحفتر تكررت في اليمن ولكن على يد الإمارات هذه المرة والتي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي الذي تشكل في مايو/أيار 2017 بدعم إماراتي عقب إقالة رئيسه عيدروس الزبيدي من منصب محافظ عدن)، والذي يشن حربا على قوات الحكومة منذ 7 أغسطس/آب الجاري، عبر منحة قدمها محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، وشملت 568 حاجا تم نقلهم على متن الطائرات الإماراتية إلى السعودية، بإشراف نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك وفق ما أكده في تغريدة له على حسابه في تويتر في 31 يوليو/تموز الماضي. وتعد التأشيرات المدعومة إماراتيا ضمن عملية استقطاب مستمرة لمشروع أبوظبي في اليمن، بحسب الباحث والناشط السياسي اليمني نبيل البكيري رئيس المنتدى العربي للدراسات، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن "أبوظبي تريد من خلال أدواتها في عدن، أمثال هاني بن بريك تحقيق أهدافها والترويج لسياساتها الانفصالية التخريبية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية"، مضيفا أن اختيار أبو ظبي لشخص هاني بن بريك المتهم الرئيس في اغتيال العلماء وقيادات المقاومة في عدن، يعتبر نوعا من "غسل الشخصيات القذرة وإعادة تعويمهم في المشهد اليمني لرسم صورة الوديع الذي ييسر أمور الناس ويساعدهم على أداء مناسك الحج، بعد ما تأكدت صورة هاني القاتل، إذ كشفت محاضر تحقيقات النيابة الابتدائية الجزائية المتخصصة بمدينة عدن في يوليو/تموز الماضي أن (الشيخ السلفي) هاني بن بريك يقف وراء تصفية ثلاثين من علماء وخطباء وقيادات المقاومة في عدن، وفق اعترافات منفذي جريمة اغتيال الشيح سمحان الراوي أحد أبرز قيادات المقاومة وإمام أحد مساجد مدينة البريقة غرب عدن، والذي اغتيل أواخر يناير/كانون الثاني 2016".



وتأتي تأشيرات الحج الممنوحة للمجلس الانتقالي، للعام الرابع على التوالي تحت مسمى "الجرحى وأسر الشهداء" في جبهات القتال التي يشرف عليها ضباط إماراتيون وفي مقدمتها جبهة الساحل الغربي، لكن الجندي الجريح سالم عبود، قال لـ"العربي الجديد" إنه يسمع عن هذه المنح لكن لا أحد يعرف كيف يتم توزيعها، متسائلا: لماذا لم يستفد منها هو وزملاؤه الجرحى، مشيرا إلى أنه عرف مؤخرا أن هذه المنح يتم توزيعها حسب الولاء لدولة الإمارات من قبل أتباع هاني بن بريك في المجلس الانتقالي، وهو ما كرره الجندي في قوات العمالقة بالساحل الغربي، هادي فضل علي قائلا إن "منح الحج المقدمة من دولة الإمارات كمكرمة من الشيخ محمد بن زايد، وزعت قبل عدة أشهر حسب علمه على أربع مجموعات، كلها بإشراف هاني بن بريك؛ المجموعة الأولى تضم أسر الشهداء ووزعت على معسكرات الساحل الغربي التي تتبع الإمارات، وكل قائد معسكر اختار حسب القرعة بين أقارب الشهداء في معسكره.

أما المجموعة الثانية فتم توزيعها من قبل هاني بن بريك على الموالين له تحت مسمى أفراد المقاومة. وثالثة باسم الجرحى، وهي كسابقتها وزعها بن بريك على عدد من أنصاره. أما الفئة الرابعة فهي بدون مسمى معروف، وخضعت لتوزيع بن بريك وقيادات في المجلس الانتقالي، اختاروا المقربين منهم والموالين لهم"، مؤكدا أن بعض المستفيدين لم يكتفوا بتسجيل أنفسهم ولكنهم أضافوا بعض أقاربهم وليست لهم أي صلة لا بالجرحى ولا الشهداء ولا جبهات القتال.

ويؤكد الخمسيني عبد الله مقبل شقيق أحد الشهداء، أن قلّةً من المستفيدين من المنح هم من الجرحى أو أقارب الشهداء بينما الغالبية تم اخيارهم بناء على العلاقات الشخصية وحسب موالاتهم لقيادات المجلس الانتقالي ودولة الإمارات، مشيرا إلى وجود بعض من حصلوا على منحة الحج عبر أقارب لهم. أمر يؤكده مصدر في وزارة الأوقاف التابعة للحكومة الشرعية (رفض الكشف عن اسمه حفاظا على سلامته)، مشيرا إلى أن أشخاصا حصلوا على منح الحج، لأنهم يمارسون الترويج لدولة الإمارات وأدواتها ويهاجمون الحكومة الشرعية فقط، وليس لهم أي صلة بجبهات القتال كما يقول لـ"العربي الجديد".


