استعجال أوروبي لإنقاذ الاتفاق النووي... واعتراف بصعوبة المهمة

25 مايو 2018
لقاء ظريف والوزراء الأوروبيين أطلق المساعي المشتركة(أوليفيه ماتيس/فرانس برس)
+ الخط -
يكثّف الاتحاد الأوروبي، منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8 مايو/أيار الحالي عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على طهران، مساعيه لإنقاذ هذا الاتفاق المعروف بـ"خطة العمل المشتركة الشاملة"، وذلك عبر خطوات دبلوماسية تطغى عليها العجالة. واتخذ الاتحاد سلسلة من الخطوات تضمّنت لقاء مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في بروكسل في 15 مايو، تم خلاله الإعلان عن إنشاء مجموعة عمل من الخبراء لبحث سبل إنقاذ الاتفاق مع إيران.

كما اجتمعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس الخميس مع رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، في بكين، وشددت على أن البلدين يؤيدان الاتفاق. وأشارت إلى التأثير الاقتصادي السلبي على أوروبا جراء قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق. من جهته، حذر لي، من أن إنهاء الاتفاق "لن يؤثر فقط على إيران، بل سيكون له تأثير سلبي على حل قضايا دولية أخرى ملتهبة من خلال المفاوضات السلمية"، في ما بدا إشارة إلى الأزمة الكورية الشمالية.

وتعقد مجموعة العمل اليوم الجمعة في فيينا، أول لقاء تقييمي لها على مستوى نواب وزراء الخارجية والمديرين السياسيين للدول الخمس الموقّعة على الاتفاق، أي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وإيران. لقاء يأتي قبل أيام من عقد رؤساء الدبلوماسية الأوروبية اجتماعهم الدوري في 28 الحالي، والذي سيخيّم عليه، بلا شك، الملف الإيراني.

تسعة ملفات أساسية
ويعترف كل المسؤولين الأوروبيين بصعوبة المهمة والسياق. إذ لم تتردد منسّقة السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، بالقول "نعرف أنها مهمة صعبة"، لأن العمل يتم "في بيئة صعبة للغاية"، مشبهة الأمر بوجود "مريض في العناية المركّزة... ويريد الجميع إخراجه من هذه الوحدة في أقرب وقت ممكن". كما شددت على أن الأوروبيين "مصممون على القيام بذلك وبدأنا العمل على وضع التدابير التي تساعد على تحقيق ذلك… وشهدنا الإرادة نفسها لدى الطرف الإيراني".

وتتمحور نقاشات لجنة الخبراء، بموافقة جميع الشركاء، بشكل مكثّف حول تسعة ملفات: المحافظة على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران؛ استمرار بيع منتجات النفط والغاز الإيرانية وتصريف التحويلات المرتبطة بها؛ إنشاء معاملات مصرفية فعّالة مع إيران؛ السعي من أجل إرساء علاقات مع طهران على المستوى البحري والبري والجوي والسكك الحديدية؛ استمرار تقديم ائتمانات التصدير وتطوير منتجات ذات أغراض خاصة في قطاعات المصارف والتأمين والتجارة المالية؛ تطوير وتنفيذ مذكّرات التفاهم والعقود بين الشركات الأوروبية ونظيراتها في إيران؛ تطوير الاستثمارات الأخرى في إيران؛ حماية الشركات الأوروبية وضمان تطبيق الإجراءات القانونية؛ تطوير بيئة تداول شفافة قائمة على القواعد.

تحرك سريع
وشرح الخبير في الشؤون الأوروبية، فانسون براون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف هو التوصّل إلى حلول عملية في الأسابيع المقبلة، كما سبق لموغيريني أن صرّحت بذلك، فبالنسبة للجميع، خصوصاً الأوروبيين، الأمر يتعلق بالتعجيل في اتخاذ إجراءات لتفادي تفكك الاتفاقية واستعادة القوى المحافظة لميزان القوة في إيران من جهة، وبدء تنفيذ العقوبات الأميركية على الشركات التي تتعامل مع إيران من جهة أخرى". وأشار إلى أن "لجنة الخبراء بدأت اجتماعاتها في وقت مبكر من يوم الأربعاء 16 الحالي، أي مباشرة بعد عقد اللقاء مع الوزير الإيراني. كما بدأت المفوضية الأوروبية، الجهاز التنفيذي للاتحاد، العمل من أجل بحث سبل حماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية. كما تعمل كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على إيجاد آليات وتدابير تكميلية، ليس فقط على مستوى الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً على المستوى الوطني لحماية الشركات الأوروبية".


