ولا يعد استخدام البوت آلية الصراع الوحيدة على تويتر، إذ يساهم ما بات يعرف بـ"الذباب الإلكتروني" أو "اللجان الإلكترونية" المكونة من حسابات حقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي يتم التنسيق بينها، في دفع وسوم بعينها إلى قائمة الأعلى تداولا في محاولة للتأثير على الرأي العام، وتضليل رواد مواقع التواصل، من خلال خلق صور زائفة عن التأييد الشعبي بحسب إفادة الباحث في مجال التقنية بمعهد قطر لعلوم الحوسبة طاهر زنودة.
ما هي البوتس (BOTS)؟
يمكن تعريف البوت بأنه روبوت الويب، الذي تغذيه خوادم ذكية، تقوم بمهام متكررة أو تلقائية عبر برنامج ينسق عملها لتحقيق عملية إعجاب أو إعادة تغريد أو انتشار لتغريدات بعينها أو ما يعرف بـ massive feed، أو التغذية الغزيرة، ويتم تقسيم مهام تلك الروبوتات عبر حساب أساسي يوجه بعضها للنشر أو إعادة النشر أو حتى الإعجاب والتفاعل مع المشاركين على الوسم أو الهاشتاغ، إذ تقوم بعض البوتات بالرد الآلي، بشكل أسرع من ردود اللجان الإلكترونية أو الذباب الإلكتروني، حسبما يقول مصمم المواقع والخبير التقني الذي يعمل في الدوحة وقّاص أحمد.
ويعمل الباحثون على دراسة البيانات الضخمة من أجل معرفة الحسابات الوهمية، من خلال "خوارزميات" ذكية وفقا لما أوضحه الباحث زنودة، والذي تابع "وجد الباحثون أن الحسابات الوهمية تشتبك في نشر محتوى معين، بشفرات محددة، ويتم إنشاؤها في فترات متقاربة، وكذلك يتم استخدام صور مأخوذة من الإنترنت، وليست صوراً شخصية لأصحاب الحسابات في عديد الحالات" كما يقول، بينما توضح دراسة البوت السياسي والتلاعب بالرأي العام في فنزويلا المنشورة في يوليو/تموز من عام 2015، أن البوت يفتقر إلى معلومات الحساب الأساسية مثل الاسم أو الصور الشخصية، ما جعل هذه الحسابات تعرف باسم "بيض تويتر" لأن الصورة الشخصية الافتراضية على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) هي البيضة.
وشهدت السنوات الأربع الأخيرة استخداما سياسيا واسعا للبوت، كونه الوسيلة المثالية للحشد على مواقع التواصل المختلفة من خلال بث رسائل تلقائية لتوجيه وجهة نظر سياسية معينة، كما يقول الخبير وقاص، وهو ما يؤكده عمار محمد مستشار ومدرب الإعلام الاجتماعي لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن استخدام البوت بدأ في المواقع الإلكترونية لشركات الطيران، من أجل خلق ردود آلية على المتصلين، الأمر الذي يسّر على آلاف الزبائن تعاملاتهم، ثم في الإعلانات التجارية، وانتقل الأمر إلى المطاعم الكبرى، والمتاجر العالمية، التي استبدلت موظفين بمجموعة من البوتات، وتزايدت منذ سنوات قليلة عملية استخدام البوت في دعم أفكار سياسية، كدعم بعض المرشحين للرئاسة في عدة بلدان، من بينها الانتخابات الروسية والأميركية والفرنسية، فحساب الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحتوي على 32 مليون متابع، والحساب في حقيقة الأمر عليه نصف هذا العدد فقط، وأغلقت فرنسا 40 ألفاً من الحسابات الوهمية التي سعت إلى خلق صورة مغايرة عن الواقع، وفقا للمصدر ذاته، ويعمل البوت في هذا التوجه على دعم مرشحين للرئاسة، إلى جانب توسع استخدام البوتات بطريقة واضحة في الترويج لأفكار إرهابية".
قسم من هذا الجيش متخصص في صناعة رأي، أو مواجهة رأي عام، بحسب المغرد الكويتي علي السند، مقدّم برنامج "خليج العرب" على التلفزيون العربي، والذي قال في تسجيل مرئي بثّه عبر حسابه على موقع تويتر: "كان الناس يقولون رأيهم بصدق وحرية وعفوية في هذه الوسائل، فكان بالإمكان قياس الرأي العام الشعبي الصادق عبر هذه الوسائل، أما الآن من يقول رأيا معارضا للتوجه العام، ومخالفا للرأي الرسمي يصطدم بالجيش الإلكتروني، مضيفا أن هذا الجيش الإلكتروني في تويتر مثلا، عبارة عن حسابات تحمل أحيانا صور أشخاص، صورا عادية، أسماء عادية، صور رموز سياسية، ووراء هذه الحسابات أشخاص في الأجهزة الأمنية".