تجاهل الشرعية

لم تمر التأشيرات الممنوحة لمليشيات حفتر، ضمن الإجراء المتعارف عليه رسميا في ليبيا عبر الحكومة الشرعية بحسب يونس. وهو ذات الإجراء الذي حدث في اليمن مع المجلس الانتقالي، الذي نظم تفويج حجاج المنحة الإماراتية، بإشراف من هاني بن بريك، وفق تأكيده في فيديو منشور على حسابه في تويتر وهو يودع الحجاج، قائلا:" الرئيس عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي، يكلف نائبه هاني بن بريك بالإشراف المباشر على تفويج حجاج منحة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لأبطال المقاومة والبالغ عددهم 568 حاجا في خمس طائرات من مطار عدن".

ويؤكد إعلان وكالة ديار طيبة للسفريات والحج والعمرة الصادر في 13 يوليو/تموز الماضي، عن موعد الرحلات، للحاصلين على مكرمة الشيخ محمد بن زايد، أن المسؤول عن التأشيرات هو هاني بن بريك في غياب ممثل للحكومة الشرعية، وهو ما يؤكد أن التأشيرات تجاهلت الإطار الشرعي والرسمي في اليمن. لكن الشيخ مختار الرباش وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الحج في الحكومة اليمنية قال لـ"العربي الجديد" إن "المنحة المقدمة من بن زايد، والتي شملت أسر الشهداء والجرحى من أفراد المقاومة، تم التنسيق لها وحجزها من حصة وزارة الأوقاف عبر وكالات الحج اليمنية"، مضيفا أنه تم ترتيب الخدمات الكاملة لهم من نقل وسكن وخيام وإعاشة.

وسافر حجاج المجلس الانتقالي عبر مطار عدن الدولي، بينما سافر بقية الحجاج اليمنيين البالغ عددهم 24 ألف حاج برا عبر منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، إذ ترفض المملكة سفر الحجاج جوا وتفرض نظاما أمنيا يلزم دورياتها بمرافقة الحجاج اليمنيين على طول طريق السفر وفق خطة مضنية تتطلب ساعات إضافية إلى جانب ساعات السفر الطويلة من الأساس وفق ما يؤكده حجاج سافروا عبر المنفذ.


الدعوة لمقاطعة الحج

تواصل مُعد التحقيق في ليبيا، مع سفارة المملكة العربية السعودية في تونس، للرد على سبب تجاهلها للحكومة الشرعية ومنح حفتر لتأشيرات تدعم حربه على طرابلس وفق ما قاله المتحدث السابق باسم حكومة الوفاق لكنها رفضت التعليق.

وعلى المقلب الآخر، دعا مفتي ليبيا الصادق الغرياني عقب عدوان مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس، المسلمين عامة والليبيين خاصة ممن أدوا مناسك الحج والعمرة من قبل، إلى عدم الذهاب مرة أخرى حتى لا يساهموا عبر أموالهم في دعم السعودية في قتل المسلمين ويصبح إثم الحج والعمرة أكبر من نفعهما، قائلا في مقابلة تلفزيونية في الرابع والعشرين من إبريل/نيسان الماضي عبر برنامج الإسلام والحياة الذي يُبث على قناة التناصح الفضائية الليبية التابعة لدار الإفتاء، إن "السعودية تستخدم الأموال التي تجنيها من الحج والعمرة في قتل أبناء المسلمين في ليبيا وقبلها في اليمن، وقد تستخدمها لقتلهم في بلدان أخرى مثل السودان والجزائر وتونس".

ويوثق عمران اشتيوي عضو المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، الاستغلال السياسي للحج من قبل السعودية، عبر تسريبات ويكيليكس والتي سبق أن كشفت عن مزاجية مبالغ فيها في توزيع مئات الآلاف من تأشيرات الحج من قبل السعودية، بحيث أصبحت وسيلة للضغط وشراء الذمم ومكافأة من يتعاون معها لأداء الفريضة الركن الخامس من الإسلام كما يقول، مضيفا: "تم استخدام سياسة الحرمان من تأشيرات الحج ضد كل من يختلفون في الرأي أو الموقف السياسي مع المملكة، من دون أن تأبه لكون الحج ركنا من أركان الإسلام"، وهو ما برز عبر وثيقة مسرّبة سابقا إذ رفضت وزارة الخارجية السعودية طلبا لزيادة حصة ليبيا في عام 2012، بينما توافق على زيادة لحصة مصر بحجة "تحييد الأطراف الرسمية المصرية والإعلامية".