تدابير وإجراءات لا تتضمن أي اقتراح بتغيير نص الاتفاقية من جانب واحد. إذ شددت موغيريني خلال لقاء مع الصحافة الأسبوع الماضي على أن "الاتفاق معقّد جداً، وطويل جداً، ومفصّل إلى حد ما. لا يحتاج إلى تغيير أو تعديل أو إضافة. كل شيء مكتوب". ويتعلق الأمر الآن بمسألة "إيجاد حلول عملية يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة اعتماداً على القضايا المختلفة التي نوقشت"، مع وجود هدف رئيسي بالنسبة للأوروبيين هو "الحفاظ على مستوى الاستثمار في إيران"، وفق فانسون براون.
وأوضح الخبير أن "هدف المفاوضين هو الحفاظ على المستوى نفسه من المبادلات التجارية الأوروبية الموجودة حالياً مع إيران في المستقبل. مع التأكيد، من قبل الأوروبيين، أن الشعب الإيراني يجب أن يرى نتائج تطبيق الاتفاق". ومع ذلك، فالأوروبيون، على لسان رئيسة دبلوماسيتهم، شددوا على أنه لا يمكنهم تقديم ضمانة مطلقة للإيرانيين للاستفادة من التدفق الاقتصادي نفسه.

مواجهة التحدي الأميركي
وتعدّ النقطة الرئيسية على جدول أعمال لجنة الخبراء هي مواجهة التحدي الأميركي بإعادة فرض العقوبات، وهو ما قد يؤثر على الشركات الأوروبية وغيرها. ولا تزال الخلافات كبيرة بين الطرفين في هذا السياق، إذ أعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية لا تزالان على مسافة بعيدة من التوصل إلى "تسوية" حول اتفاق نووي جديد مع إيران. وقال ماس للصحافيين بعد لقاء مع نظيره الأميركي مايك بومبيو في واشنطن مساء الأربعاء، "ما زال أمامنا طريق طويل للتوصل إلى تسوية، فنحن نأخذ مسارين مختلفين تماماً".

وفي هذا السياق، رأى السفير الأميركي السابق في بروكسل، أنثوني غاردنر، أن على الأوروبيين أن "يدافعوا عن مواقفهم وألا يتزعزع استقرارهم بسبب تقلّبات مزاجية الرئيس الأميركي". وخلال لقاء مع أعضاء من لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي قبل أيام، شدد على أن "الاتحاد الأوروبي محق في محاولة إنقاذ الاتفاق النووي من خلال مقايضة تضم قيوداً على برنامج طهران النووي مقابل منافع اقتصادية"، مشيراً إلى أن "العقوبات الأميركية المباشرة ستجعل المهمة صعبة". لكنه ذكّر الأوروبيين بأن "قانون الحظر الأوروبي لعام 1996، الذي يحظّر على أي شخص في الاتحاد الأوروبي الالتزام بالعقوبات الأميركية على كوبا أو إيران أو ليبيا، يمكن أن يكون بمثابة نموذج اليوم".

وكانت المفوضية الأوروبية قد أطلقت رسمياً، يوم الجمعة الماضي، عملية تحديث قانون الحظر الأوروبي لمواجهة العقوبات الأميركية. وهي واحدة من المسارات الأربعة التي أعدها الجهاز التنفيذي للاتحاد للحفاظ على الاتفاقية الموقّعة مع إيران. "بالنسبة للأوروبيين، تهدف هذه المبادرة في المقام الأول إلى إرسال إشارة إلى كل من السلطات الأميركية والشركات الأوروبية وإيران"، بحسب فانسون براون، مضيفاً "تظل الولايات المتحدة حليفاً وشريكاً رئيسياً بالنسبة للأوروبيين. لكنهم يريدون أيضاً حماية اقتصادهم كما قال رئيس المفوضية، جان كلود يونكر، في القمة غير الرسمية لقادة الاتحاد في صوفيا"، لافتاً إلى أن "الأمر يتعلق بإبراز المنافع الاقتصادية لإيران للبقاء في الاتفاق".
وبشكل ملموس، أعدّت المفوضية الأوروبية أربعة مسارات هي قيد الدراسة أو الإعداد: تحديث قانون الحظر الأوروبي لتجميد العقوبات الأميركية لعام 1996؛ منح بنك الاستثمار الأوروبي الفرصة لدعم الشركات في إيران؛ متابعة التعاون القطاعي مع إيران؛ دراسة إمكانيات التحويل المصرفي إلى البنك المركزي الإيراني.

رفض خلط الملفات
ويعتبر الأوروبيون أن إضافة بنود أخرى إلى الاتفاق النووي مع إيران ستدمره. ففتح مفاوضات جديدة مع إيران حول القضايا الخلافية الأخرى، كالصواريخ الباليستية ومستقبل الاتفاقية النووية وتدخّل إيران في النزاعات الإقليمية، هي ملفات منفصلة عن الاتفاق نفسه. ووفقاً لموغيريني، "نحن واضحون جداً حول مسألة أنه لا توجد علاقة بين الملفين. تم إبرام الاتفاقية النووية وهي تعمل بالضبط لأنها متعلقة بالملف النووي. ونحن ننفذ التزاماتنا في هذا السياق". ولكن ذلك لا يلغي إمكانية التطرق إلى الملفات الأخرى في المستقبل وبأداة أخرى، فبحسب موغيريني "من الواضح أن الأمر لا يعني استبعاد كل القضايا الأخرى التي نناقشها مع إيران ولكن يجب علينا التعامل معها بشكل منفصل"، فمن دون التوصّل إلى اتفاق بشأن الطاقة النووية، "سيكون من الصعب للغاية أن تكون هناك قاعدة لمناقشة أي شيء آخر أو التفاوض عليه".