الاستقطاب في الأزمة الخليجية
رصد معهد قطر لبحوث الحوسبة تدخلات لنشر وسوم بعينها على مواقع التواصل الاجتماعي، تسعى للاستقطاب السياسي خلال الأزمة الخليجية لتوجيه الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة غير طبيعية، سواء من خلال البوت أو اللجان الإلكترونية، كما يقول الدكتور كريم درويش، إذ روجت بعض دول الحصار لوسوم تسيء إلى قطر، وكان انتشارها مدفوعا بلجان إلكترونية، أو بوتس، بينما راجت أخرى بشكل طبيعي من دون تدخل مثل #تصريحات_تميم، لكون الحدث شغل المغردين.
وتأتي نسبة تتراوح ما بين 60% إلى 70% من التغريدات الخاصة بالأزمة الخليجية من السعودية، ويؤكد الباحث طاهر زنودة أن الأزمة الخليجية شهدت تفاعلا كبيرا من ملايين المغردين، كما أن "الباحثين بصدد تحليل البيانات، من أجل التعرف إلى ماهية ما تم بثه على مواقع التواصل الاجتماعي" بحسب الخبير التقني وقاص.
وحرص مكتب الاتصال الحكومي القطري على حث القطريين والمقيمين على عدم الانجرار خلف حملات تشويه رموز دول الخليج، أو الأفراد، في بيان أصدره في يونيو/حزيران الماضي، تلاه خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والذي أكد التوجه ذاته في يوليو/تموز الماضي، كما يقول الدكتورالأنصاري، قبل أن يتابع "ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي أحد تجليات الأزمة، وهو مجرد "شوشرة"، وإزعاج لأطراف الأزمة السياسية، عبر خطاب سطحي يريد أن يقول إنه الأعلى في هذه الأزمة".
إفساد الساحة السياسية
استخدمت وسائل التغريد التلقائي أو البوت، بطريقة طفولية من أجل التشفي في الطرف الآخر، من خلال الشتم والسب، وقذف أصحاب المسؤوليات بشكل لا يقبله دين ولا عرف، الأمر الذي أفسد الساحة المجتمعية والسياسية وفقا للدكتور الأنصاري، والذي تابع "حسابات تدار بالغرف المظلمة في السعودية والإمارات، بعيدا عن الاحساس بالمسؤولية الأخلاقية، انزلقت لهذا المستوى من السباب والشتم".
وتعمل الجيوش الإلكترونية التابعة للأجهزة الأمنية على شتم وتهديد أي شخص يكتب رأيه، والهدف من ذلك هو إظهار صورة الرأي العام بخلاف الحقيقة، وممارسة الإرهاب والضغط النفسي على صاحب الرأي الحر، حتى لا يقول رأيه، ولا يؤثر بالآخرين بحسب الإعلامي السند، والذي دعا إلى ضرورة الانتباه إلى الرأي الصادق والحر، وتمييزه عن الرأي المصطنع والموجه الذي يمثل تلك الأجهزة.
محاولات للتصدي للبوت
مع الازدياد الكبير في استخدام البوت، انتقلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى مرحلة البحث عن سبل لمقاومة مثل هذه الوسائل التي تشوش على الآراء بحسب الدكتور الأنصاري، والذي قال إن المسؤولين على فيسبوك وتويتر، باتوا يبحثون عن آليات للتصدي للتدخلات عبر البوتات خاصةً بعد التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، بهدف وقف التصرفات غير القانونية أو الأخلاقية لدى ممارسة التعبير عن الرأي.
ويسعى مسؤولو مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، للتأكد من أن الحسابات على شبكتهم حقيقية، وليست بوت، حسبما يقول الدكتور درويش، وينصح الخبير التقني وقاص بضرورة توخي الحذر من الحسابات التي تردد تغريدات سابقة لناشطين على تويتر، قائلا "على المستخدم أن يعرف جيداً أن الآلة باتت مستخدمة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تكون المعلومة التي بين يديه غير دقيقة، وعليه أن يأخذ المعلومة من مصدرها الرسمي".